العراق إلى أين؟
د. مصطفى حكمت العراقي
رغم أنّ العراق طوى صفحة الانتخابات شكلياً إلا أنّ الصراع حول نتائجها والطعون على صدقيتها لا تزال مستمرّة، بالتوازي مع ذلك تدحرجت الحوارات السياسية بين ارتفاع قبل إقرار البرلمان بوجوب اعادة العدّ والفرز اليدوي وانخفاض ملحوظ يترقب قرار القضاء لمعرفة اين تسير الأمور، لكن مسار التحالفات اصبح واضحاً إلى حدّ كبير، فبعد ان اتحد الفتح برئاسة هادي العامري وسائرون برئاسة مقتدى الصدر بتحالف سياسي أحد أهمّ أهدافه سحب البساط من تحت حيدر العبادي، واخذ رئاسة الوزراء من حزب الدعوة بعد أربع دورات متتالية اختلف النقاد على تقييمها بين مؤيد ومعارض، لكن الرأي المشترك بين الجميع أنها لم تلبّ الطموح على جميع الأصعدة..
العبادي بدوره تلقف الكرة وأخذ زمام المبادرة كخطوة مضادة لخطوات الصدر والعامري الذي اعترض عليها بشكل حادّ بحسب مصادر مقرّبة منه تحدّثت عن ذلك لـ «البناء»، فقام العبادي بالدعوة إلى عقد اجتماع لقادة الكتل السياسية بهدف ضمان سلامة العملية السياسية والمكاسب الديمقراطية والاتفاق على آليات محدّدة للإسراع في تشكيل المؤسسات الدستورية بأفضل ما يمكن وفق تعبيره..
خطوة وصفها العديد من المراقبين أنها التفاف على خطوة العامري والصدر ومحاولة لإعادة التوازنات لمصلحته للحفاظ على نصيبه بالوصول لرئاسة الوزراء مجدّداً كما أنها تشكل ضغطاً على القضاء لمنع حصول خطوات قد تؤدّي لتغيير كبير في نتائج الانتخابات يمهّد لتغيير كبير في موازين القوى الداخلية كمجاولة منه لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر نحو تحالفه بهدف مواجهة الائتلاف بين الصدر والعامري والحكيم الملتحق معهم بشكل متذبذب وخجول ما قد يمهّد لعودة التحالفات الطائفية القديمة المتمثلة بالتحالف الشيعي وآخر كردي وآخر سني لتذهب أدراج الرياح فرضية تشكيل تحالف وطني جامع تحتى مسمّى التحالف الوطني العابر للطوائف..
إلى ذلك أكد المكتب السياسي للسيد مقتدى الصدر انّ تحالفهم الانتخابي لم يتلق دعوة رسمية من العبادي للتباحث في تشكيل الحكومة المقبلة، وقال ضياء الأسدي إنّ دعوة العبادي إعلامية فقط ولم تأت عبر الطرق الرسمية المتعارف عليها في الحوارات السياسية، مشدّداً على أنها تمثل تعبيراً عن نوايا العبادي فقط…
اما القضاء الذي تتجه كلّ الأنظار نحو قراره الذي سيقرّر كلّ شيء وسيحدّد مسار تأليف ووقت التشكيل، فقد رجّحت مصادر قضائية لـ «البناء» انّ المباشرة بالعدّ والفرز اليدوي ستكون بعد انتهاء إجازة عيد الفطر. رغم عملية حرق مراكز خزن صناديق الاقتراع في بغداد التي أعلنت المفوضية انها تمتلك نسخاً أخرى تفي بالغرض، وانّ الحرق لن يؤثر على مسار تدقيق النتائج، إلا انّ المخاوف من التلاعب بالنتائج وعدم الأخذ بالطعون الفاضحة التي تمّ الكشف عنها قد يرجعنا الى المربع الأوّل حتى إنْ تمّت إعادة العد والفرز يدوياً وهذا يترافق مع انتهاء عمر البرلمان في نهاية حزيران الحالي والدخول بفراغ دستوري شامل في البلد حتى انّ الحكومة ستتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال ليس إلا…
كذلك رجّحت المصادر نفسها عدم إمكانية اللجوء للفرز اليدوي لأنّ الأطراف الإقليمية الفاعلة والداخلية لا ترغب بفتح صفحة الريب الدائم الذي سيؤدّي لنسف شرعية العملية السياسية برمّتها خارجياً وشعبياً، وبالتالي عدم ضمان بقاء ايّ حكومة مقبلة لأنّ الاستقرار السياسي معدوم في وقت تشتعل فيه الجبهات بمختلف مستوياتها إقليمياً ودولياً، أما البعض الآخر فرجّح انّ تشكيل الحكومة العراقية مرتبط بتشكيل الحكومة اللبنانية، فكلاهما مرتبطان ببعض لجهة المحاور المتنازعة محلياً وخارجياً، كما انّ الانتصار في جبهة يتطلب التنازل في جبهة أخرى، فالانتصار السياسي الساحق للمقاومة وحلفائها في الانتخابات الأخيرة في لبنان، لم يكن بنفس المستوى في العراق، وبالتالي فإنّ شكل ومضمون التأليف الحكومي في العراق سيحدّد بشكل كبير الشكل الحكومي في لبنان، ومن هنا نجد الركود السائد في الملفين رغم انّ الأطراف المتنازعة تحاول إبعاد الأنظار عن هذه الحقيقة، فكما انّ ملف النازحين السوريين هو الملف الأهمّ سياسياً أمام الحكومة اللبنانية المقبلة، نجد انّ ملف القوات الأميركية وقواعدها المتمركزة في العراق هو الشرط الأساس لأيّ حكومة قادمة، فالصدر والعامري وهما يمتلكان ثلث البرلمان القادم لن يقبلا بأيّ بقاء للقوات الأميركية في العراق ولن يشتركا بحكومة توافق على ذلك وهذا هو التوافق الأهمّ بينهما…