رامز الأسود لـ«البناء»: نحتاج إلى ثورة حقيقية في الدراما
رنا صادق
«الموهبة تتأرجح على أكفّ الاحتراف»، تعبيرٌ استخدمه الممثل السوري رامز الأسود للإشارة من خلاله إلى أن الموهبة لا تتساوى بالاحتراف، لأنها من دونه لا تُثبّت.
«أبو دراع» في «باب الحارة»، يحتاط كثيراً في اختيار أدوراه، يعمد إلى تقديم ما لم تصل إليه الدراما حتى اليوم، تعدّى موهبة تمثيل الشخصية وبدأ العمل على صنع تفاصيل الشخصيات التي يجب أن قريبة إلى الواقع وتتغذّى منه.
شفّاف، وصريح ومجتهد في عمله وتحقيق إطاره الشخصي الفريد، ومراحل التجارب هي أبرز معالم عمله، إن كان في التمثيل أو الإخراج.
تخرّج رامز الأسود من المعهد العالي للفنون المسرحيّة قسم التمثيل عام 1998. بدأ منذ شبابه في احتراف المهنة. بدايته حسبما يشير إلى «البناء»، كانت كبداية أيّ شخص جديد في المهنة، كانت تلمّساً أو بداية اكتشاف هذه المهنة وطبيعتها وأقسامها وأشكالها الدرامية المتعدّدة، من
فنّ إذاعي ومسرحي، وتلفزيوني، الإنتاج الأكثر انتشاراً في سورية بين الفنون الدرامية.
البداية مع ديدو إينياس
شارك رامز الأسود عام 2005 بعمل أوبراليّ بعنوان ديدو وإينياس حين كان طالباً. ديدو وإينياس كان أوّل عمل أوبرا في سورية مع المجلس الثقافي البريطاني.
ويقول عن هذه التجربة: كانت فكرة جميلة، هذا الاحتكاك جيد خصوصاً أنّه عمل ضخم يضمّ جُملةً كبيرة من الموسيقيّين والمغنيّن والكورال. هي واحدة من التجارب المسرحيّة الضخمة التي أتاحت لي الفرصة لأن أشارك فيها خلال بداياتي، بحكم أن الأوبرا فنّ جديد بالنسبة إلينا. فرصة جميلة أن يثبّت اسمي كمشارك في أول عمل أوبرالي يتمّ إنتاجه في سورية.
خلق تفاصيل الشخصيات
التمثيل عبارة عن أداء، حضور، صدق التعبير والثقة، وبالنسبة إلى رامز هو ثقافة متكاملة. ينتمي إلى مدرسة الفنّ التي تقول إنّ الفنّ قادر على صناعة حضارة وجمال، أو يستطيع المساهمة في صنعها وضروري وجوده للعمل على الجانب الجمالي لدى الإنسان.
ويقول عن ذلك: التمثيل هو انعكاس الحياة بمشاعرها، تفاصيلها، صراعاتها والجدل الذي يحدث فيها، ويقوم الفنان بالإضاءة عليه في مكان من الأمكنة في الحياة. وأتصوّر أن ما يهمّني من خلال أدائي هو التعايش. التعايش العالي مع الشخصيات، محاولة خلق تفاصيل لهذه الشخصيات لتكون من لحم ودم، وقريبة من الناس.
ويتابع: الصدق في أداء الشخصية هو الأنجح والأقرب إلى المشاهد وإلى قلبه وقادر أن يوصل الفكرة أكثر له.
موهبة واحتراف
وردّاً على سؤال إلامَ يحتاج الممثل البارع أكثر الصدق أم الاحتراف؟ قال: الصدق هو الموهبة، والاحتراف هو صقل الموهبة وتدريبها وتطويرها، والأهم بالنسبة إليّ هو صقل الموهبة وتدريبها لأن الموهبة وحدها لا تكفي. حتى صقل دماغ الممثل وتدريبه وتغذية مخزونه الثقافي وهذا ما يزيد من جودة الممثل وعتقه وفهمه الحياة أكثر بشكل أو بآخر. بمعنى آخر، إنّ تدريب الموهبة يؤثّر على صقل الموهبة وكيفيّة علاقته مع المهنة.
الممثل البارع يجب أن تكون لديه القدرة على فهم المادة الدرامية من نواحيها كافة، ويتمتّع بمخزونه الثقافي الذي يمكن أن يعني جُملة التفاصيل التي عاشها الممثل في حياته ليخزّن من خلال تجاربه ذاكرة انفعالية ومشاعر ونماذج معيّنة. وأعتقد أنّ شدّة المعرفة ضرورية جداً لدى الممثل في الوقت عينه. الممثل الناجح هو الذي يعمل دائماً على ثقافته ويجيّر مخزونه حتى يخدمه في هذه المهنة.
أدوار الشرّ تتقدّم بنمطية
أدّى رامز الأسود أدواراً بطولية عدّة، ما بين دور الشجاع القويّ، الجيد والصالح، الزوج الظالم، وغير ذلك من الأدوار، ويرى أنّه يتم طلبه أكثر إلى الفعل الشرير. ويعتقد أنّ السبب هو نوع من الاسترخاء بالدراما التجارية التي يقصد بها التلفزيون، حيث يتم الاسترخاء لما هو جاهزٌ. هذا الاسترخاء هو نوع من الاستكانة في مكان معيّن. مثلاً، رامز هو ممثل جاهز في أداء نوع معيّن من الأدوار فتتم الاستكانة لأنه جاهز، ولأنّ الجهة المنتجة تضمن أداءه الجيد للدور.
ويقول: أدوار الشرّ تحتاج لأن يحملها الممثل عكس أدوار الخير التي تحمل نفسها بنفسها. أدوار الشرّ تتقدّم بشكل نمطيّ وكليشيه. الصعوبة في هذه الأدوار تكمن في كسر النمطية التي فيها، وتقديم ما هو جديد. والصعوبة فيها أيضاً أنّ يقدّمها الممثل بطريقته الخاصة التي تنطلق من النصّ ومن طبيعته حصراً.
ويضيف: الدور الشرير أكثر صعوبة لأنه بحثٌ عن شكل من الشرّ يخصّ شخصية محدّدة بعيداً عن الأنماط التي اعتاد عليها المُشاهد سابقاً. حتماً هي مسألة صعبة في البحث عن تفاصيل الشخصية. بينما أدوار الخير، عادة ما تشرح نفسها بنفسها وهي لا تتطلّب العمل على التفاصيل بكثرة، وهذا التقييم هو عام في بعض الأحيان ويمكن ألا يكون حقيقياً.
باب الحارة دفعه إلى الأمام
أبو دراع في باب الحارة قدّم لرامز الأسود الانتشار كأيّ ممثل آخر نتيجة انتشار هذا العمل، وزاد من شعبيته كونه عملاً شعبياً قريباً إلى شرائح كثيرة من الناس. باب الحارة شكّل لرامز دفعة باتجاه الأمام، وزاد من معرفة الجمهور به ككلّ المشاركين في المسلسل.
وعن سؤاله ما إذا كنّا سنراه في مشاركة جديدة في مسلسلات تاريخية من هذا النوع، قال: الإنتاجات التاريخية في الوقت الحالي نتيجة ظروف الحرب هي إنتاجات شحيحة جداً. أمّا على صعيد المشاركات البيئية الدمشقية فأنا أشارك من وقت إلى آخر بأعمال بيئية، ولكن أعمل على تنقية الأعمال الأفضل لأن الأعمال البيئية باتت منتشرةً بشكل بازاري الأمر الذي لا أحبّذه.
نساء من هذا الزمن
وتحدّث رامز عن تجربته نساء من هذا الزمن، وقال: تجربة خاصة ومثيرة. هو نصّ اجتماعي إنساني يحكي عن التركيبة بين البشر، بين الأنثى والذكر، كان نوعاً جديداً بالنسبة إليّ. هو نوع جديد من الشخصيات، وظهوري في الأعمال العصرية قليل جداً، انطلق مع سكر وسط عام 2012 أي بعد سنوات عدّة في الدراما. التجربة جديدة غريبة، حاولت العمل عليها مع مفردات عصرية تلائم هذا النوع من الدراما.
وأضاف: كانت التجربة الثانية بعد زمن البرغوث مع المخرج أحمد إبراهيم أحمد الذي استمرّت تجاربي معه بعد نساء من هذا الزمن بأعمال مثل عناية مشدّدة وزوال، ومؤخراً هوا أصفر الذي سيعرض في رمضان المقبل.
من تقديم الشخصية إلى خلقها
يصعب على رامز الأسود تحديد أفضل أعماله، لأنه شارك في عدد من الأعمال بعضها كان سيئاً على مستوى الإنتاج والنصّ والإخراج، وأخرى كانت جيدة، بمعنى أنه لم يكن هناك إنتاج جيّد، إنّما كان النصّ والإخراج جيّدين.
ويقول عن ذلك: ثمة أعمال شاركت فيها أحبّ الأدوار التي أديّتها خلالها، أي الأعمال التي قدّمتني أكثر إلى الناس هي الأقرب إلى قلبي منها سكر وسط، عناية مشدّدة هذه المشاركات التي سمحت لي الظهور كما أحبّ إلى المشاهد.
لدى كلّ ممثل ميل نحو أدوار معيّنة يحبّ أنّ يؤديها، أمّا بالنسبة إلى رامز فهو يتعدّى هذه المرحلة وينتقل من مرحلة التنفيذ والأداء إلى مرحلة خلق أدوار جديدة، أي ينتقل من كونه ممثلاً يحبّ تأدية الأدوار والشخصيات إلى الدرامي الذي يخلق أشكالاً جديدة من الدراما.
بانتظار دور الحبيب
وعن الأدوار التي يفضّل أنّ يؤدّيها، يقول: ببساطة عن الفكر التلفزيوني، أحب أنّ أؤدي دور الحبيب الذي لم ألعبه حتى الآن، وأعتبر سبب ميلي إلى تأدية دور كهذا، الفراغ لديّ في مكان ما لعيش قصة حبّ في كيفية ما، لذا أتخيل أن يكون لهذا الدور شكل عميق من خلال الأداء والتقديم.
رمضان 2018
عمل رامز على مسلسلين دراميين، الأول «هوا أصفر» نصّ ليامن حجلي وعلي وجيه، إخراج أحمد إبراهيم أحمد، والثاني بعنوان «وهم» من إخراج محمد وقّاف وإنتاج شركة «سيريانا للإنتاج الفنّي». ويشارك في فيلم سينما لـ«المؤسسة العامّة للسينما» إخراج أيمن زيدان، بعنوان «أمينة».
الواقع الدرامي والحرب
وعن الوضع الفنّي عموماً والتمثيل خصوصاً في سورية، يقول: لا تُخمة من الأعمال التي تُقدّم. بالعكس، بالنسبة إلى الداخل السوري الوضع متأزّم والواقع الدراميّ سيّئ جداً. الأمور تمشي كما هي، لأن ظرف الحرب فرض شكلاً معيّناً من الإنتاج الدرامي السريع الخفيف بميزانية منخفضة، الأمر الذي أساء جداً إلى الدراما السورية مع بعض التجارب التي تحصل خارج سورية في الدول العربية التي تعتمد على الكوادر السورية بإنتاج الدراما.
ويضيف: نحتاج إلى ثورة حقيقية في الدراما لتأسيس بنية تحتيّة. المشكلة أنّ السوريّين لا يمتلكون منابرهم الخاصة، وليس لديهم قنواتهم الخاصة، فما زالوا مضطرين أن يكونوا «خدّامين» لدى الغير، الذي لديه شبكات ومحطّات ومنابر خاصة. أي ما زال السوري أيضاً للأسف ينتج أجود أنواع الدراما ويقدّم أحسن أشكال الفكر والفنّ لكنه لا يمتلك المنبر. في الحرب الوضع سيّئ جداً، الإنتاجات مترديّة، ثمة شبه كساد في الوسط الفنّي إلّا ما يتعلّق بشرائح البنية التي تنتمي إلى الهواية في عالم الفنّ وتعمل ضمن الظروف الحالية، أي بأوضاع إنتاج متدنية.
قولبة الإخراج في الحالة القيادية
إضافةً إلى أنّه مارس التمثيل، لكن رامز توجّه نحو الإخراج المسرحي، إذ إنّ التمثيل بالنسبة إليه مشروع شخصيّ، لكن الإخراج هو مشروع ذو منحى عام.
ويقول على ضوء ذلك: الإخراج هو الحالة القيادية للعمل الفنّي، بينما التمثيل هو أحد العناصر المكوّنة للعمل الفنّي. الانتقال من التمثيل إلى الإخراج هو الانتقال من القول الضيق إلى القول العريض، هما شكلان مختلفان للتعبير. الممثل لديه عدد من الأدوات والطرق في التفريغ والتعبير عن المادة، وإمّا أن يقبل بالشراكة أو لا يقبل، بينما المخرج يكون شريكاً أصلياً في المشاريع أي إذا كان لديّ فكرة كبيرة كي أقولها عبر المادة فحتماً أتوجّه إلى الإخراج لا إلى التمثيل. في التمثيل عليّ كممثل أن أجد التقاطعات مع المخرجين والكتّاب أو مع المشاريع التي تقول ما أريد بالتالي يشارك الممثل ويكون جزءاً من المقولة، أمّا الإخراج هو الصناعة، هو القيادة، الفرق كبير بينهما في هذا الإطار. لكن كحالة إبداعية أعتقد أن الميول أو الرغبة تحدّد بأي مهنة أنا قويّ وإلى أي من الاثنين أنتمي. كنت أرى نفسي الممثل أكثر، لكنّني اليوم أحاول أن أطوّر ذاتي باتجاه أنّ أستطيع قيادة مشاريع في الفترة المقبلة.
بين التكثيف المسرحيّ وسرعة التلفزيون
يختلف التمثيل المسرحيّ عن التلفزيوني كثيراً، فالعمل التلفزيوني هو عمل تجاري له أهداف من الوجود وأهداف للتقديم على الشاشة، العمل المسرحي ينتمي إلى الفنون النوعية أكثر، هو عمل مكثّف فنّي في إطار خاص جدليّ فلسفي، التلفزيون لا يتحمّل هذا الثقل، فهو مادة مصنوعة لقنوات مشاهدة تدخل إلى البيوت، الناس يتناولونها في أوقات متنوّعة، ممكن أن يمارسوا مجموعة من الأفعال خلال مشاهدة المسلسل.
ويقول: المسلسل ليس فيه كثافة عالية. لا أرى التلفزيون هو المادة الدرامية ذات الأهمية العالية، هو أبسط أشكال التعبير الدرامي اليوم لكنه الأقرب والأسرع في الوصول إلى المشاهد. فثمة اختلاف كبير بين التمثيل التلفزيوني والمسرحي، هما خبرتان مختلفتان حتى على مستوى التقنية في الأداء.