خليل: لإعطاء الأولوية للإنتاج اللبناني

أشار وزير المالية علي حسن خليل، خلال افتتاح مؤتمر «الشراء العام وفرص تعزيز الصمود والنمو المستدام»، في مقر معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، إلى «أن مؤتمرنا يأتي في لحظة مصيرية من تاريخ بلدنا حيث التحدي الكبير، إما أن نكون دولة قادرة على الاستمرار والحياة والصمود في وجه تحديات العالم، وإما أن نعلن فشلنا في مواكبة العصر وتحدياته وأن نعلن عجزنا كمسؤولين سياسيين في إدارة الدولة».

وقال خليل: «قد يبدو هذا الكلام مستغرباً وخارج السياق، لكنه برأيي يأتي منسجماً مع حقيقة التحدي الذي نعيش وهو ألا مكان بعد اليوم لإدارة لا تعتمد حوكمة مسؤولة تحاسب في لبنان على أساس القوانين المرعية الإجراء ولا مكان لدولة لا تحدث قوانينها بطريقة تواكب هذا العصر وتسمح بضبط المال العام الذي هو ملك الناس دافعي الضرائب في هذه الدولة».

أضاف: «المؤتمر الذي ننظمه إنما يأتي منسجماً مع رؤيتنا بأن مجمل القوانين المتصلة بإدارة الدولة والمال العام يجب أن تحدث وأن تصاغ بطريقة تعيد ثقة المواطن اللبناني بدولته من خلال الالتزام بالأنظمة والقوانين».

الشراء العام 13 من حجم الموازنة

وتابع: «يأتي موضوع الشراء العام كواحد من العناوين الأساسية المهمة في هذا السياق، حيث يشكل الشراء العام ما مجموعه 13 في المئة من حجم الموازنة العامة للدولة أي ما يوازي 5 في المئة من الناتج الوطني، وبالتالي نحن أمام مسألة حيوية وأساسية تتصل باستقرارنا المالي والاقتصادي وبقدرة توظيف هذا المال بالطريقة الصحيحة التي تخدم مصالح المواطنين. هذا الأمر نحن بحاجة إليه لا أن يبقى في الدائرة نفسها التي تعتمد حالياً على مستوى إدارة الدولة، لأنّ القانون الذي عملنا عليه طويلاً في اللجان النيابية قانون الصفقات العمومية أو الشراء العام لم يأت على مستوى الطموح الذي كنا نأمله والذي يتطلب ربما وبجرأة وضع اليد من جديد وإعادة النظر في صياغة هذا القانون لكي يأتي منسجماً مع الحقيقة الثابة، إننا نريد عمليات شراء عام شفافة نزيهة تخضع لمنطق المنافسة الحقيقية تعتمد الآليات والأدوات القانونية والعلمية التي تسمح بالوصول إلى النتيجة المرجوة والتي تحفظ المال العام ومصالح المواطنين وجودة المنتج نتيجة هذا الشراء العام. هذا الأمر يعتبر بالنسبة إلينا إصلاحاً بنيويا له علاقة بالنظرة إلى الدولة ككل وليس تفصيلاً جزئياً يتصل بمفردة واحدة بل يأتي في سياق متكامل لا بد من أن يصل إلى أهدافه في إعادة بناء كل المؤسسات التي تتكامل مع بعضها لتعطي الصورة النموذجية عن الدولة التي نريد».

وأكد وزير المالية أنه «لا يمكن أن نشهد مثل هذا الاهتمام العالمي والذي يأخذ واحداً من أشكاله من خلال اهتمام السفراء وممثلي المنظمات الدولية وكل المتابعين للملف اللبناني لا يمكن أن نتجاهل أن هذا الأمر يشكل تحدياً لنا كمسؤولين لبنانيين في أن ننتج صورة نموذجية عما يجب أن تكون عليه إدارة الشراء العام في لبنان. ولا يمكن أيضاً أن نتحدث عن إطلاق مشاريع بمستوى وحجم ما أعديناه في المشروع الاستثماري التنموي في البلد والذي انعقد بمشاركة ومساهمة دولية واسعة في باريس مؤخراً من دون أن تكون لدينا القواعد التي تطمئن الواهبين والممولين والقطاع الخاص والدول والمؤسسات على أننا نسير في الطريق الصحيح. عندما نعطي هذه الصورة من التحدي لا نشكك في قدرتنا على الوصول إلى الأهداف المرتجاة، بل نحاول أن نحفز الرأي العام وقوى المجتمع المدني والهيئات المراقبة لأعمال الدولة على أن تسلط الضوء على هذا الأمر لكي نصل إلى مرحلة نستطيع معها أن ننتج موقفا يحفظ مصالح هؤلاء الناس من جهة، ويحفظ قدرة الدولة على الاستمرار والتطور من جهة أخرى».

وقال: «اسمحوا لي أن أعترف أمامكم أننا لم نكن في كثير من الأحيان على قدر المسؤولية في احترام القواعد التي يجب أن تعتمد في إدارة الصفقات والشراء العام، لا عبر إدارة المناقصات وبطريقة شفافة ندية لا تقيد هذه الإدارة بدفاتر شروط عاجزة عن فتح باب المنافسة أمام الناس بشكل متساو، ولا على مستوى القرار بضبط الشراء بالتراضي الذي حصل في كثير من المجالات والمحطات. عندما أقول هذا الكلام إنما أوجه نقدا عاما لنا جميعا لكي نتوقف وبشكل واضح وجلي وصريح عن كل أشكال صفقات الشراء العام بالتراضي وأن نصل، وهذا من أهداف هذا المؤتمر وتوصياته، إلى إعداد دفاتر شروط نموذجية تقدم في كل المجالات وتأتي في سياق استراتجية للشراء العام أيضا تشمل كل إدارات ومؤسسات الدولة».

وأكد أنه «لم يعد اليوم هناك، كما سمعنا، في العالم ربما إلا بعض من الدول التي لا تعتمد دفاتر شروط نموذجية موحدة، ولا يوجد اليوم كثير من الدول التي لا تعتمد المناقصات المفتوحة إلكترونياً والتي يستطيع أياً كان في البلد أن يدخل وأن يشارك ويبدي رأيه وأن يعزز مبدأ المنافسة المطلوب في هذه المجالات. لهذا نعم نحن ملتزمون ونتعهد بأن نحول شعار مكافحة الفساد والهدر إلى حقيقة تبدأ باحترام الأصول وقواعد الشراء العام لمنع وإلغاء كل الصفقات التي تحصل بالتراضي والتركيز على إدارة حكيمة من خلال إدارة المناقصات من جهة ومن خلال العمل على إعداد دفاتر شروط نموذجية وفتح باب المنافسة الشريفة واعتمادا الآليات والأدوات والوسائل الإلكترونية الحديثة التي تعزز هذا المبدأ»، مشيراً إلى أنّ «هذه المسألة ليست إدارية ولا تتصل فقط بعملية ضغط بل تأتي في سياق المنطق الاقتصادي ومنطق توظيف المال في خدمة الشأن الاجتماعي والشأن العام لكل الناس».

أضاف: «علينا أن ننتبه إلى أمر آخر، أنه عند وضع مثل هذه القواعد فالأثر المباشر سيكون على الوقائع الاقتصادية الداخلية في لبنان، أيضاً ربما من خلال إعطاء الأولوية للإنتاج اللبناني لتحفيز القطاع الخاص اللبناني أولاً على الإنتاج وثانياً على الاستيراد المنظم والقادر على أن يخدم التوجه الاقتصادي للدولة ورفع قيمة هذا الاقتصاد وحجمه بما يساعد على إعادة تشكيل الدورة المالية الجديدة وتكوينها بالطريقة التي تخفف إلى حد كبير من نسبة العجز ونسبة الدين على الناتج المحلي من خلال تكبير حجم هذا الناتج، بالإضافة إلى الوفر الذي سيؤمن للمالية العامة لتستطيع أن توظف جزءا من الأموال الموفرة لمشاريع وخدمات أخرى».

مشروع إعادة بناء الدولة

واعتبر أنّ «علينا أن ننطلق إلى المرحلة العملية، وهذا المؤتمر في هذا السياق وهو ليس ملتقى للترف الفكري والنقاش النظري. بل المطلوب أن تصدر توصيات من مسؤولية وزارة المال أن تحملها إلى مواقع القرار التنفيذي في الحكومة وموقع القرار التشريعي في المجلس النيابي ولجانه المتخصصة. وبالتالي علينا العمل على إنشاء مجموعة عمل فنية متخصصة في هذا الأمر للمباشرة فورا في إعداد دفاتر الشروط النموذجية والدفع باتجاه إقرار قانون الصفقات العمومية وتحديث إدارة المناقصات والتفتيش المركزي بالطريقة التي تؤمن وتحفظ قوة واستقلالية وحصانة هذه المؤسسات بعيدا عن تأثير الوزراء والمدراء وكل من يتصل بإدارة هذه الصفقات والعمل الجدي على التحول نحو تقديم الخدمات الإلكترونية التي تسمح بإطلاق المناقصات المفتوحة بعيدا عن الشوائب الإدارية».

وأكد أنّ «علينا أن نصل إلى مرحلة لا تكون المناقصات فيها جزئية إنما تأتي ضمن جدول عام لكل الدولة في كل مؤسساتها تتوحد فيها المواد الشبيهة والمماثلة لبعضها بعض بالطريقة التي تؤمن وفراً أكيداً ستؤمن بعودة التوازن المالي للبلد».

وقال: «هذا الأمر يرتبط بمشروع إعادة بناء الدولة كما بدأنا. ولا يمكن أن نتحدث عن مكافحة الفساد من دونه أو بتجاوزه، ولا يمكن أن نتحدث عن ضبط لمنطق الرشوة السائد، والتصنيفات العالمية تؤكد هذا الأمر، من دون أن نخطو خطوات على هذا الصعيد. حان الوقت لوضع حد لمثل هذه الممارسات، وحان الوقت لكي نؤكد أننا جديرون في حمل أمانة الناس في رسم مستقبلهم وأننا جديرون في المحافظة على تأمين فرص تحقيق طموحات شبابنا وأجيالنا الصاعدة».

هدر الوقت جزء من الفساد

واعتبر «أنّ هدر الوقت هو جزء من الفساد، ولهذا التحدي أمام كل القيادات السياسية اليوم، وفي ظل ظروف اقتصادية ومالية معقدة وصعبة على مستوى الداخل والمنطقة، أن نسرع في تشكيل حكومة جديدة، حكومة قادرة على إعادة تشكيل هذه الثقة وبنائها بين المواطن والدولة وأن تتحمل مسؤوليتها في عملية إصلاح جدي وجذري لأوضاعنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية. المسألة ليست مسألة طلبات خارجية أو تمنيات خارجية أو تقارير تتصل بمؤسسات تصنيف دولية أو مؤسسات مالية دولية وليست ترفا إنما هي حاجة وطنية داخلية لكي نطلق فعلا عملية إصلاح حقيقي بنيوي لا يمكن أن نستمر من دونه. وهذا الأمر يتطلب أن نستكمل بناء مؤسساتنا الدستورية من خلال تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن. من الخطير جدا أن نغامر في توقعات الناس وبطموحاتهم، لنسرع ونتجاوز الجدل القائم حول بعض التفاصيل المتصلة بأحجام وبمحاولات رسم سواتر وحدود في علاقات القوى السياسية بعضها مع بعض». وقال: «علينا أن نتحول إلى إدارة حكومية سياسية قادرة على أن تلامس حقيقة الواقع الذي نعيش على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي وأن نعمل بشكل جدي لحل هذه المشاكل. ومؤتمرنا هو على هذه الطريق وربما من المستغرب أن يأتي في الوقت الضائع، ولكن بالنسبة إلينا لا وقت يجب أن يضيع على الناس، وعلينا أن نستفيد من كل لحظة لكي نؤسس لبناء الدولة التي تحمي وطننا لبنان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى