من «حق» أميركا أن يكون لها مجلس حقوق إنسان خاص!
محمد ح. الحاج
لم يكن مفاجئاً خروج الولايات المتحدة الأميركية من مجلس حقوق الإنسان، كان من الأفضل لها أن تتخذ قراراً بطرد باقي الدول من المجلس والحفاظ على عضوية ميكرونيزيا والسعودية والكيان الصهيوني.
الخروج الأميركي من المجلس جاء على خلفية إدانة المجلس سلوك الكيان الصهيوني بمواجهة الفلسطينيين سواء في غزة التي خرج منها وفرض عليها حصاراً برياً وبحرياً وجوياً… بعد تدمير مطارها، أو في الضفة وأراضي 1948، المجلس الحالي متحيّز ضدّ الكيان الذي تعتبره الإدارة الأميركية الصورة المصغرة عنها في المنطقة والذي يعمل على استعادة تاريخ الاستيطان الأبيض للقارة العظمى.
المستوطنون الأوائل للقارة الأميركية قضوا على الملايين من الهنود الحمر السكان الأصليين بطريقة «إنسانية»، إذ بدلاً من تركهم يموتون طبيعياً، كان يتمّ حصادهم بالأسلحة النارية التي امتلكها المستوطنون فقط، عشرات الملايين تمّت إبادتهم واستولى الأبيض على أراضيهم الخصبة ومواشيهم وحتى خيامهم، كان ذلك قبل مئات السنين، ذكريات لا بدّ من استعادتها ويحلو للأميركان أن ترى أجيالهم الحاضرة حضارة أجدادهم يجسّد الصهيوني تفاصيلها على أرض فلسطين التاريخية، رغم أنّ اليهودي لم يستكشف فلسطين، بل هو البريطاني اللئيم المخادع.
كان يكفي في الزمن القديم رؤية الهندي عن بعد ليقوم الفرسان بمطاردته وقتله، كان محكوماً سلفاً بأنه إنْ بقي سوف يسلخ فروة رأس أحدهم، كانت أسلحة البيض عجيبة ولم يعهدها الهندي ولم يدرك خطرها فيقف متفرّجاً، مذهولاً، لكنه بعد التجربة وفناء مئات الآلاف بالمدافع سريعة الطلقات ذات الفوهات المتعدّدة أدرك الواقع، الصهيوني في الزمن الحاضر يكفيه أن يرى فلسطينياً يضع يده في جيبه ليطلق عليه النار من عدة بنادق فقد يكون مشروع طاعن بمدية.
يصدف أن يصيب الهندي مستوطناً بسهم، فيكون ذلك سبباً كافياً لإحراق قرية بكاملها وقتل كلّ من فيها حتى الأطفال، في القرن الحادي والعشرين إذا تعرّض جندي أو مستوطن لطعنة سكين يتلقى طاعنه عشرات الطلقات، ويحكم «مجلس الإنسانية» في الكيان الصهيوني بهدم منزله وتشريد أهله ومن يقاوم يقتلونه ببرودة أعصاب، ذكريات العقوبة الجماعية تتساوى بعد مئات ومئات السنين، الأميركي لا يزعجه ذلك فهذا «دفاع مشروع عن النفس» مارسه الأبيض زمن إبادة الهنود الحمر.
الأميركي كان يسيطر على مساقط المياه والطرق السهلة والمناطق الجميلة ليقيم حصونه فيها ويطرد الهنود بعيداً إلى الجبال والصحارى ويمنع اقترابهم من المياه. الصهيوني يمارسها اليوم مع فارق بسيط، عدم قدرته على بسط سيطرته على كلّ منابع ومساقط المياه رغم رغبته.
أن يعبّر الفلسطينيون عن غضبهم بالتظاهر حتى في المناطق التي غادرها الصهيوني صاغراً، أمر لا تستسيغه الإدارة الأميركية، لم يكن التظاهر موجوداً زمن استيطان أميركا، ولن يكون مسموحاً في هذا الزمن، مسموح إنسانياً للصهيوني أن يطلق النار على المتظاهر حتى وهو على كرسي المقعد فاقداً ساقيه، وعلى طفل يرمي حجراً لا يمكنها تجاوز الحدود، وعلى صبية تحاول إسعاف مصاب، مسموح للجنود الصهاينة التدرّب على قنص هؤلاء وقد يتلقى بعضهم المكافأة على فعلته بموجب القوانين الإنسانية الأميركية.
إدانة الأفعال الصهيونية ضدّ الفلسطينيين لا تندرج تحت بند العدوان على حقوق الإنسان، فالشريعة الصهيونية تقول إنّ هؤلاء «الغوييم» خلقوا على شكل بشر ليكونوا جديرين بخدمة أبناء الله، ومن حق اليهودي ابن يهوه إماتتهم حين يقرّر.. هو لا يقتل، هذه ليست جريمة.
عندما يختلف العالم كله مع الإدارة الأميركية حول مفاهيم الإنسانية، وحقوق الإنسان، فعلى هذا العالم أن يترك مجلس حقوق الإنسان للإدارة التي ترى نفسها وصورتها في مرآة الكيان الصهيوني ولهذا هي ترفض معايير الإدانة وتراها متحيّزة.
الادارة الأميركية ومعها ميكرونيزيا والكيان الصهيوني من حقها إدانة الفلسطينيين الذين يقابلون الرصاص وقنابل الطائرات بالحجارة والمقاليع والطائرات الورقية، القانون الإنساني الأميركي يفترض بالفلسطيني الوقوف مجرداً حتى من ثيابه بمواجهة الصهيوني ليتأكد هذا أنه غير مسلح، هكذا تتحقق العدالة ويمكن توجيه الثناء لمجلس الحقوق الأميركية… وقد فعلها نتن ياهو.
الإدارة الأميركية تموّل المنظمة الدولية.. إذاً المنظمة مملوكة أغلب أسهمها لها، هي تديرها، توجهها، تملي عليها قراراتها وإلا… أغلق الصندوق، طار التمويل.
وقفت الإدارة الأميركية ضدّ تسلم سورية المجلس الدولي لنزع السلاح، حتى لا تطالب سورية أو تثير موضوع السلاح النووي الصهيوني! الولاية الأكثر دلالاً، والحصانة استثنائية على مستوى العالم. ليس لدى سورية أسلحة كيميائية، الغرب يرسلها عبر تركيا ويوجه باستخدامها ويتهم سورية حتى لو تمّ استخدام السلاح ضدّ الجيش السوري! ماذا يسمّي العالم هذا السلوك، هل يسمّيه عهراً سياسياً أم نفاقاً وفجوراً وسقوطاً من عالم الإنسانية والأخلاق؟