لماذا استهداف الجيش في الكيانات السورية…؟

محمد ح. الحاج

الأمر المشروع في كلّ العالم أن يتمّ استهداف الجيش عندما يكون جيش احتلال، وهو حق يكفله القانون الدولي وتقرّ به كلّ الشعوب، بل هو قاعدة الانطلاق نحو التحرّر من استعمار بلد لبلد آخر، هو سلوك طبيعي عبر مسيرة التاريخ.

استهداف الجيش الوطني يحمل في طياته خطراً حتمياً على السلامة الوطنية، خصوصاً في حالة نظام الخدمة الإلزامية في أغلب جيوش العالم، وهذا الأمر لا يحصل إلا في حالات نادرة أهمّها الانقسام المجتمعي والصراع على السلطة أو انقسام الجيش ذاته إلى مجموعتين شبه متساويتين، كما حصل قبل أكثر من قرنين في الولايات المتحدة الأميركية جيش الشمال وجيش الجنوب وربما في حالات مشابهة خلال الصراعات والحروب الكبرى.

في عالمنا العربي تعمل على مهاجمة الجيش تنظيمات محلية مدعومة من الخارج لأهداف عسكرية أو سياسية، كما في حالة الجيش اليمني ربما يشكل خطراً على مملكة آل سعود، فهاجمته «القاعدة» وهو جيش عريق ومتماسك، والجيش الليبي الذي انفرط عقده وتجهد قياداته الحالية والسابقة على لمّ شمله فلا تكون الفوضى، لكن الخطير في الأمر ظاهرة استهداف الجيش المصري وسقوط أغلب الضحايا من المجنّدين أبناء الشعب من دون تمييز، أما من يقوم باستهدافه فجماعات أغلبها ذات طابع إسلامي متشدّد بعد سقوط حكم «الإخوان» الذين وصلوا إلى السلطة على ظهر ثورة شعبية هدفها العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتسلّط حيتان المال والتبعية للغرب والخضوع لشروط الولايات المتحدة في الحفاظ على اتفاقيات الذلّ مع الكيان الصهيوني، التي لم ينقلب عليها حكم الإسلاميين، حتى أنه لم يعلن عن إعادة النظر بها، بل سارع إلى التواصل مع العدو وتطمينه، وطبّق حصاراً على الثورة الفلسطينية رغم أنّ بعض فصائلها إسلامية متشدّدة أيضاً. فإذا كانت مهاجمة الجيش المصري اليوم تنطلق من أنه جيش يتعاون مع العدو، وأنه لا يعمل لتحرير الأقصى وهذه التنظيمات أطلقت على نفسها «أنصار بيت المقدس»، فلماذا لم تفعل ذلك قبل الآن؟ ولم تعلن رفضها للاتفاقيات والتعاون مع الكيان العدو يوم وصل أنصارها إلى السلطة؟

الجيش السوري هو جيش وطني يتشكل من جميع أبناء الأمة، لا ترتبط قيادته باتفاقيات من أيّ نوع مع العدو، ولا مع أسياده، ودفع عشرات آلاف الشهداء في الصراع مع العدو المحتلّ، لم يتنازل عن القضية، ولم يتوقف عن دعم كلّ أشكال المقاومة في وجه هذا العدو، على أرض فلسطين وفي لبنان، وكذلك في العراق إبان الاحتلال الأميركي، يتمّ استهدافه اليوم من قبل التنظيمات نفسها، بتسميات مختلفة، جوهرها وعقيدتها واحدة، وأهدافها واحدة، هذه التنظيمات تخدم مشروعاً وضعه الغرب وهدفه تفتيت المنطقة اجتماعياً، وتحطيمها اقتصادياً، وعسكرياً لضمانة أمن الكيان العدو، الإسلاميون في بلاد الشام لا يختلفون مع تنظيمات مصر والمغرب العربي في شيء، الوصول إلى السلطة طموح قد يكون مشروعاً إذا كان لأهداف وطنية، وهو خيانة للأمة إذا كان مرتبطاً بمشاريع الغرب أو موجه منها، الارتباط هنا مكشوف، لم تخجل قيادات «الإخوان» من الاعتراف به على الملأ، بل وممارسة وتجسيد التبعية بكلّ صورها، ويكفي للاستدلال معرفة الجهات التي تدعمهم، تموّلهم وتدافع عنهم في المحافل الدولية، أو المحلية الجامعة العربية مثلاً… والتعاون الوثيق مع دول تعمل في خدمة العدو الصهيوني سراً وعلانية، كما أنّ فصائل من هؤلاء تتلقى الدعم المباشر من العدو ذاته، تسليحاً وحماية، واستقبال جرحاها في مشافيه تحت يافطة إنسانية كاذبة… وقياداتها لم تعد تمارس زيارة العدو واللقاء مع قادة جيشه واستخباراته سراً، بل أصبحت تمارسها علانية…! فكيف لنا أن نصدق أنّ هؤلاء يقاتلون الجيش السوري لرفع ظلم مزعوم عن الشعب السوري أو دعماً لشراذم تمّ تأطيرها وتسميتها «جيش حر»، وليس فيه أكثر من بضعة ضباط، وبعض العناصر التي فرّت من الخدمة تحت الضغط والإكراه كما التحقت بهم كلّ المجموعات الخارجة على القانون من حثالة المجتمع واللصوص وقليل ممّن غرّر بهم عاطفياً تحت الإثارة الدينية المذهبية، وأن يكون قادة تركيا، والصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي هو راعي ومنظم أعمال قياداتهم في اسطنبول أو باريس فإنّ في ذلك ثالثة الأثافي.

الجيش السوري مستهدف لغايات كثيرة، فهو الحصن الذي يجسّد الوحدة الوطنية، القادر على حماية الأرض، وهو السدّ المنيع في وجه الأطماع الأجنبية، والخطر الأكبر على استكمال المشروع الصهيوني إذا ما تحقق عمقه الاستراتيجي في العراق، وهو الداعم والمنظم لعمليات مقاومة العدو، حتى مع احترام قيادته لاتفاقية فصل القوات، وهي تحت البند السابع، لكنه لم يتوانَ أبداً عن قتال العدو وإلحاق أكثر من هزيمة به على ساحة لبنان، وفلسطين، ويدخل في باب التخرّص والنفاق والتضليل ادّعاء البعض بأنّ هذا الجيش إنما يحمي العدو على ساحة الجولان… القيادة الفيتنامية احترمت خط العرض 17 الفاصل بين جزئي فيتنام ولم تخرقها لأنها تحت البند السابع، مع ذلك هزمت أميركا من الداخل الجنوبي وعبر حدود دولتين مجاورتين هما لاوس وكمبوديا.

الجيش العراقي الذي استشرفت خطره الولايات المتحدة الأميركية والخشية من وقوفه إلى جانب الجيش السوري في أية معركة مع العدو الصهيوني، بعد تحييد الجيش المصري، سارعت إلى تدخل سافر تمثل باحتلال العراق الذي حُلّ جيشه وأعيد تشكيله في محاولة لتبديل عقيدته القتالية، وإذ نجحت في إعادة التشكيل، لكنها فشلت في فرض عقيدة قتالية جديدة على ضباطه وأفراده، لأنّ هؤلاء لم ينسوا شهداءهم في الصراع مع هذا العدو عبر مسيرة طويلة منذ احتلال فلسطين وصولاً إلى حرب تشرين، كما لم ينسوا عدوانه على منشآتهم التي كانت الأمل في التقدم والتطور، والعدو ما زال هو ذاته، من هنا لا ترى القيادة الأميركية بداً من إشغاله وحرف مسيرته لينتقل قسراً إلى محاربة إرهاب صنعته ودرّبته، ودفعت بأموال العربان لتمويله.

الجيش اللبناني، جيش وطني صغير الحجم، عقيدته الدفاع عن الوطن، ودعم مقاومة أيّ احتلال لأرضه، العدو الصهيوني يحتلّ قرى وأراض لبنانية عديدة، ويمارس عدواناً مستمراً بحق شعبنا في لبنان، المكوّن من شرائح اجتماعية عدة، وهو الجيش الذي يشكل الحصن الأخير أمام انفراط عقد الدولة، لم يمارس العدوان على أيّ من ألوان الطيف اللبناني، تستهدفه الفئات المتطرفة التكفيرية ذاتها، في محاولة لإلغاء دوره، ودفعه للخروج من مناطق معينة، ومن خلال ملاحقته لأطراف العدوان عليه، ترتفع عقيرة البعض بأنه يتجاوز حدوده، ومن المؤسف أنّ التحريض على الجيش اللبناني ينطلق من أطراف عدة، لا سيما من بعض مَن يحمل صفة نائب في البرلمان اللبناني، وهذه سابقة لم تحصل على مرّ التاريخ وفي أيّ من دول العالم، إلا إذا قصّر الجيش في أداء واجبه لجهة الدفاع عن الوطن، أما الجيش اللبناني فبدلاً من أن يتمتع بالدعم المادي والمعنوي من كلّ أبناء الشعب، نراه يتعرّض للتشهير والشتيمة، فيما الإسلاميون المتشدّدون الذين يتمتعون بدعم جهات عدة يعتبرون وتعتبر معهم هذه الجهات أنّ الجيش تجاوز حدوده، وعليه أن لا يلاحق من يقتل عناصره أو يخطفهم، وأن على الحكومة أن تستجيب لمطالب الخاطفين بإطلاق من تلوّثت أيديهم بدماء عناصر الجيش والمواطنين اللبنانيين في أماكن عدة وأزمنة سابقة، وما كانت غاية هذا الجيش إلا الحفاظ على الأمن والسلامة الوطنية.

ما سبق ذكره هو جانب من الحقيقة طبقاً لقراءة لا تمسّ العمق والأهداف السرية، القريبة منها والبعيدة المدى، ولا يمكن فهم هذا الهجوم على تكوينات الجيش في بلاد الشام إلا أنه يخدم المشروع الصهيوني في المحصلة، هذا الواقع يفرض نفسه، ويمكن فهم عمليات منع التسليح عن هذا الجيش استجابة لمطلب العدو في تجريد المنطقة من السلاح، حتى في المجال الدفاعي، ما يفرض على الجيش في العراق وسورية ولبنان، الاتجاه إلى التنسيق والتكامل وتبادل الخبرات تمهيداً لوحدة عسكرية، أو قيادة مشتركة توفر لهذا الجيش مقومات تسليح عالي المستوى يحقق الكفاءة والملاءة لصدّ العدوان الخارجي، والمؤامرات الداخلية وطرق أبواب الدول الصديقة لتوفير ذلك إنْ لم نقل التوجه إلى الصناعة المحلية والاكتفاء الذاتي، وهي دعوة برسم القيادات الوطنية في كلّ الكيانات.

من يعتقد باستثناء الجيش الأردني مخطئ، فالهجوم على هذا الجيش ينتظر الإشارة، والبوادر تلوح في الأفق، لكن الخلايا على ساحة الأردن لم تكتمل بعد والضوء الأخضر ما زال محجوباً لأكثر من سبب، إذ أن انفلات الأمور على جبهة امتدادها على طول التخوم مع فلسطين المحتلة سيكون الخطر الأكبر في حال سقوط الملك ووصول أطراف وطنية عقيدتها أنّ العدو هو من يحتلّ المقدسات، الإسلاميون في الأردن ليسوا قلة، لكنهم لا يستطيعون الجهر بأنهم لا يعادون الكيان المغتصب، فالأردنيون بغالبيتهم مقاومون، كانوا كذلك وما زالوا… وسيبقون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى