«آسوشيتد برس»: إماراتيون عذّبوا يمنيّين واغتصبوهم في سجون سرّية في اليمن
«كان الضبّاط الخمسة عشر الذين وصلوا إلى سجن في جنوب اليمن يخفون وجوههم، ولكن اتضح من لهجاتهم أنهم من دولة الإمارات العربية المتحدة. بعد أن اصطفّ المعتقلون، أمروهم بأن يخلعوا ملابسهم ويرقدوا. ثم قام الضباط بتفتيش التجويف الشرجي لكلّ سجين، زاعمين أنهم يبحثون عن هواتف خلوية مخبّأة داخل أجسامهم». هكذا استهلّت الصحافية ماغي مايكل تقريرها الذي نشرته وكالة «آسوشيتد برس»، والذي ساهم في إعداده كل من لوليتا بالدور، وديسموند بتلر.
صرخ الرجال وبكوا. والمعتقلون الذين قاوموا هُددوا بنباح الكلاب، وضربهم الضباط حتى نزفوا. وقال التقرير: «إن المئات من المعتقلين تعرضوا لإيذاء جنسي مماثل خلال الحدث الذي وقع في 10 آذار بسجن بير أحمد في مدينة عدن الجنوبية، وفقاً لسبعة شهود قابلتهم وكالة آسوشيتد برس».
كشفت رسومات الاعتداءات الجماعية التي حصلت عليها الوكالة جزء من حجم التعذيب الجنسي وتحصين مرتكبيه في السجون التي تسيطر عليها الإمارات في اليمن. وجرى الكشف عن سجون الإمارات العربية المتحدة الحليف الرئيس للولايات المتحدة السرية وتعذيبها للسجناء على نطاق واسع من خلال التحقيق الذي أجرته وكالة آسوشيتد برس في حزيران الماضي. ومنذ ذلك الحين حددت وكالة آسوشيتد برس ما لا يقل عن خمسة سجون تستخدم فيها قوات الأمن التعذيب الجنسي لقمع السجناء وكسرهم.
وسألت الوكالة البنتاغون عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الإمارات قبل سنة، ولكن على الرغم من تقارير التعذيب الموثقة التي ذكرتها وكالة آسوشيتد برس ومنظمات حقوق الإنسان وحتى الأمم المتحدة، قال المتحدث بِاسم البنتاغون، رائد المارينز، أدريان رانكين غالاوي: «إن الولايات المتحدة لم ترَ أي دليل على إيذاء المعتقلين في اليمن» وأضاف: «لم نتلق أي اتهامات موثوقة تثبت هذه الادعاءات».
أضاف التقرير أن المسؤولين الأميركيين اعترفوا بأن القوات الأميركية تتلقى معلومات استخباراتية من شركاء إماراتيين شاركوا بالاستجوابات في اليمن. لكن غالاوي قال إنه لا يستطيع التعليق على تبادل المعلومات الاستخبارية مع الشركاء. وأضاف: «من المتوقع أن يلتزم موظفو وزارة الدفاع بأعلى مستويات السلوك الشخصي والمهني». ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين الإماراتيين لم يردوا على طلبات للتعليق.
في حرب اليمن الأهلية التي دامت ثلاث سنوات، سيطرت القوات الإماراتية التي تزعم أنها تقاتل نيابة عن الحكومة اليمنية على مساحات واسعة من الأراضي والبلدات والمدن في الجنوب. وقد اعتقلت مئات الرجال في شبكة تضم ما لا يقل عن 18 سجناً سرّياً للاشتباه في أنهم من مقاتلي «القاعدة» أو «داعش»، ويجري احتجاز السجناء من دون اتهامات أو محاكمات.
اغتصاب وصعق بالكهرباء!
ونقل التقرير عن شهود بأن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي اغتصبوا المعتقلين بينما صور حراس آخرون الاعتداءات، وقاموا بصعق الأعضاء التناسلية للسجناء، وانتهكوا السجناء جنسياً بأعمدة خشبية وفولاذية.
قال «أب لأربع أولاد» كنية لإخفاء هويته: «يتم تجريدك من ملابسك، ثم تربط يديك بقطب فولاذي من اليمين واليسار، ثم يبدأ اللواط». من داخل سجن عدن، قام معتقلون بتهريب رسائل ورسومات رُسمت على أطباق بلاستيكية بقلم حبر أزرق إلى وكالة الأسوشيتد برس حول الإساءة الجنسية.
أخبر الرسام وكالة أسوشيتد برس إنه جرى اعتقاله العام الماضي ومر على ثلاثة سجون مختلفة: «لقد عذبوني دون أن يتهموني بأي شيء. في بعض الأحيان، أتمنى أن يعطوني تهمة حتى أتمكن من الاعتراف بها لإنهاء هذا الألم». «أسوأ ما في الأمر هو أنني أتمنى الموت كل يوم ولا أستطيع الحصول عليه». وقال التقرير: «إن الرسام تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خشية التعرض لمزيد من الانتهاكات».
تظهر الرسومات رجلاً معلقاً عارياً بالسلاسل أثناء تعرضه للصعق بالكهرباء، وسجيناً آخر على الأرض تحيط به الكلاب، بينما يقوم عدة أشخاص بركله، وتصويراً رسومياً للاغتصاب.
من بين السجون الخمسة التي عثرت فيها الوكالة على تعذيب جنسي، هناك أربعة في عدن، بحسب ثلاثة مسؤولين أمنيين وعسكريين يمنيين تحدثوا إلى وكالة الأسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام.
الأول في قاعدة بوريقة المقر الرئيس للقوات الإماراتية، والثاني في منزل شلال شاي، رئيس أمن عدن المتحالف مع الإمارات، والثالث في ملهى ليلي تحول إلى سجن يدعى وضاح، والرابع في بير أحمد، حيث وقعت فظائع مارس الماضي. شُوهد موظفون أميركيون في قاعدة بوريكا، إلى جانب مرتزقة كولومبيين، وفقاً لسجينين ومسؤولين أمنيين. لم يستطع المعتقلون التأكيد على ما إذا كان الأميركيون بعضهم يرتدون الزي العسكري تابعين للحكومة الأميركية أم مرتزقة.
بدأت حرب اليمن في عام 2015، بعد أن استولى المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على جزء كبير من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وأجبروا حكومة عبد ربه منصور هادي على الخروج من العاصمة. ويسعى التحالف الذي تقوده السعودية وتسانده الولايات المتحدة إلى قصف المتمردين من خلال حملة جوية عنيفة لدعم حكومة هادي، وإخضاع الحوثيين، لكن الإمارات هي الدولة المسيطرة في جنوب اليمن.
قد تكون إهانة السجناء التي حدثت في مارس بسبب إضراب السجناء المحتجزين منذ أشهر أو سنوات عن الطعام. ومع أن المدعين العامين أمروا بإطلاق سراح ما لا يقل عن 70 شخصاً في وقت سابق من هذا العام، لكن معظمهم ما زالوا رهن الاحتجاز. وقالت الحكومة اليمنية إنها لا تملك السيطرة على السجون التي تديرها الإمارات، وأمر هادي بإجراء تحقيق حول ادعاءات التعذيب.
ويسرد التقرير: بدأ الحادث في شهر مارس عندما فتح الجنود الزنزانات في الساعة الثامنة صباحاً، وأمروا جميع المعتقلين بالدخول إلى ساحة السجن، ثم جعلوهم يصطفون وأجبروهم على الوقوف تحت الشمس حتى الظهر. وعندما وصلت القوات الإماراتية، كان المعتقلون معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي، ثم قادهم السجانون في مجموعات، أو بشكل فردي إلى غرف التعذيب، حيث تواجد الإماراتيون. طلب منهم الإماراتيون خلع ملابسهم والاستلقاء. ثم قام الضباط الإماراتيون بفتح أرجلهم ولمس أعضائهم التناسلية وفحص فتحة الشرج. وقال أحد السجناء باكياً: «لقد قتلتم كرامتي»، وصرخ ثانية للإماراتيين: «هل أتيت لتحريرنا أو نزع ملابسنا؟». صرخ الإماراتيون: «هذا هو عملنا!»
قال أحد السجناء إنه عندما أجبرهم الإماراتيون على التعري: «كل ما كنت أفكر فيه هو سجن أبو غريب» في إشارة إلى سجن خارج بغداد، ارتكب فيه الجنود الأميركيون انتهاكات ضد المعتقلين خلال حرب العراق وقال شاهد آخر لوكالة الأسوشيتد برس: «كانوا يبحثون عن هواتف محمولة داخل أجسادنا.. هل تصدق هذا! كيف يمكن لأي شخص إخفاء هاتف هناك؟».
في نفس المدينة، بالسجن الذي تديره دولة الإمارات العربية المتحدة داخل قاعدة البريقة العسكرية، قال سجينان للوكالة إنهما يعتقدان أن الموظفين الأميركيين الذين يرتدون زياً عسكرياً على علم بالتعذيب، إما لأنهم سمعوا صراخاً، أو رأوا علامات تعذيب. وقال السجناء إنهم لم يروا أميركيين متورطين بشكل مباشر في التعذيب.
وقال مسؤول أمني كبير بسجن ريان في مدينة المكلا «الأميركيون يستخدمون الإماراتيين كقفازات للقيام بعملهم القذر». تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية. فيما قال مسؤولان أمنيان آخران بحسب التقرير كانا قريبين من الإماراتيين: «إن المرتزقة، بمن فيهم الأميركيون، موجودون في جميع المعسكرات والمواقع العسكرية الإماراتية، بما في ذلك السجون، ومهمتهم الأساسية: الحراسة».
الصراخ يهز زنزانتي
قال «أب لأربع أولاد»: «إن الصراخ الناتج عن الضرب يكون شديداً لدرجة شعوري باهتزاز زنزانتي.. إنه أبعد من الخيال».
وقال رئيس الأمن السابق، والذي تورط في تعذيب المعتقلين لانتزاع اعترافات، لوكالة أسوشيتد برس: « استُخدم الاغتصاب كوسيلة لإجبار المعتقلين على التعاون مع الإماراتيين في التجسس». وأضاف بشرط عدم الكشف عن هويته، بسبب مخاوف أمنية: «في بعض الحالات، يقومون باغتصاب المحتجز، وتصويره أثناء الاغتصاب، واستخدام مقطع الفيديو لإجباره على العمل لصالحهم».
بناءً على تحقيقات وكالة الأسوشيتد برس في العام الماضي، طلب مجلس النواب الأميركي في 24 أيار من وزير الدفاع جيم ماتيس أن يحدد ما إذا كان أفراد الجيش أو المخابرات الأميركية قد انتهكوا القانون في استجواب المعتقلين في اليمن. واعتمد مجلس النواب هذا الإجراء كجزء من مشروع قانون تفويض الدفاع لعام 2019. وقال النائب رو خانا، ديمقراطي من كاليفورنيا الذي ساند هذا الإجراء: «يجب على وزارة الدفاع تقديم تقرير خلال 120 يوماً إلى الكونغرس، ونأمل في الحصول على إجابة واضحة، فهذه ليست طريقة عمل الولايات المتحدة».
وقال التقرير: «إن الولايات المتحدة توفر أسلحة بقيمة مليارات الدولارات، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحالف الذي تقوده السعودية. كما كثفت الولايات المتحدة حملتها للطائرات من دون طيّار ضد تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» في اليمن. وقال البنتاغون: إن القوات الأميركية تساعد القوات الإماراتية واليمنية في محاربة متشددي القاعدة في المدن اليمنية الجنوبية».
لقد خلفت الحرب أكثر من 10 آلاف قتيل وملايين النازحين، ودفعت البلد الفقير أصلاً إلى حافة المجاعة. لكن بدلاً عن استعادة سلطة لصالح الرئيس هادي في مناطق اليمن الجنوبية المحررة من الحوثيين، احتفظت بها السعودية في الرياض لأكثر من عام. ولم يُسمح لهادي بالعودة إلى اليمن، إلا يوم الخميس في بداية هجوم قادته الإمارات العربية المتحدة للسيطرة على ميناء مدينة الحديدة، وهو نقطة الدخول الرئيسة للمساعدات الإنسانية.
الإمارات تصنع الإرهاب بدلاً من محاربته
إن سيطرة دولة الإمارات على جنوب اليمن والسجون، تركت العديد من اليمنيين قلقين من أن المدنيين الأبرياء يتم دفعهم إلى أحضان المتطرفين، والتي تزعم القوات الإماراتية محاربتهم. قال قائد يمني حالي في الرياض شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب الانتقام من الإماراتيين: «في السجون، يرتكبون أكثر الجرائم وحشية.. أصبح الانضمام إلى تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» طريقة للانتقام، من جميع الانتهاكات الجنسية واللواط.. إنهم يصنعون داعش في السجون».
ونقل التحقيق عن رجل في منتصف العمر قوله إنه في السجن منذ عام 2016، ونُقل عبر شبكة السجون السرية عدة مرات. وقال إنه جرى استجوابه 21 مرة، تعرض خلالها للتعذيب بالكهرباء والضرب وهجوم الكلاب، بينما كان معصوب العينين ومقيداً بالسلاسل: «ضربوني بالعصي الحديدية، وصعقوني بالكهرباء، وجردوني من الملابس باستثناء الملابس الداخلية وداسوا على جسدي ووجهي بأحذيتهم».
وثقت وكالة أسوشيتد برس 18 موقع احتجاز من قبل، ولكنها ذكرت أسماء 21 موقعاً، بما في ذلك 13 سجناً، وثمانية معسكرات عسكرية. وقدم سجين آخر للوكالة الأسماء الحقيقية لخمسة جلادين إماراتيين. ولم يرد مسؤولو الإمارات على طلبات التعليق حول هؤلاء الرجال.
ويقول التقرير: «إن أحد أكثر ممارسي التعذيب وحشية هو سجين يمني سابق يدعى عواد الوحش، والذي جرى اعتقاله وتعذيبه قبل أن يوافق على العمل مع الإماراتيين، حسبما قال أربعة شهود لوكالة أسوشيتد برس. ولم يتسن الوصول إلى مشرفه، يسرى المقطري رئيس مكافحة الإرهاب في عدن ، للتعليق».
وذكر المعتقلون أسماء ضباط إماراتيين مُعذبون عرفهم السجناء من خلال حراسهم: أبو عدي، وأبو إسماعيل، وهتلر.
وقال التقرير في نهايته «إن السجناء الذين تعرضوا للإيذاء الجنسي في مارس حاولوا المقاومة، ونظموا ثلاثة إضرابات عن الطعام للاحتجاج على معاملتهم، وشنوا حملة مع عائلاتهم للوصول لمنظمات حقوق الإنسان لضمان إطلاق سراحهم. حدث هذا عندما ظهر الضباط الإماراتيون الخمسة عشر بكلابهم».