تباين بين الرئاسة الأولى والثالثة حول ملف النازحين
روزانا رمّال
حطّت طائرة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في بيروت بعد أن سبقتها طائرة الرئيس فرانك فالتر شتانماير منذ أشهر كأول زيارة لمسؤول ألماني الى لبنان لقرابة الـ 150 عاماً. والزيارتان تاريخيتان بالنسبة للبنان واللبنانيين، لكن وعلى اهمية زيارة ميركل واستثنائيتها الا انها بقيت زيارة خاطفة بمعناها السياسي نظراً لحصرها بملف واحد وهو ملف النازحين. فحطت وغادرت البلاد بدون أن يشعر اللبنانيين بثقل الزيارة وإجراءاتها كما هي العادة عند زيارة أي مسؤول عربي. كيف لا والمستشارة الألمانية أتت الى لبنان من اجل مهمة محددة تكاد تكون «مستحيلة»، نظراً لما يحيطها من ظروف ولم تأت للاستعراض السياسي.
الأكيد انه لولا هذه «الحاجة» الماسة لزيارة لبنان لما كانت الاراضي اللبنانية تنعّمت بتشريف المستشارة اليها، ولما كان قصر بعبدا والسراي الحكومي وعين التينة ليحظوا بفرصة نادرة من هذا النوع. فاستقبال المستشارة الألمانية التي تمثل بثقلها أوروبا الحديثة والرصينة وما تبقّى من حضور لها بوجه الأميركيين والاحتفاظ بهامش استقلالية محتوم ليس عادياً أبداً، لكنه بالمقابل لن يجعل من لبنان فرصة استثمارية واعدة بالنسبة للألمان، بل على العكس يفتح باباً جديداً من الضغوط عليه تبدو برلين مصرّة على استكمال طريق بدأ بزيارة شتانماير واستمر لزيارة ميركل. ولن تكون المحاولة الأخيرة فالى أي مدى يشكل لبنان نقطة ارتكاز في رسم المعادلات الأمنية الألمانية بالمرحلة المقبلة؟ والى مدى تحظى الزيارة بفرص النجاح بالمنظار الألماني؟ وهل يمكن التوصل لأرضية مشتركة تجمع بين موقف رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة؟
يتضح وبشكل مباشر التباين الذي يحيط بمواقف كل من الرئاسة الاولى والثالثة في ملف النزوح، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب من المستشارة الألمانية السيدة انجيلا ميركل، حسب مصادر بعبدا «مساعدة ألمانيا في دعم موقف لبنان الداعي الى عودة النازحين السوريين تدريجياً الى المناطق الآمنة في سورية»، وشدد على «ضرورة الفصل بين هذه العودة والحل السياسي للأزمة السورية والذي قد يتأخر التوصل اليه»، معتبراً انه اذا تأخر الحل واختلفت موازين القوى من يضمن اذ ذاك عودة النازحين الى بلادهم؟ سيما وأن هناك تجربتين سبق أن عانى منهما لبنان، الازمة القبرصية التي لم تحل بعد رغم مرور اكثر من 40 سنة عليها، والقضية الفلسطينية التي مضى عليها 70 عاماً وهي تنتظر الحل السياسي!
كلام واضح ومتوقع من رئيس الجمهورية بهذا الاطار، لكن موقف الرئيس سعد الحريري بقي مرتبطاً بالوضع الاقتصادي وعدم قدرة تحمل لبنان هذه الأعباء بدلاً من اعتباره مؤشراً خطيراً على توطين السوريين كأمر واقع او اعتباره امكانية ان يكون احد السيناريوات الجدية التي يُعمل عليها دولياً. فقال أمام ميركل «الحكومة اللبنانية ملتزمة بكلّ إصلاحات مؤتمر سيدر»، علماً ان سيدر لا يتفق عليه كل اللبنانيين بكل بنوده او لجهة اعتباره مخرجاً اقتصادياً آمناً، ليشدد على أنّ «الحل الدائم والوحيد للنازحين السوريين هو في عودتهم إلى سورية بشكل آمن وكريم. والدور الذي يمكن أن تلعبه ألمانيا لمساعدة لبنان». لترد ميركل بدورها بدعمها مؤتمر سيدر الذي يقدم «أساساً جيداً للتعاون بين البلدين برأيها»، معتبرة ان احد اهدافها هو «تعزيز العلاقات الاقتصادية بين لبنان وألمانيا، لان لبنان هو نقطة انطلاق جيدة للأنشطة في المنطقة مع تمسك ألمانيا بدعم لبنان ومساعدته. ولتختم «نريد أن نساعد في الوصول إلى حلّ سياسي في سورية لتأمين عودة النازحين».
تدرك ميركل ومعها الحريري ان الحل النهائي قد لا يكون قريباً. وهو السبب الذي جاء بها الى لبنان او بالحد الأدنى قد لا يتضمّن الحل في بنوده بذل اي جهد دولي لاسترجاع النازحين. وبالتالي لا يشكل اي ضمانة لألمانيا كما ان مواقف باسيل الاخيرة تجاه الامم المتحدة لم تلقَ ترحيباً على الرغم من أن المفوضية نزلت أخيراً عند مطالب الخارجية في تعديل ممارستها وسلوكها في هذا الملف بعد اخذ ورد واستيضاح. اما من جهة أخرى فإن مواقف كتلة المستقبل التي تمثل موقف الحريري بأغلب نوابه لا يرغبون بترويج فكرة إعادة النازحين الى سورية طالما ان هذا النظام لا يزال قائماً باعتبار ان النازحين سيتعرّضون للمخاطر إذا تمّ تسليمهم. وبين هذا وذاك يبدو موقف الحريري المرتبط بالواقع الاقتصادي لا السياسي الذي يشير اليه رئيس الجمهورية وربطه العودة بما فرض على لبنان من نزوح فلسطيني، والذي لم يحصل أي تقدم فيها حتى الساعة في تحمل أعبائه او تداعياته السياسية، يصبح توجه الحريري اقرب الى ميركل بالرؤيا ويصبح مع هذا إمكانية تقبل المساعدات المالية ضمن خطة دعم لبنان من المجتمع الاوروبي وليس فقط ميركل هو الأعم والأغلب بالقراءة. وهنا تُستعاد مسألة صلاحيات رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الوزراء في هذا الملف على مقربة من تشكيل حكومة يُعتبر بند البتّ بملف النزوح فيها أقوى وأهم البنود دولياً، حسب مصادر «البناء»، ما يرفع سقف التحدي أمام الحريري الذي قد يجد نفسه امام خلاف بالغنى عنه مع الرئاسة الأولى التي تشاركه منذ وصول عون للرئاسة وضمن «الصفقة الرئاسية» مصالح كثيرة تتعدى ملف النزوح، ما يستوجب مراقبة موقف الحريري من كيفية المعالجة. واذا ما كان سيصبّ لمصلحة الخروج بموقف موحّد وجامع امام المجتمع الدولي لقطع الطريق امام أي مساعدات تهدف لاندماج اجتماعي أول مَن روّجت له الامم المتحدة.