ولّى زمن احتكار «السعد»

هتاف دهام

بدأت التساؤلات تطرح حيال مَن سيمثل سنّة 8 آذار والوسطيين في حكومة الوحدة الوطنية، المرتقبة ولادتها بعد عيد الفطر، على ذمة توقعات المتفائلين.

تنهمك القوى السياسية الطرابلسية والبقاعية والبيروتية والصيداوية بترقب ما ستؤول إليه المشاورات المقبلة لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لا سيما أنّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بدا إيجابياً خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة، علماً أنّ الحريري نفسه يحاول تقديم تياره المستقبلي ذا التوجه السني على أنه الممثل الوحيد للطائفة، فهو ألمح في الساعات الأخيرة التي سبقت زيارته الرياض أنه لن يقبل بتمثيل أيّ من المكونات السنية، غير المنضوية في الكتلة الزرقاء.

فهل فعلاً الحريري وحده يمثل السنة؟ وما هو المعيار الحقيقي لهذا التمثيل؟

لا شك في أنّ نتائج الانتخابات أفرزت واقعاً جديداً في المعادلة السنية كما في المعادلة الوطنية، لكن التغيير داخل البيت السني كان جوهرياً. صحيح أنّ الحريري حافظ على كتلة صلبة من 19 نائباً لكن الأكيد أيضاً أنّ من أصل 27 نائباً سنياً، هناك 10 نواب سنة يصنّفون في المعسكر الضدّ والوسطي.

بالمعنى العددي، يمكن القول إنّ ثلث التمثيل السني لا يرفع القبعة الزرقاء. وبالمقارنة مع التمثيل الشيعي فإنه يمثل نتيجة رقمية مختلفة كلياً. أما في الحاصل السياسي فإنّ التطوّر النوعي تأكد بدخول خصوم الحريري التاريخيّين في الطائفة السنية الندوة البرلمانية.

لقد رسخت معطيات 6 أيار حسابات مختلفة عن انتخابات 2005، لن يستطيع الشيخ سعد تخطيها أو تجاوزها. ولّت التوترات المذهبية التي رافقت انتخابات 2005 وكرّست الحريري زعيماً سنياً وحيداً. التسونامي الأزرق تلقى ضربة مدوّية في العام 2018، في دوائر بيروت الثانية، الشمال الثانية، البقاع الثانية والجنوب الأولى. فتفنيد الأرقام يظهر تراجع تياره في الشارع السني على وجه الخصوص. وعليه، فإنّ الشيخ سعد حتى إشعار آخر هو زعيم سني أول مع منافسين. وهذا يعني سقوط مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بين 1992 و2005 ثم سقوط مرحلة «السعد» بين 2005 و2018 كزعيم للحريرية السياسية احتكر التمثيل السني طوال أكثر من عقد من الزمن.

وبناء على ما تقدّم، ومن ضمن هذه المعطيات وعلى ضوء موازين القوى المستجدّ يبدو أنّ رياحاً متغيّرة قد لفحت بيت الوسط وأسّست لمعادلات جديدة.

وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّ ضرورات تشكيل الحكومة وفق قاعدة التوازنات السياسية والجغرافية تحتم أن يتمثل تيار العزم بوزير، وسنة 8 آذار بوزير، علماً أنّ المنضوين تحت لواء سنة المعارضة السنية يطالبون بوزيرين.

وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «البناء» فإنّ رئيس حزب الاتحاد النائب عبد الرحيم مراد يريد أن يتمثل في الحكومة من دون أن يحدّد الاسم أو الحقيبة، وخلال الاستشارات غير الملزمة أبدى الرئيس المكلف تجاوباً معه. كذلك، ثمة من يهمس أنّ كتلة الشمال ستتمثل بوزير هو النائب فيصل كرامي. في حين تبدي مصادر مطلعة في فريق 8 آذار لـ«البناء» مخاوفها من أن تضيع البوصلة بين حلفائه السنة فيتفرّق العشاق وتطير الحقيبة من حصتهم.

في المقابل، من المرجح أن تتمثل كتلة تيار العزم المتنوّعة طائفياً بوزير سني، وتردّدت معلومات أنّ الرئيس ميقاتي طرح اسم الدكتور خلدون الشريف، لا سيما أنّ المقاعد المسيحية ستشهد أخذاً ورداً بين الأطراف المسيحية الاساسية. ولعلّ من مصلحة الحريري، بحسب مصادر مطلعة لـ«البناء»، أن يكون إلى جانبه الرئيس ميقاتي لما يمثله من رافعة طرابلسية سنية ووطنية، وعدم قدرة الحريري تجاوز كتلة الوسط المستقلّ. ما يعني أنّ عليه تطبيق القاعدة التوزيرية على هذه الكتلة في الوقت الذي يتوزع نواب 8 آذار في دوائر متباعدة.

وإذا كان رئيس الجمهورية ينوي تسمية وزير سني من حصته جرياً على ما درج عليه في حكومة استعادة الثقة، فعندئد سيسمّي الرئيس الحريري حتماً وزيراً مارونياً.

عدد الوزراء السنة في الحكومة الثلاثينية هو 6، أسوة بعدد الوزراء الشيعة والموارنة. وعلى هذا الأساس، فإنّ حصة تيار المستقبل ستقتصر على وزيرين سنيين وماروني واحد، في حال تمثل سنة 8 آذار بوزيرين. أما في حال تمثلوا بوزير واحد، وهذا الاحتمال المنطقي، فإن الحصة الزرقاء ستكون ثلاثة وزراء سنة. ليبقى الأكيد أنّ مرحلة جديدة في العمل ضمن الساحة السنية سترتسم وفق خيارات الحريري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى