طربيه: لاستعادة موقع لبنان الاقتصادي على خريطة المنطقة
التأمت ظهر أمس الجمعية العمومية السنوية العادية لجمعية مصارف لبنان. وفي مستهل الجلسة، ألقى رئيس الجمعية الدكتور جوزف طربيه كلمة لخص فيها أهم منجزات مجلس الإدارة في السنة الأولى من ولايته، عارضا أهم التطورات الإقتصادية والمالية والمصرفية في ظل الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية التي سادت في السنة المنصرمة.
وأشار إلى «أنّ القطاع المصرفي استمر في أدائه المميز على الرغم من الظروف الداخلية والخارجية الصعبة. ففي الخارج، تنامت التوجهات نحو مزيد من العقوبات الأميركية. فكان لا بد من حركة اتصالات دولية عبر زيارات مباشرة واجتماعات مكثفة قمنا بها كرئاسة وكمجلس مع بعض مواقع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، كما في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية وكبريات العواصم الأوروبية والمصارف العالمية المراسلة لمصارفنا. وقد حرصنا في كل تلك اللقاءات على إطلاع الجهات الخارجية على نشاط الجمعية وإبراز أهمية القطاع المصرفي اللبناني ودوره الحيوي في استقرار لبنان، مع التركيز على تبيان الجهود المبذولة محليا في مجال مكافحة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب والمستندة الى عمل إداري وتدريبي منظم ومتواصل والى تعاون مع الجهات الدولية المختصة ضمن مبادىء وقواعد عملها على هذا الصعيد، ومع التشديد على التزام قطاعنا المصرفي في تطبيق قواعد الامتثال من خلال الآلية التي وضعها البنك المركزي اللبناني وقبول المرجعيات الدولية بها، بما فيها وزارة الخزانة الأميركية».
وعلى الصعيد الداخلي، لفت طربيه إلى «أنّ الضغوطات الضريبية تواصلت على القطاع لا سيما قبيل الانتخابات النيابية. فقد صدر عام 2017 القانون رقم 64 الذي استحدث سيلا من الضرائب الجديدة انعكست بمعظمها على القطاع المصرفي، فارتفعت اسعار الفوائد، ورفعت معها كلفة تمويل الاقتصاد بمختلف قطاعاته. وتضمن القانون ثلاثة تعديلات أساسية على المادة 51 من القانون رقم 497/2003 المتعلق بالضريبة على الفوائد. فجاء في أول هذه التعديلات أن ضريبة الفوائد على المصارف 7 حاليا تعتبر عبئا ينزَل من المداخيل وليس ضريبة تقتطع مسبقا وتنزَل من ضريبة الأرباح. فأحدث التعديل ازدواجا ضريبيا مستغربا. أما التعديل الثاني، فتمثل في توسيع نطاق هذه الضريبة الى شهادات الإيداع بالليرة وبالدولار التي يصدرها البنك المركزي وتكتتب بها المصارف. ثم ألحقت التعديلات المشار إليها بواحدة غير مسبوقة في العالم، طاولت عمليات الإنتربنك بين المصارف وبين مصرف لبنان. مما رفع عمليا الضرائب على المصارف الى مستويات قياسية».
وأضاف: «مقابل معدل نمو قدره 3,8 للاقتصاد العالمي، راوحت تقديرات معدل نمو الإقتصاد اللبناني عام 2017 بين 1,2 و2,5 بحسب اختلاف المصادر. وفي مطلق الأحوال، يبقى هذا النمو غير كاف لتأمين فرص عمل جديدة بالوتيرة المطلوبة ولتعزيز الرفاهية الاقتصادية. ولا شك في أن لبنان حقق إنجازات في العام المنصرم، تمثلت بإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وانطلاق عمليات الاستكشاف وتلزيم النفط وإقرار أول موازنة عامة بعد 12 سنة من الإنقطاع، بالإضافة إلى إقرار قانون الانتخابات النيابية، وهي كلها خطوات تؤسس لإنتظام عمل المؤسسات كمدخل للسعي الى تكبير حجم الإقتصاد وتفعيل أدائه، شرط أن تواكبها وتتبعها رزمة من الإصلاحات الإدارية والمالية والبنيوية، تعهد بها لبنان تجاه المؤتمرات الدولية الثلاثة التي انعقدت لدعمه في باريس وروما وبروكسيل. كما نجح القطاع المصرفي بأدائه المتميز بالحفاظ على استمرار الثقة به، إذ استمرت تحويلات العاملين في الخارج الى لبنان في مستواها المقبول. في المقابل، شهدت المديونية العامة في 2017 تطورا سلبيا، إذ ارتفع الدين العام بنسبة تزيد عن 6 قياسا على العام الذي سبق. وتجاوز نمو الدين العام الى حد كبير معدل النمو الإقتصادي في العام 2017 بحيث ارتفعت نسبته الى ما يقارب 151 من الناتج المحلي الإجمالي، ما ينطوي على أكلاف باهظة في غياب المعالجات، ويستدعي بالتالي برنامجاً للتصحيح المالي طال انتظاره لتثبيت مستوى المديونية ومن ثم تراجعها».
وتابع طربيه: «في ظل استتباب الوضع السياسي الناشىء، عاود مصرف لبنان عملياته المالية الاستباقية مع المصارف، ما سمح باستقطاب مزيد من الأموال الوافدة وتعزيز موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية وسندات اليوروبوند التي وصلت في نهاية العام 2017 الى 42,0 مليار دولار أميركي.
وبالإضافة إلى مساهمتنا الفاعلة في الإستقرار النقدي وبانتظار تفعيل الأسواق المالية، استمرت مصارفنا في توفير التمويل للاقتصاد الوطني بحجم كاف وبكلفة مقبولة قياسا على ما هو سائد في دول تتمتع بتصنيف أفضل لمخاطرها السيادية. وخير معبر عن ذلك حجم التسليفات للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم، والذي تخطى 60 مليار دولار في نهاية العام 2017 مشكلا ما نسبته 115 من الناتج المحلي الإجمالي. ولا يزال القطاع المصرفي يتمتع بالقدرة التمويلية لمواكبة المشاريع الحكومية، بما فيها مشاريع الشراكة المرتقبة بين القطاعين العام والخاص، ما قد يشكل عاملا أساسياً لإنجاح تنفيذ الرؤية الاقتصادية الموضوعة من قبل الحكومة».
وشدّد على أن «استعادة موقع لبنان الإقتصادي على خريطة المنطقة وإعادة علاقاته مع محيطه العربي الى زخمها المعهود، وتعزيز علاقاته مع مختلف الأسواق الإقليمية والدولية، وتوفير مقومات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتأمين المحفزات الضرورية لاستقطاب الموارد الخارجية والاستثمارات الأجنبية، ومعالجة مكامن الهدر في المال العام، ومكافحة الفساد المستشري في مختلف هيكليات الدولة، وتحديث أداء الإدارة العامة، وتفعيل إنتاجية المرافق العامة، وتحسين جودة وكلفة الخدمات المقدمة للمواطن، وحماية حقوق المستهلك، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية والحفاظ على الطبقة المتوسطة كنواة صلبة للنمو المطرد باتت كلها من أمهات المسائل التي يتعين إدراجها في صدارة جدول أعمال مختلف السلطات والوزارات المعنية. وتأمل الجمعية أن تحتل هذه القضايا حيزاً محورياً في اهتمامات الحكومة المقبلة بحيث يحرص أصحاب القرار السياسي على عدم تفويت المزيد من الفرص وعدم تسجيل المزيد من التأخر في تحقيق مؤشرات النمو الممكنة وفي بلورة الآفاق المستقبلية الواعدة لجيل الشباب اللبناني».