السراج الذي لم ينطفئ زيته
الياس عشّي
تُرى كم من الوقت يلزمك كي تتوقّف عن الكتابة ، وتتخلّى عن زاوية كانت ، لسنوات، المعبر الذي تسلكه كلّ صباح، أو كلّ أسبوع ، لتصل إلى قلوب الناس وعقولهم وعيونهم؟
سؤال أطرحه اليوم بإلحاح وأنا أرى العالم العربي محاصراً إمّا ببحيرات من النفط ، وإمّا بمستنقعات من الفكر! وكلاهما لا تعيش فيهما الأسماك الملوّنة ، ولا الكلمات الجميلة ، ولا الصور الموحية ، ولا العواطف الصادقة، ولا المواقف اللافتة والشجاعة التي تذكّرك بسقراط وابن المقفّع والحلاّج وسعاده وغيرهم ممّن كتبوا ليبقوا أحياء.
سؤال أطرحه والعالم العربيّ مصادر من إمبراطوريّات إعلاميّة تديرها، بطريقة أو بأخرى ، منظمّات صهيونيّة ــ أميركيّة ، هدفها الأساس ترسيخ الفكر الغيبي، ومحاربة العقل المنفتح على الآخر، وزرع الفتنة بين الأديان والمذاهب، وإيقاظ العصبيات العرقية ، وتفتيت الكيانات ، والقضاء نهائيّاً على جميع المشاريع الوحدويّة، للوصول إلى وحدة «إسرائيل» الكبرى الممتدّة من الفرات إلى النيل.
ولمن تكتب والعرب، ملوكاً وأمراءً وبعض الرؤساء ورجال دين ومثقّفين، كانوا الذراع التي ضربت فيها «إسرائيل» إحدى أهم الحضارات الثلاث التي عرفها العالم قبل ألوف من السنوات . أنكتب لهم وهم لا يقرأون ؟ أنخاطبهم وهم لا يسمعون ؟ أنحدّثهم عن أمجادنا والتاريخُ لم يبدأ عندهم إلاّ مع اكتشاف النفط ؟ أنحدّثهم عن حريّة الرأي في الإسلام وهم لا يميّزون بين قطع رأس تمثال أبي العلاء المعرّي وقتل رجال دين عرفوا بانفتاحهم على الآخر؟
وهل يقرأنا الغربيّون ؟ لا أظنّ ، فأمّيّتهم واضحة من خلال ممثّليهم في الندوات الدولية ، وما رأيناه في الجمعية العامة لحقوق الإنسان في انعقادها الأخير يؤكّد أحد أمرين:
الأوّل: أنّ ممثلي الدول المنتمية إلى هذه الجمعية لا يعرفون شيئاً عمّا يحصل في سورية.
والثاني: أنّهم يعرفون ، ولكنّهم مرتشون. وعلى فكرة… أخطر الرشى هي رشوة الدول!
بالأمس، قبل أحد عشر عاماً، انطلت أكاذيب طوني بلير وجورج بوش على العالم الغربي بأكمله، ومشى الرأي العام خلفهما بحجة أنّ العراق يملك أسلحة دمار شامل . وحدث ما حدث، ودفع العالم كلّه ثمناً باهظاً. ورغم ذلك لم يتعلّم الغرب شيئاً ، أو أنّه لا يريد أن يتعلّم طالما أنّ ثمّة بئراً من النفط أو الغاز لم توضع، بعدُ، اليد عليها.
لا يهمّ… سأكتب، والزاوية التي عبرتُ منها كي أساعد على رؤية أوضح ، هي السراج الذي لا ينضب زيته، شرط أن تحترم مشاعر وآراء من تكتب إليهم.