القرار 2170… الفخ… المفتاح
بشار سليمان
منذ بداية الأزمة السورية دأبت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب وأتباعها من العرب لاستصدار قرار أممي تحت الفصل السابع يكون المظلة القانونية الدولية للتدخل العسكري الغربي في الأزمة السورية، والجميع يذكر محاولات واشنطن التلاعب بالألفاظ والحجج والمسبّبات عند صياغتها لأي مشروع قرار أممي، بل وصل الأمر ببعض العرب إلى حدّ إستجداء أعضاء مجلس الأمن للتدخل العسكري في سورية، ولكن الدبلوماسية الروسية والصينية ومعهما السورية كانت متيقظة وحذرة لتلك المحاولات التي سعت إلى التظلّل بالممرات الإنسانية تارة، وبحماية المدنيين وإيهام المجتمع الدولي بارتكابات مزعومة يقوم بها الجيش السوري ترقى إلى جرائم الحرب تاره أخرى، فكان الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج الذي أبعد المشرق العربي عن جحيم المخططات الغربية وجنون الحقد العربي، ومنع تكرار السيناريو اليوغسلافي أو الليبي في سورية.
هل كان «داعش» ورقة واشنطن الأخيرة للعودة الى المنطقة بعد انسحابها من العراق؟
تتوالى المعلومات التي تكشف أسرار صناعة هذا التنظيم الإرهابي في غرف أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية، حيث كبر حتى أصبح كبشاً سميناً وحان وقت التضحية به لاستكمال المخطط القديم الجديد الأميركي الاستعماري للعودة إلى المنطقة من بوابة مجلس الأمن، وأصبح التنظيم يمثل كياناً شبه مستقلّ عتاداً وعديدا وإعلاماً ومالاً، وبدأت عائلات عروش دول المنطقة العربية تشعر بالصداع لتنامي قدرته المتسارعة والخوف من انفلات زمام الأمور وخروجه عن السيطره الأمنية اللوجستية والاستخباراتية لمشغّليه، وكذلك استشعار القارة الأوروبية ملامح خطره فكرياً وأمنياً على مجتمعاتها، خاصة بعد خروج عدة دعوات من داخل التنظيم تطالب بنقل فكر التنظيم الإرهابي إلى أوروبا، فكان لزاماً على المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن التحرك سريعاً لوقف تمدّده الشيطاني وحشد التأييد الدولي لمواجهة الخطر القادم. لكن على خط متواز كانت هناك مخاوف روسية صينية مبرّرة من خشيه ركوب القرار الأممي من قبل الولايات المتحده وحلفائها وجعله مطيه لإسباغ الشرعية على التدخل المباشر في سورية فلا يزال طعم المرارة بين أضراس الدب الروسي بعد تجاوز حلف الأطلسي قرارات مجلس الأمن وتدمير ليبيا.
أجبر «داعش» أضداد مجلس الأمن على الجلوس سوياً والاتفاق على قرار أممي يكون تطبيقه متاحاً لجميع الدول الراغبة في محاربة الإرهاب بشكل عام و»داعش» و»النصرة» بشكل خاص، فموسكو وبكين ومعهما طهران ودمشق ترى في القرار 2170 أرضية صلبة لتشكيل تحالف دولي من أجل التصدي لخطر تنظيمي «داعش» و»النصرة» الإرهابيين، بينما ترى واشنطن في سرّها أنّ هذا القرار هو البوابة الأخيرة للعودة إلى المنطقة بعد أن تاهت الطرق في متاهات الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج خلال الأزمة السورية.
في النهايه اتفقت موسكو وواشنطن على مبدأ محاربه تنظيم «داعش» وإنْ اختلفتا في الدوافع والأسباب التي تجعل حجة كلّ منهما منطقية ومقنعة. فموسكو بدأت تتنبّه إلى الخطر الإرهابي القريب من بواباتها الجنوبية الغربية في أبخازيا والشيشان والقوقاز، خاصة أنّ حروبها في الشيشان لا تزال ماثلة في الأذهان، مما يعطي الروس حججاً قويه لمحاربة عناصر هذا التنظيم الإرهابي، كما أنّ الروس بتصويتهم على هذا القرار أكدوا مصداقية الرؤية الحكومية السورية بأن ما يحدث في المنطقه ليس ثورة بل هو اجتياح إرهابي أصولي للمنطقة، بالإضافة إلى حرص موسكو على حماية خطوط إمداد الطاقه من الجنوب الروسي وإبعاد الإرهاب عن المجال الحيوي لتلك الخطوط، وكذلك رغبه موسكو في دفع واشنطن إلى التورّط في المستنقع السوري العراقي، وتشتيت تركيزها عن المسأله الأوكرانية مع اليقين بأنّ الضربات الجوية ليست مجدية في القضاء على «داعش» بدون تدخل بري أميركي تتمناه موسكو لتغرق واشنطن أكثر في المنطقه وتشعّباتها، كما أنّ الروس كالإيرانيين يدركون جيداً أنّ الطلب الأميركي بمساهمتهم في الحرب على هذا التنظيم،وتطبيق قرار مجلس الأمن 2170 لن يتأخر طويلاً، ولكنه لن يأتي إلا على أساس تفاهمات استراتيجية تنتظرها موسكو وطهران وتعلمها فيما تخشاها واشنطن.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية فهو يهدف في المقام الأول إلى إعادة الهيبة لها في المنطقة وفي مجلس الأمن بعد سلسلة طويلة من الإنكسارات المتعلقة بالأزمة السورية في مجلس الأمن والإيحاء بأنّ مجلس الأمن لا يزال مطواعاً في يد البيت الأبيض وكذلك عودة الولايات المتحدة الى المنطقة بعد خروجها من العراق، وهو ما تسعى إليه واشنطن، وهي تراقب بقلق التمدّد الروسي في المنطقة، لا سيما في الجزائر والعراق، ومما زاد شعور واشنطن بالريبة دخول موسكو إلى دول كانت تصنّف إلى زمن قريب من أتباع الأميركيين، كمصر مثلاً، مما خلق جواً من الشعور بالتهديد الروسي المباشر للمصالح الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي الذي عوّلت عليه الإداره الأميركية لانتشال اقتصادها من حالة الركود التي تشهدها البلاد وربط عمليات التحفيز الاقتصادي بالحرب على الإرهاب، وهذا ما أدّى إلى انتعاش الاقتصاد الأميركي. كما أنّ واشنطن تدرك أنّ عملياتها العسكرية ضدّ «النصرة» و»داعش» ستستغرق زمناً طويلاً، ذلك لأنّ هذه العمليات تقتصر إلى الآن على توجيه الضربات الجوية لعصابات الإرهابيين، وأنّ هذه الضربات لا يمكن أن تؤدّي إلى نجاح الغرب في القضاء عليهم لتمدّده على شكل عصابات متفرّقة على مساحات شاسعة من الأرض، وقد بدأت تصريحات المسؤولين الغربيين تمهّد الرأي العام الغربي على تقبّل فكرة الحرب الطويلة على الإرهاب وتواجد طويل الأمد في المنطقة، ولهذا السبب سعت واشنطن إلى تشكيل تحالف شبيه بتحالف «عاصفة الصحراء» في حرب الخليج الثانية، أو الذي شكلته إبان أحداث 11/9/2001 وإشهارها المصطلح القديم الجديد مكافحه الارهاب .
إنّ الروس يدركون جيداً أنّ التحرك الأميركي واقع في المنطقه لا محالة خاصة بعد أن أعطى تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» السبب تلو الآخر للتدخل الغربي في المشرق العربي، فمن خطف جنود الإندوف في الجولان المحتلّ من قبل إرهابيّي «النصرة» إلى قطع «داعش» رؤوس أسرى أميركيين وبريطانيّين، والتهديد جهاراً بنقل المعركة إلى أوروبا والولايات المتحدة، مما أعطى للأمريكيّين والأوروبيين مظلة شعبية لمحاربة «داعش» و»النصرة» بعد أن تقبّل الرأي العام الغربي فكرة أنّ التنظيمين الإرهابيّيْن يهدّدان المجتمعات الغربية بشكل خاص، والإنسانية بشكل عام وهما خطر على البشرية جمعاء، كما أنّ الروس وهم يتابعون واشنطن في حربها على «داعش» و»النصرة» يرون أنّ المواجهة مع الرياض وأنقره والدوحة آتية لا محالة كون العواصم الثلاث الخزان البشري والمالي والفكري للتنظيمين الإرهابيين.
رغم وجود تيار واسع من المسؤولين الروس يرون أنّ موافقة موسكو على القرار 2170 سوف يطلق ذراع واشنطن بحرّية في المنطقة، كانت قد افتقدتها منذ زمن، لكن ما تريده موسكو استراتيجياً يستحق المغامرة وبعد أن استجابت واشنطن للطلب العراقي مساعدة الجيش العراقي وعناصر البيشمركة في عملياتهم ضدّ التنظيم وجدت موسكو نفسها في موقف المسرع في صياغة القرار الأممي وجعل الاتفاق بين موسكو وواشنطن حتمياً.
جاء القرار 2170 فضفاضاً وحمّال أوجه واحتمالات تكييفه مع المستجدات الإقليمية والاستراتيجية لكلّ طرف واسعة، فالروس وإنْ صوّتوا لصالح القرار، ورغم ابتعادهم عن المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية لواشنطن وحلفائها، إلا أنهم موجودون بقوة على الأرض بشكل غير مباشر ويمسكون بالكثير من خيوط اللعبة ويتحكّمون بالكثير من التفاصيل الصغيرة المؤثرة في الحرب على الإرهاب فالأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى تتجاوز الأهداف العسكرية الآنية وتجعل انتظار قطف ثمار القرار 2170 حتى النضوج هو ما تبحث عنه موسكو وتنتظره بصبر.
تدرك موسكو كما تدرك واشنطن أنّ القرار 2170 ليس سوى حقل مليء بالأفخاخ وأنّ نتائج تطبيق القرار سوف يكون مفتاح رسم السياسات المستقبلية في المشرق العربي التي سوف تقود العالم في السنوات المقبلة… وعليه فإنّ الجميع في انتظار من سيقع في الفخ ومن سيحصل على المفتاح.