هل تستوعب الإدارة الأميركية الدرس في مجلس الأمن…؟
محمد ح. الحاج
أدرك العالم مدى الخزي الأميركي في مجلس الأمن عند التصويت على المشروع الذي قدّمته المندوبة الأميركية… وحدها صوّتت لصالحه، الولايات المتحدة وحيدة معزولة في المجلس! أبلغ القول ما جاء على لسان معلق مغمور: كانت أمنية أميركية لو أنّ ميكرونيزيا عضو في المجلس إذا لكانت وقفت إلى جانب المندوبة الأميركية على الأقلّ، الأكثر إيلاماً كان التصويت على المشروع الكويتي، فاز بعشرة أصوات، وامتنع أربعة خوفاً من ردّ الفعل الأميركي، وهكذا أجبرت أميركا على استخدام حقّ النقض.. الفيتو! يا للسخرية.
قبل أيام طلبت المندوبة الأميركية عقد جلسة عاجلة لإدانة الصواريخ الفلسطينية على محيط قطاع غزة! الصواريخ التي كانت تتساقط بعيداً عن المستوطنين ومناطق سكناهم، لكنها تدفع بهم إلى الملاجئ وتصيبهم بالرعب، ويبدو أنها تطوّرت قليلاً فتساقط بعضها في شوارع المستوطنات وبقي تأثيرها معنوياً أكثر من تأثيرها المدمّر.. وحده الرعب تنامى عند المستوطنين وساهمت حكومة نتن ياهو بإثارة مشاعرهم عند إطلاق صافرات الإنذار ودفعهم إلى الملاجئ.. المندوبة الأميركية طلبت إدانة الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الخوف والرعب الذي أصاب المستوطنين، مع ذلك فشلت في تحقيق الإدانة، كما أفشلت المشروع الكويتي «المتوازن» وبقيت وحدها السخرية المريرة من لجوء أميركا والكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن!
أيها الفلسطينيون لماذا لا تموتون بصمت؟ الميركافا تقذفكم بباقات الزنبق، وآلاف ستة عشر تلقي عليكم حاويات مملوءة بالعطر، الصهيوني ينفذ إرادة الرب يهوه فهو لا يرتكب الخطيئة مثلكم، وأما الوكالة الربانية الحصرية للإدارة الأميركية في تقرير مصائر البشر فهي غير قابلة للنقض ولا النقد، ولا تستطيع حتى القيادة الأميركية التخلص من الالتزام بها، إنها أحكام التوراة والتلمود وبروتوكولات خبثاء صهيون، فلماذا العناد وإثارة الضجيج والفوضى ورمي المفرقعات على المستوطنين وارهابهم؟ لماذا لا تكتفون بالمقاليع والنقيفات وإشعال الدواليب واستقبال الطلقات المطاطية أو حتى المتفجّرة، وقنابل الغاز السام وخراطيم المياه… على طريق العودة المغلق بالأسلاك والبوابات المكهربة… أبواب العودة لن تفتح، والعودة يلزمها مدفع!
يقول أحدهم: اكتشف الفلسطينيون أنّ اتكالهم على محيطهم العربي لم يجدهم نفعاً، اكتشفوا أكثر أنّ قضيتهم كانت سلعة المتاجرة الأكثر رواجاً، ويتابع القول: إنهم بدأوا يتكلون على أنفسهم بعد أن أدركوا أنّ الموقف السوري مع القضية كان سبب الحرب الشعواء على سورية، وأنّ ايران تقف بصدق معهم وشرطها الوحيد الإخلاص في العمل للتحرير واستعادة القدس ومنع تهويدها، ولكن هل هذا الاكتشاف المتأخر يشمل الجميع في فلسطين وخارجها، أم أنه ما زال البعض في الداخل الفلسطيني يعتبر القضية مشاعاً لمن يدفع ويموّل حتى وإنْ مارس الطعن في الظهر؟
لا تلام الولايات المتحدة الأميركية على مواقفها فهي وريثة المشروع الأوروبي الشرعية منذ سقوط الامبراطورية الانجليزية التي ما كانت تغيب عنها الشمس، فأفلت شمسها، بل منذ أصبحت تدور في الفلك الأميركي مجرد تابع صغير، اختزلت أميركا مصالح الغرب كلها لتصبح مصالح أميركية خالصة، ولهؤلاء فتات المائدة، يبدو أنّ الأوروبيين بحاجة لاكتشاف الحقيقة في تعاملهم مع الأميركي كما اكتشفها الفلسطينيون، حقيقة سخرية هذا الأميركي من قارتهم العجوز، واستخدامهم في التغطية على مشاريعه الخاصة وعدوانيته التي بلا حدود، بل العدوانية التي فاقت كلّ توقع وخرجت بعيداً عن المنطق، ما دفع بالجميع للتخلي عنها ومحاولة التبرّؤ منها تماماً كما في الرسالة التي تلقتها في مجلس الأمن! كنت أتساءل ومثلي كثير من المراقبين والمحللين عما كان يدور في خلد المندوبة الأميركية هايلي ومعنى نظراتها يميناً وشمالاً فلا ترى يد مرفوعة لصالح مشروعها، أنا شخصياً أعتقد أنّ الأميركان بلا مشاعر ولا تعني لهم هذه المواقف أيّ شيء، يتجاوزونها بسهولة، يتناسونها ليبحثوا عن بديل في موقع آخر للتعويض، ويبيّتون النية لمعاقبة من وقف ضدّهم وهو الموقف الذي تأخذه بالحسبان كثير من الدول التي تدخل رحاب المجلس أعضاء غير دائمين.
الإدارة الأميركية تقول بحق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه، وكأنّ هذا الكيان يتعرّض لعدوان، في الحقيقة هو من يمارسه، في المقابل ليس من حق أحد الردّ على الكيان، ولا على أية قوة أو مجموعة أميركية أو تحت الحماية، موقف يبعث على التساؤل هل حق الدفاع محصور بأصحاب النفس الالهية، وأنّ أبناء الغوييم ليس لهم الحق ذاته فهم أصحاب النفس «الحيوانية»، وهكذا يكون العالم كله.. ما عدا اليهود من أصحاب النفس الحيوانية إلا إذا كان من يحكم ويتحكم بأميركا عنده تفسير آخر، وأنّ هناك استثناء للبعض من الغوييم الذين يعملون في خدمة المحفل وأبناء «يهوه العظيم»!
الولايات المتحدة لا تعترف بالقانون الدولي ولا تحترمه، هي دولة خارجة على القانون!
الدولة الوحيدة التي تضع قوانينها الخاصة وتطبّقها على الآخرين دون أن تراها مخالفة، بل وتطلب من المجتمع الدولي غير الموجود أن يبرّر أفعالها ويوجد لها التغطية القانونية كما فعلت في العراق وكما تفعل في سورية!
الدولة التي تعلن عن قيام تحالف دون استشارة الدول الأخرى، تقود هذا التحالف الشكلي وترتكب باسمه العدوان والفظائع، تبرّرها لنفسها وتحمّل الآخرين المسؤولية، بل وتجبرهم على دفع الثمن تعويضاً لقواتها وتغطية لجرائمهم، وآخر إبداعات هذه الإدارة توجيه الإنذار للجيش السوري بعدم التعرّض لقواتها المتواجدة على الأرض السورية متجاوزة القانون، وتعلن حمايتها لبقايا العصابات ممن أنقذتهم وقامت بنقلهم إلى أماكن تواجدها لاستخدامهم وقت تقرّر وترغب وحيث يكون ذلك مبرّراً أو ذريعة لردّ فعلها الذي تسمّيه عقاباً!
حتى اللحظة لا يبدو أنّ الإدارة الأميركية قادرة على استيعاب الموقف القائل بأنها ليست القوة الوحيدة على سطح الأرض، ولا تأخذ بالحسبان أنّ غطرستها وتقديرها لذاتها ومحاولة فرض نرجسيتها على العالم خروجاً على الواقع والمنطق ربما يقود العالم إلى نهاية كارثية إذ في الوقت الذي ترفع حدة التوتر واحتمال الصدام إلى الذروة تنتظر من الآخرين ضبط النفس والتجاوز وعدم ردّ الفعل، بل الرضوخ والاعتراف بأحقيتها في فعل ذلك دون مبرر سوى الغطرسة.
عملت الولايات المتحدة منذ البدء على السيطرة على العالم عن طريق النقد حيث كان لكلّ دولار معادل ذهبي حتى كسبت الثقة وأصبح الدولار عملة دولية ثم سحبت تغطيته المعروفة وما زالت تطبع منه كميات لا تساوي أكثر من قيمة الورق، ويبدو أنّ العالم يفكر جدياً بالخروج على هذه السيطرة، التي ستؤدّي إلى نهاية الدولة صاحبته إذا ما تمّ التوافق العالمي على سلة من العملات شرط أن تكون مضمونة بطريقة ما وذات أسعار ثابتة على المستوى الدولي، وإذا كانت النبوءة تتضمّن أنّ نهاية الدولار ستكون بين 2023 و 2025 فالقادم قريب، ونحن ننتظر؟
من المعيب أن ترتهن أية قوة مقاومة لقرار المعونة الأميركية، أميركا تهدّد السلطة الفلسطينية، وإذا كانت السلطة ستلجأ إلى القوى العربية الكبيرة كمصر والسعودية، فالأولى تخضع لنفس الابتزاز وقف المساعدات – والأخيرة هي صندوق التمويل الذي يغطي نفقات المصالح الأميركية بقرار من الرئيس التنفيذي في واشنطن… زمن التسوّل!