ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الرفيق الشاعر الأديب الخطيب القومي الاجتماعي حسن مرتضى… تمضي سنوات قبل ان نشعر بغيابه

عندما وصلني خبر رحيل الرفيق حسن مرتضى، استعدت فوراً في ذاكرتي تلك المجموعة الحلوة من الامناء والرفقاء الذين كانوا يلتقون اسبوعياً في بيروت، وكلامهم واحد: الحزب.

من هؤلاء، اذكر الأمين سبع منصور والرفقاء محمد علي شماع 1 ، محمد خليفة، حكمت غندور، عبد اللطيف كنفاني، ذو الفقار قبيسي، كما اذكر جيداً تلك العلاقة الجيدة التي كانت تربط الرفيق مرتضى بالامناء نواف حردان، جورج معلوف، شوقي خيرالله، إميل طيار، والرفقاء انيس ابو رافع، ادمون شديد، نورالدين نورالدين، رامز صباغ، اسعد خوري، سامي خوري، نقفور نقفور.

واذ اذكر الرفيق حسن مرتضى، اعود بالذاكرة إلى امناء ورفقاء كانوا من بناة العمل القومي الاجتماعي في صور، بدءاً من الأمين مصطفى عزالدين، مروراً بالرفيق المؤسس للعمل الحزبي مصطفى تمساح، والمنفذين العامين د. شكرالله حداد 2 ، يوسف الباشا، خليل توفيق حلاوي وشقيقه علي.

كنا في نبذات سابقة تحدثنا عن رفقاء وعن احداث حصلت في مدينة صور، تلك المدينة التي زارها سعاده، وكان للحزب فيها حضوره المميّز، ومن ابنائها سقط شهداء، وبرز رفقاء عديدون في مسؤوليات حزبية محلية ومركزية.

طالما رغبت إلى الرفيق حسن مرتضى ان يكتب عن تاريخ العمل الحزبي في صور وهو من اكثر من رافقه، بأحداثه، وشهدائه، ومناضليه، وكان حفظ لنا في مؤلفه «ونبقى معه» الكثير من الخطب والمقالات التي يصح ان يستند إليها من يتنكب في اي وقت مسؤولية تدوين ما امكن من تاريخنا الحزبي في مدينة اليسار.

عسانا بذلك نكون اوفياء للمناضلين الراحلين، ونبقي للاجيال، تلك الرياحين الحلوة من تاريخ حزبهم.

لعل ما كتىبه الاعلامي ياسر نعمة تحت عنوان «ونبقى معه» هدية حسن مرتضى إلى الزعيم، من افضل ما كتب عن الرفيق حسن مرتضى.

ننشر ذلك على امل ان نهتم لاحقاً بإعداد نبذة غنية نعرض فيها لسيرة ومسيرة احد اصفى مناضلي الحزب في الجنوب اللبناني، والذي سيبقى مستمراً في وجدان الرفقاء الذين عرفوه، وخالداً في ذاكرة الحزب، الذي كان وفياً له طوال سنوات انتمائه إليه.

« ثابت، بالرغم من محاولات عاشها ويعيشها، يدونها ويلقيها ويحدث بها بنشوة وحلاوة.

حسن مرتضى، الرجل الذي يعيش الآن في الربع الأخير من عمره المديد، تراه في كل واجب، حاضراً في كل نشاط اجتماعي وثقافي، إنه رجل مميز يعيش بين الناس ويقطر عسلاً.

«ونبقى معه» كتاب حسن مرتضى، هو أولاً تحية مرفوعة إلى الزعيم سعاده، وكان أول من رأه فيها حسن ـ كما أنا ـ في صور يوم جاء لزيارتها.

للكتاب مقدمة رائعة غير مؤرخة للراحل عبد الله قبرصي، وأقول غير مؤرخة لأنه قال «إني أقدم للنهضة القومية الاجتماعية وللأمة أديباً جديداً…» أبداً ما كان حسن جديداً، لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لعبد الله قبرصي، ولا رفاقه المتابعين الكثر أصحاب اللغة المسبوكة ذات الخصوصية والأثر، وهنا استدرك: لعل المؤلف شطب تاريخ المقدمة نظراً لرحيل صاحب المقدمة.

«الزعيم» الذي رآه حسن مرتضى، رأيته أنا وكنت مع الجمع الذي استقبله، كنت مع الصغار وكنا في المقدمة عندما خاطبه فايز صايغ بكلمة هادرة وأذكر ما زلت أنه عندما التقت عيناني بعينيه وكان مقطباً مصغياً فابتسم… اقتربت منه فوضع يده على رأسي ثم تحدث طويلاً ويده بقيت على رأسي، في ذلك المقهى الصيفي المستطيل الممتد على بوابة صور، والذي أنشئ على كتف البحر مقابل مكتبة العروبة التي قيل بعدها بعام أو أكثر إن العروبة أفلست، وقالها على ما أذكر سعيد تقي الدين؟! والمهم أن العروبة في النصف الأول من الخمسينيات سطعت بوهج كبير وكان بدرها جمال عبد الناصر، ولكنها عادت وخبت في الستينيات، ولهذا حديث آخر، ما أذكره هو جزئية في زيارة الزعيم لصور فاتت المؤلف الذي سرد ما سرد عنها بدقة وأورد أسماء محببة ظهرت في تلك الزيارة التاريخية التي ما زالت صور تتذكرها ونذكرها.

«ونبقى معه» كتاب حسن مرتضى هو «ألبوم» فخم فيه أغنيات وأحزان وذكريات، فيه مرارة وحرقة على شباب ورجال من أجيال وملل ومدن وأقاليم، «ألبوم» فيه الصور والألوان والتأكيد على الأساس العقائدي، على النهضة وعلى الانبعاث القومي بإيمان قوي جداً بصاحب الرسالة، ذلك الساحر ذو الشخصية الاستثنائية انطون سعاده، وقد وصلت العلاقة بينه وبين مريديه ومحازبيه إلى درجة العبادة وفعل «الحج» بطقوس مارسها الرفاق القدامى، وهنا يلاحظ أن حسن مرتضى تأثر كثيراً بلفلسفة ومبادئ وشخصية وسلوك انطون سعاده وآمن بكل ذلك وأكثر مع هامش خاص حر اختطه لنفسه ومارسه، وقد عانى حسن ما عاناه نتيجة ذلك، ومعاناته لم تصل إلى حد الأذى بالذات، هو تجنب الأذى فسافر وأقام وعمل في داكار عاصمة السنغال فغاب لسنوات عاد بعدها وتعامل مع واقع جديد بدون ان يتخلى عما آمن به، بل داوى ذلك بشبكة علاقات واسعة وبمرونة متناهية معترفاً بالآخر وبكل آخر مهما كانت درجة ثقافته حتى ولو كانت بمستوى الصفر أو علت حتى فاقت ثقافته هو.

كتابه «ونبقى معه» ممتع ومنوع وملحن وفيه الكثير من الحنين والوقائع والخيال في قصائد جادة وأهازيج طلية.

في القراءة تشعر ان حسن مرتضى يحدثك وينتقل بك من موضوع إلى آخر وكأنك معه في زمن واحد، عاميته فصحى وفصحاه سلسة لا تضاريس فيها ولا أشواك وفيها العمق، وتساعدك معرفتك لحسن ولتاريخه السياسي والثقافي والاجتماعي لفهمه ولفهم ما يكتب ولماذا يكتب ولمن يكتب، الشعر تجده في كل قطعة وكذلك الإيمان والإخلاص والتفاني والحب الصادق.

حسن مرتضى السوري القومي الاجتماعي رفيق الشيوعيين الحزبيين القياديين ولاحقاً صديق العروبيين من قوميين وبعثيين ثم صديق الأحزاب المنخرطة في العمل السياسي الانتخابي كامتداد لإعجابه وتأييده لنضالاتها المقاومة وتضحياتها، وهو في كل مناسبة وعلى كل منبر يفرح ويؤاسي ويشير ويوجه برأي سديد ومسؤول بدون تطفل وبتواضع عفوي فطر عليه.

في كتابه عشق كلي، عشق للتاريخ وللبحر لكل ما آمن به، وهو في الوقت ذاته يروي الطرائف التي مرت به بتدفق وببسمة تضفي على الطرفة حركة وحياة.

عندما كان فتى يافعاً فقد شقيقه اسماعيل، ويبدو ان اسماعيل الشاب الذي قتل بطلقة من بندقية صديق له فحزنت صور كثيراً عليه، كان مثقفاً.. تابعه حسن متابعة الشقيق الصغير للشقيق الكبير وكان اسماعيل شيوعياً بعلاقاته وكاد حسن ان

ينخرط في تلك العلاقات والنشاطات بالرغم من صغر سنه، إذ كان في العاشرة أو أكثر بقليل، ولكنه أفلت من إطار الجماعة، جماعة شقيقه والتحق بجماعة أخرى بحكم صداقته لزميل دراسة فانخرط في الحزب الضد «المتعارك» مع الحزب الشيوعي.

دوّن حسن مرتضى في كتابه وأثبت ما يجب إثباته لكل ما يتعلق بالأحداث والأشخاص مما يشعرك ان عالمه وهو صغير السن لم يكن بيته أو مدرسته، بل مدينته وأسواقها وناسها ونشاطاتها، وتجلى ذلك أكثر في فصل خاص عن «سوق الفشخة» حيث متجر والده وهو متجر كبير، وكان يساعد

الوالد ساعات في النهار حيث كان يذهب «السيد عبد الله مرتضى» لأداء فروض الصلاة ويتسلم حسن المتجر فيلتم عنده بعض الرفاق والمعارف فيتحدثون ويكثرون الحديث ويتناولون من بضاعة المحل ما يأكلونه من جوز ولوز وصنوبر وتمر، وفي وجودهم وأحاديثهم تكثر الطرائف والحكايا…

جار المحل التجاري محل السمكري «العبد دكروب» الذي كان يعمل عنده شقيقه «محمد دكروب» الذي سيصبح في ما بعد كاتباً ناقداً وأديباً وشيوعياً في مرتبة فكرية متقدمة، ولحسن مرتضى في جاره «أهزوجة» في أسطر بالعامية تحت عنوان:

«إبن دكروب»

وفي عنده ابن دكروب

راكب راسو بالشقلوب

عامل حالو هالحبوب

محرر تلك الشعوب

لو شفتو وتأملتو

متل الشمعة عم يدوب

غاطس بقرابة لينين

ومش راضي عن ستالين

وخيو العبد لله يعين

قدر ما منو مهروب

«ونبقى معه» كتاب يتنقل فيه حسن مرتضى فيكتب عن أيام المراهقة، بالعامية يكتب وبالفصحى، عن الحب يكتب وعن السياسة والنضال والتشرد والتوقيف والهجرة وعن كل ما تعرض له… ويستعيد قصائد منسية، وشظايا كتابات تضيء ولا تعيق.

في «ونبقى معه» صفحات كثيرة حملت ما كتبه وألقاه في تكريم كبار ورفاق ورجال فكر وسياسة ومواقف في منتديات ومحافل كونه عضواً فاعلاً فيها، وهنا تجد أسماء ذات قيمة وأثر، وفي الكتاب أسماء أخرى عزيزة على المؤلف وعلى معظم أبناء مدينة صور رثاهم حسن مرتضى وبكى بعضهم».

هوامش:

1 – محمد علي شماع: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – شكرالله حداد: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على الموقع المذكور آنفاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى