ماكرون وترودو لن يتردّدا في عزل الولايات المتحدة!
بسبب مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المغايرة للدول الست الأعضاء في مجموعة الدول الاقتصادية السبع الكبرى، على خلفية الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها مؤخراً على حلفائه مثيراً «احتجاجات شديدة»، من المرجّح أن تطرح فرنسا وكندا سيناريوات محتملة للمجموعة، ومنها تحوّل المجموعة إلى «6+1».
وجرى الإعداد للقمة السنوية في عواصم دول مجموعة السبع على أنها «مباراة تتواجه فيها ست بلدان مع بلد سابع»، حيث تشهد بصورة استثنائية هذه السنة توتراً شديداً، بعد انسحاب واشنطن في خطوة أحادية من الاتفاق النووي الإيراني، يبدو التصعيد حول الرسوم الجمركية بمثابة طعن في سبب وجود مجموعة السبع باعتبارها ضمانة للنظام العالمي.
وأصدر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي يستضيف القمة، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصل أول أمس إلى كندا، إعلاناً مشتركاً شديد اللهجة يدافع عن «نهج تعدّدي قوي ومسؤول وشفاف»، وهي صيغة من المستبعَد أن توافق عليها واشنطن.
ومع تصاعد حدة الخلاف حول الرسوم الجمركية، بات من المحتمل ألا تصدر القمة سوى بيان ختامي يقتصر على «الخطاب التوافقي حول تلوّث المحيطات أو المساواة بين الرجل والمرأة».
وأعلن قصر الإليزيه «إذا تمادت الولايات المتحدة في مقاومتها، علينا ألا نضحّي بمبادئنا ومصالحنا من أجل وحدة ظاهرية»، ما يعني أنه «من المستبعَد عدم ذكر اتفاق باريس حول المناخ الذي انسحبت منه واشنطن، أو اتهام إيران بعدم احترام الاتفاق حول ملفها النووي».
وعلى صعيد التجارة، تصرّ فرنسا على القول إن «التجارة يجب أن تكون منفتحة وحرة وعادلة بين دول مجموعة السبع».
وأعلن الإليزيه بعد عشاء طويل بين الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الكندي أنهما «توافقا على القول إنه إذا لم يكن من خيار آخر، فلن يتردّدا عن عزل الولايات المتحدة».
في هذا الصّدد، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال لقائهما في أتاوا الكندية أول أمس، «أنّهما ليسا مستعدين للقبول بكل شيء من أجل أن يصدر بيان مشترك مع الولايات المتحدة عن قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تلتئم في كيبيك اليوم وغداً».
وأقرّ الإليزيه بأنّ «بقية الدول الأعضاء في مجموعة السبع الكبرى عاجزة عن تغيير موقف ترامب أو تليينه، سواء تعلّق الأمر باتفاق باريس للمناخ أو بالاتفاق النووي الإيراني». ومن هنا اتفق ماكرون وترودو على السيناريوات المحتملة لما ستفضي إليه قمة كيبيك.
وناقش ماكرون وترودو مختلف السيناريوات، خصوصاً ألا يفضي اجتماع مجموعة السبع سوى عن إعلان يصدر عن الرئاسة الكندية للمجموعة، ما سيشكل «نصاً في الحد الأدنى»، والاحتمال الآخر هو «إعلان الدول الست موقفاً حول القضايا الشائكة، وبيان مشترك للسبع حول القضايا الأخرى».
وقالت الرئاسة الفرنسية: «نحن لسنا هنا كي نحاول إقناع دونالد ترامب بالعدول عن مواقفه، لأننا نعلم أنه ينفذ ما وعد به في حملته الانتخابية.. المسألة تتلخص في الآتي: إلى أي مدى نقبل بتعديلات محتملة من أجل أن يكون هناك بيان مشترك؟ على سبيل المثال، نحن لن نكون مستعدين للقبول ببيان لا يذكر اتفاق باريس للمناخ».
وبحسب الإليزيه فإنّ «الاتفاق المناخي ليس نقطة الخلاف الوحيدة مع واشنطن، بل الاتفاق النووي الإيراني الذي أعلن ترامب مؤخراً انسحاب بلاده منه، هو نقطة خلاف أساسية أخرى بين الولايات المتحدة من جهة، وبقية شركائها في مجموعة السبع من جهة أخرى».
وقالت الرئاسة الفرنسية: «في ما يتعلق بإيران نحن لن نقبل أبداً بإعلان يدين الاتفاق النووي الإيراني أو يعتبره لاغياً أو أن إيران لا تحترم تعهداتها».
من جهة أخرى، ترغب باريس في أن يشير البيان الختامي إلى «مبدأ احترام قواعد مشتركة يشكل برنامج عمل لإحداث تغيير في منظمة التجارة العالمية، بهدف ضمان تجارة مفتوحة وحرة وعادلة بين دول مجموعة السبع وأبعد منها»، وأن يشير إلى أنّ «التشكيك في هذا النظام التجاري يشكل مجازفة وتهديداً عالمياً».
وبعد أشهر من اللقاءات الثنائية غير المجدية، يقابل ترامب اليوم وغداً وجهاً لوجه في مالابي بكيبك قادة كندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان، وهي دول صديقة تخشى من انعكاسات سياسة «أميركا أولاً» على النمو العالمي.
وفيما توقعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل «سجالات» مع ترامب خلال القمة، قال مسؤول أوروبي كبير هذا الأسبوع «إنّ الرسوم الضريبية هي بنظرنا غير قانونية، ما يجعل من الصعب صياغة نص مشترك».
لكن ترامب لم يبد أي نية في «تليين موقفه»، وقد وطّد مؤخراً «سياسته الحمائية بعد سنة أولى في البيت الأبيض طغى عليها التردّد».
وهو على قناعة بأنّ «الولايات المتحدة تحتلّ موقعاً مهيمناً في اختبار القوة القائم حالياً بصفتها القوة الاقتصادية الأولى في العالم. وهو على ثقة بأنه «سيتمكّن من إرغام شركائه على الرضوخ لمطالبه وزيادة صادراتهم من المنتجات الأميركية»، ولو أنّ كندا والاتحاد الأوروبي يقاومان حتى الآن ورداً على التدابير الجمركية الأميركية بـ «فرض رسوم مضادة».
وقال لاري كادلو مستشار ترامب الاقتصادي «قد تكون هناك خلافات، لكنني أفضل التحدث عن شجار عائلي»، مؤكداً أنّ «كل ما يطالب به الرئيس هو المعاملة بالمثل».
ويقدّم الخطاب الرسمي الأميركي ترامب على أنه «المنقذ وليس المخرّب لنظام دولي يدافع عنه بوجه الغشاشين، وفي طليعتهم الصين». غير أنّ «الرئيس الأميركي يندد كذلك بألمانيا وسياراتها وبكندا وصلبها»، مصنفاً البلدين في «خانة الانتهازيين»، وهو اتهام تستغربه «أوتاوا وبرلين».
ومع احتدام الأجواء وتصاعد الخلافات والاتهامات المتبادلة، بات يُنظر إلى القمة المرتقبة بين ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون على أنها «ستكون أكثر وداً من اللقاء مع أصدقائه في مجموعة السبع».
وقال لورانس ناردون من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إنّ «ترامب سيستخدم كل وسائل الضغط لإحداث شقاقات بين الأطراف الستة الأخرين، من أجل أن يتفككوا ويفعلوا ما يريده هو، الدخول في مفاوضات ثنائية» مضيفاً «صمد الستة حتى الآن، لكن ترامب لم ينته بعد».
غير أنّ ترامب أثبت بعد مضي أكثر من خمسمئة يوم على تولّيه السلطة، أنّه «لا يستسلم للضغوط».
ولفت ويليام آلان راينش من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إلى أنّه «حين يتعرّض لانتقادات، فإن توجّه الرئيس هو لشنّ هجوم مضاد».