لماذا تأخر عقد اجتماع بين محمد بن سلمان وسعد الحريري؟
روزانا رمّال
تتحدث مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة لـ «البناء» عن معضلة اساسية تتمثل بعدم حصول الرئيس سعد الحريري حتى اللحظة على الضوء الأخضر للبتّ في أكثر من أولوية يراها اساسية لسير هذه المهمة بسلاسة من قبل المملكة العربية السعودية، ومن ضمنها تحديد أولويات الحريري واطلاع المملكة عليها والاستماع الى ما تعتبره خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، خصوصاً بعد ما بدت عقدة توزير القوات اللبنانية واقعة ضمن الاهتمام السعودي يليها دعم كبير للنائب السابق وليد جنبلاط، وبالعودة الى الخلاف بعد استقالة الحريري من الرياض وما وعد به بما يتعلق بـ «بق البحصة» ولم يُقدم على ذلك لحسابات سعودية، يؤكد رغبة الرياض بالحفاظ على موقع القوات كحليف أساسي ويؤكد ايضاً أنها راغبة بإعادة لمّ شمل ما تفرّق من 14 آذار ولو بعناوين مختلفة. وتتابع المصادر «السؤال الاساسي اليوم هو لماذا يتأخر ولي العهد محمد بن سلمان في البتّ بموعد مخصص لرئيس الحكومة المكلف ليُبنى على الشيء مقتضاه لمعرفة «ما لنا وما علينا»؟ وبالحد الأدنى ليعرف الحريري شكل البوصلة الذي يتوجب عليه السير وفقها؟ استبشر الحريري خيراً من مونديال روسيا للقاء ولي العهد رسمياً والحديث مطولاً إلا ان هذا لم يحصل. ولم يكن قد نجح أيضاً في فترة عيد الفطر بذلك. وها هو يعود لاستقبال المستشارة الالمانية القادمة للحديث عن مستقبل النازحين. وهو خالي الوفاض لا يتحرّك وفق استراتيجية محددة لتقوية موقع لبنان التفاوضي امام الضغط الأوروبي الذي بدأ». وتختم المصادر «يرسل محمد بن سلمان إشارات واضحة بهذا الاتجاه. وهي أنه لا يرى في تشكيل الحكومة اللبنانية أولوية وأنه غير مستعجل على ذلك لحسابات تتقاطع مع مصلحة المملكة إقليمياً. ما يمكن اعتباره رهن الساحة اللبنانية لتطورات المنطقة. وهذا يفسر كلام الرئيس نبيه بري الذي استغرب فيه عن «تطنيش» الحريري عن التأليف»، حيث بدأت التساؤلات الجدية تطرح وبالتفاصيل».
تبدو نية الأمير محمد بن سلمان «إرباك» الحريري مقصودة، وربما المفردة التي استعملها الرئيس بري «التطنيش» تصلح لتعاطي إبن سلمان مع الحريري أكثر من تعاطي الأخير مع الملف. فهو كرئيس مكلّف بالتأكيد الأكثر حرصاً على النجاح بالمهمة. وبالنسبة لعدم النجاح في عقد لقاء بين الرجلين بعد فلا يبدو أن ذلك يتعلّق بأي حساب تقني، إنما بحساب سياسي بامتياز. فالأمير الشاب يستقبل كل الوفود الأجنبية والعربية ما عدا الحريري وآخرهم النائب السابق وليد جنبلاط. وقد التقى منذ أيام جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي للحديث بالملف الفلسطيني. كما ان الأمير يتهرب من ملاقاة الحريري خارج السعودية ايضاً بعكس الأخير الذي يجد في اي مناسبة فرصة يهرول الى الاستفادة منها.
يرسل إبن سلمان رسائل كثيرة للحريري تحمّله مسؤوليات كبرى منها أن العلاقة بين الأفرقاء اللبنانيين والمملكة العربية السعودية لم تعُد تتم او تأتي عبر آل الحريري. فكل قوة سياسية بات مرحباً بها على حدة من دون تكريس الحريري مرجعية معنوياً وسياسياً حصراً للرياض. وهذا من شأنه ان يبتز الحريري دائماً ويقلقه الى أن الأمور لم تعد كما كانت وكلها توضع ضمن عوامل الإرباك لا تسهيل المهمة.
يتصرف الحريري وفق الممكن ويحرص على ملاحقة الملف من دون جدوى، لكن اذا استمرت الأمور على ما هي عليه فيتحمّل وحده حينها مسوؤلية أي انهيار اقتصادي في البلاد التي باتت على شفير الهاوية. لا يُحسد الحريري على هذا الموقف الذي يتطلب شجاعة ومواجهة يتّخذ فيها قراراً يتلاءم مع مصلحة لبنان من دون إعطاء أهمية لأي عوامل خارجية ضاغطة وإلا فإنه يعرّض نفسه للفشل بالمهمة ويضع الأمورعند نقطة الصفر في البلاد.
بعيداً عن الحريري، من الطبيعي أن لا يستعجل حلفاء المملكة العربية السعودية بطلب منها التشكيل. وطبيعي أيضاً ان لا تساهم هي بحلحلة الأمور بعد ما فاز حزب الله وحلفاؤه بأغلبية مقاعد المجلس النيابي وأخذوا البلاد نحو مرحلة جديدة. يكابر البعض هنا بمسألة فصل التيار الوطني الحر عن قوى الثامن من آذار إلا ان هذا هو مجرد تفصيل او هروب من الواقع ورغبة بإبقاء التيار قيد التجاذب والوقوع ضمن الاختبارات وبينها فك ارتباطه بحزب الله. وهو أحد أهم المشاريع السعودية. فالتيار بالواقع هو حليف أساسي لحزب الله. والأمور لا تقف عند حدود التسميات والمفردات. وهذه الحقيقة هي التي تحكم الأمور منذ تمسك حزب الله بمرشحه العماد عون للرئاسة واتهامه بالتعطيل لسنتين لأجل هذا الغرض.
وعليه لا توجد مصلحة سعودية في عملية تسريع تشكيل الحكومة وتكريس انتصار جديد لحلفاء حزب الله بعد مفاجأة انقلاب السيد مقتدى الصدر في العراق وتحالفه مع الحشد الشعبي بعد الانتخابات. وهذا ما يصبّ عملياً لمصلحة إيران. وبالتالي فإن تأخير التعليمة السعودية واستنفاد كل الفتاوى التي تحجز المزيد من المقاعد لحلفائها بالحكومة بمواجهة حزب الله بين اجتهادات بعنوان حفظ الأكثريات أو الأقليات او حكومة وفاق وطني تبقى سيدة الموقف من جهة لحين استبيان ميزان القوى الإقليمي وإمكانية الحصول على تنازلات إيرانية من عدمها في اليمن من جهة أخرى.