أهكذا تُنصفون حقوقَ دمائهم وأرواحهم بمناسبة المئوية الأولى 2025؟ الثورة السورية الكبرى هي الثورة الوحيدة التي موّلت نفسها بنفسها فلم ترتهن لأية إرادة غير سورية
هاني الحلبي
الجهل أم الغباء، أو انعدام الوجدان القومي، يدفع مسؤولين بلديين في منطقة راشيا، عبر اتحاد بلديات جبل الشيخ وبلدية راشيا للاحتفاء بأرواح قتلة أجدادهم، في قلعة راشيا الوادي بمواجهات بطولية في الثورة السورية الكبرى؟
بكل دم بارد، ووجوه جاهلة، لم يرفّ جفن لأصحاب الدعوة ولا للمدعوّين، ولم يهِبْ بما تبقى فيهم من كرامة، طيفُ دماء أجدادهم التي تضمخّت بها كل زاوية من زوايا بيوتنا ومنعطفات البلدة الدهشة، فاحتفلوا بخضوع لسيف ما زال يفتك في الأرواح والوجدان، سيف القاتل الفرنسي، قاتل أجدادنا، مدمّر بيوتنا، حارق حقولنا، مبيد مواشينا، بعنصرية تلمودية ظالمة؟
وعلى مشارف المئوية الأولى للثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي 1925، وفي حدث غير مسبوق شهدت قلعة الاستقلال في راشيا السبت الفائت في 9 حزيران 2018، مراسم تكريم للجنود الفرنسيين القتلى في المعركة التي خاضها أبطالٌ ثوار من راشيا الوادي وقضائها لتحرير حصن القلعة من المحتل الفرنسي.. فتسللوا إليها عبر جدران البيوت المتصلة ليحاذوا أسوارها وأبوابها الحصينة فارتقوها بسلالم موصولة حتى بلغو أعلى السور فحرقوها مستودعات الذخيرة بكوفيات مبلّلة بالنفط. بعد أن ارتقى منهم أكثر من مئة شهيد قنصاً وخلال الاقتحام الدموي.
المعركة التاريخية ودفاع جنود الاحتلال انحفرت في ذاكرة الجيش الفرنسي الذي جاء وفد من ضباطه وجنوده في قيادة اليونيفل العاملة في جنوب لبنان، لإحياء تلك المناسبة والافتخار ببطولة جنودهم القتلى الذين وضع لذكراهم قبل جلائه عن لبنان نصباً تذكارياً ولوحة تحمل أسماءهم على مدخل القلعة… بينما كانت راشيا وبلدتا العقبة وبكيفا تعاني نكبة احتراقها كاملة من قصف المدافع والطائرات الفرنسية فأباد البيوت والأرزاق وتشرّد أهلها إلى قرى شبعا وعيحا وعين عطا والمغاور القريبة…
هذا التاريخ لم ينسه أهلُ راشيا ولن ينسوه.. والذي حصل من تنسيق ورعاية لاتحاد بلديات جبل الشيخ وبلدية راشيا من مشاركة في حفل تكريم قتلى الجيش الفرنسي أمر مرفوض وجاهل ومتواطئ. لا يكفي الاعتذار لغسل هذا العار الثقيل!!!
فهل يمكن لضحية عاقلة وغير عجماء أن تشارك في تكريم قاتلها؟…
وأي احترام لتاريخ قلعة راشيا وبطولات الثائرين من أبنائها ضد مَن كان يحتلّ أرضهم ويهين كرامتهم؟
وعاث فتنة طائفية بينهم، ليعيد ترميم بيوت المسيحيين بطراز فرنسي ويترك بيوت الدروز خرائب لم تبنَ إلا بعد عقود وبعرق الجبين!!
فهل يحقّ للجهلة أن يمثلوا الأحرار في معارك الوعي وحروب الأمم والهويّات؟
..والثورة السورية الكبرى ثورة قومية أسست الاستقلال الحقيقي
الثورة السورية الكبرى أو ثورة عام 1925، حركة عسكرية وطنية انطلقت في سورية ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز عام 1925 بقيادة ثوار جبل العرب في جنوب سورية، وانضمّ تحت لوائهم عدد من المجاهدين من مختلف مناطق سورية ولبنان والأردن، تحت قيادة قائدها الخالد الذكر سلطان الأطرش قائد الثورة العام.
وقد جاءت هذه الثورة رداً على السياسات الفرنسية الديكتاتورية العسكرية المتمثلة في تمزيق سورية إلى دويلات طائفية عدة وإلغاء الحريات وملاحقة الوطنيين وإثارة النزعات الطائفية ومحاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد ومحاولة إحلال الثقافة الفرنسية مكانه، بالإضافة إلى رفض سلطات الانتداب عقد اتفاق مع القوى الوطنية السورية لوضع برنامج زمني لاستقلال سورية وخروج فرنسا منها.
جاءت هذه الثورة امتداداً للثورات السورية التي بدأت منذ أن وطئت قوات الاحتلال الفرنسي الساحل السوري أوائل عام 1920، واستمرت حتى أواخر حزيران عام 1927، وكان من أبرز نتائجها انتصار الفرنسيين عسكرياً، إلا أن المقاومة السورية استطاعت زعزعة سياسة الفرنسيين في سورية وإقناعهم بأن الشعب السوري لن يرضخ ولا بدّ من تأسيس حكومة سورية وطنية، وإجبارهم على إعادة توحيد سورية وإجراء انتخابات برلمانية. كما مهّدت هذه الثورة لخروج الفرنسيين نهائياً من سورية – لبنان في عام 1946.
4213 شهيداً في الثورة السورية الكبرى منهم أكثر من 120 شهيداً من راشيا
وبلغ عدد شهداء الثورة السورية الكبرى 4213 شهيداً موزعين على المحافظات السورية اللبنانية – الفلسطينية التالية: 315 شهيداً من حلب وإدلب، 331 شهيداً من اللاذقية طرطوس والساحل، 731 شهيداً من دمشق والغوطتين، 150 شهيداً من حماة، 250 شهيداً من حمص والنبك والقلمون، 71 شهيداً من دير الزور والجزيرة، 34 شهيداً من درعا، 2064 شهيداً من جبل العرب، 267 شهيداً من إقليم البلان وراشيا والجولان وفلسطين.
أهم نتائج الثورة السورية: تكريس الإرادة القومية
حققت الثورة نتائج مؤسسة للنضال الوطني والسعي لتحقيق الاستقلال التام عن الانتداب الفرنسي، من أبرزها:
كانت الثورة انتصاراً للوعي القومي والوطني على الجهويّة والطائفية، حيث كان أهم شعاراتها التي أطلقها قائدها البطل الخالد الذكر سلطان الأطرش: الدين لله والوطن للجميع.
زعزعت سياسة الفرنسيين في سورية وقدرتهم على الثبات والسيطرة، وأصبحوا على قناعة تامة بأن الشعب في سورية – لبنان لن يرضخ ولا بدّ من تأسيس حكومة سورية وطنية والرضوخ لإرادة الشعب وثورته الكبرى. كما اقتنعوا بضرورة الجلاء عن سورية ومنحها استقلالها التام. ففي عام 1928 قدّم النائب سيكست كوانتين اقتراحاً بإرجاع سورية ولبنان إلى عهدة عصبة الأمم تخلّصاً من الدم المراق فيهما والنفقات غير المحتملة، فنال اقتراحه مئتي صوت من أصل أربعمئة وثمانين صوتاً.
أدّت الثورة لبعث الحركة الداعية إلى إقامة حكومة ملكية في سورية، حيث يرى أنصار هذا المشروع أنه الضمانة الوحيدة لقيام التعاون الصادق المستمر لتنفيذ الانتداب، فكان علي بن الحسين المرشّح لهذا العرش إلا أن المشروع فشل بسبب رفض السوريين له.
أجبرت الثورة فرنسا على إعادة توحيد سورية بعد أن قسّمتها أربع دويلات جهوية طائفية وهي دولتان سنيّتان: دمشق، وحلب، وعلوية في جبل العلويين ودرزية في جبل الدروز .
اضطرت إلى الموافقة على إجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي.
اضطرت إلى إجراء إصلاحات إدارية منها: عزل مفوضها السامي وضباطها العسكريين في سورية وتعيين بدائل عنهم، كما حصل مثلاً مع المفوض السامي ساراي بعد مهاجمة الثوار لقصر العظـم في دمشق، فعيّنت مندوباً مدنياً جديداً هو هنري دي جوفنيل.
تم إجبارها على إرسال أبرز قياديها في الحرب العالمية الأولى مثل الجنرال غاملان، بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم.
مهّدت لخروج الفرنسيين نهائياً من سورية عام 1946، حيث استمرّ النضال بشكله السياسي.
قصفت دمشق بالطيران لمدة 24 ساعة متواصلة، وإبادة قرى في جبل العرب بأهلها نتيجة تدميرها وحرقها.
الحقلة الثانية الأسبوع المقبل