تركيا واللعب على حبال الشمال السوري…!

محمد ح. الحاج

لا ينتظر المواطن السوري ليطلب منه أحد أن يكون حارساً وخفيراً لسيادة دولته على كامل أراضيها، بل هو يبادر بدافع ذاتي فينخرط للقيام بما يعتبره واجباً، من هذا المنطلق أنظر إلى ما يحدث على أرض الواقع من تصرفات وألاعيب تركية في شمالنا السوري، وأقارن بينها وبين السجلات التي يحتفظ بها التاريخ عبر صفحاته ومنها يوميات الموسوعة العالمية ويكيبيديا – وأخلص إلى أنّ يوميات الأحداث حالياً تشير إلى محاولة استعادتها وتطبيقها من جديد على أراض جديدة من قبل النظام التركي، متوسّلاً الخبث والدهاء ذاته وكأنّ العالم فقدَ ذاكرته أو أنه يستسهل اللعب والخداع وسياسة الوجهين رغم ارتباطه باتفاقيات مع جهة إقليمية فاعلة هي إيران وقطب عالمي هو روسيا، ويلاحظ الجميع تأكيد أغلب البيانات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك عدم وجود أطماع لهم في الأرض السورية، بل هم يحرصون على الوحدة الجغرافية، وقد ورد ذلك على ألسنة الكبار، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية.

التصريحات التركية الحالية تدفعنا إلى قراءة يوميات عصبة الأمم قبل سلخ لواء الاسكندرون وهي كافية للتشكيك بكلّ ما يصدر عن الحكومة التركية حالياً، وأذكر أنني قبل سنوات 2014 كتبت مقالاً في جريدة البناء بعنوان: «السلطان يبحث عن هاتاي جديدة، لكن التاريخ لا يكرر نفسه». وقد تمّ إدراج المقال ضمن الموسوعة العالمية الحرة تحت نفس العنوان. ولنقرأ أحداث الماضي:

8 كانون الأول عام 1936

سجلات عصبة الأمم

أرسلت الحكومة التركية إلى السكرتير العام لعصبة الأمم مذكرة تطلب فيها تسجيل الخلاف بين فرنسا وتركيا على مصير لواء الاسكندرون بعد استقلال سورية لبحثه في الجلسة القادمة لمجلس العصبة، استناداً إلى المادة 11 من ميثاق العصبة، التي تقضي بوجوب اتخاذ المساعي الودية في جميع الظروف التي من شأنها أن تؤثر في العلاقات الدولية.

نظر المجلس في الخلاف التركي – الفرنسي على مصير لواء الاسكندرون بعد استقلال سورية. وعرضت تركيا اقتراحها بإنشاء دولة مستقلة فيه شأن دولتي سورية ولبنان، وإنشاء اتحاد فيدرالي بينها. وقد صرّح وزير خارجية تركيا في هذه الجلسة بأن ليس لتركيا أيّ مطمع سياسي في بسط سيادتها على لواء الاسكندرون، وهي لا تقصد من وراء إثارة هذه القضية سوى حماية حقوق أبناء جنسها والمحافظة على حياتهم وحرياتهم.

فكيف إذاً انتقل اللواء السوري إلى الملكية التركية رغم ما تمّ إقراره في اتفاقيات سابقة لم تقتصر عليه بل ضمنت السيادة السورية على كيليكية – أضنة ومرسين؟

وتالياً ما ورد في الموسوعة الحرة:

ـ في العهد العثماني كان اللواء سنجقاً تابعاً لولاية حلب.

ـ عام 1915 احتوت مراسلات الشريف حسين مع مكماهون على إشارات واضحة بتبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس إلى الدولة العربية الموعودة – تعيين للحدود الشمالية للدولة على خط يقع شمال مرسين ـ أضنة الموازي لخط 37 شمالاً الذي تقع عليه مدن البيرة وأورفة وماردين وفديان وجزيرة ابن عمر وعمادية، حتى حدود إيران.

ـ مع بدء الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان تبع اللواء ولاية حلب.

ـ كان لواء اسكندرون في اتفاقية سايكس بيكو داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي بمعنى أنّ المعاهدة اعتبرته سوريّاً وهذا يدلّ على أنّ هذه المنطقة هي جزء من سورية.

ـ في معاهدة سيفر عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة منطقتي الاسكندرون وكيليكية – أضنة ومرسين وارتباطهما بالبلاد العربية المادة 27.

التصريحات الرسمية التركية المشابهة لمثيلاتها قبل عقود، تبعث على اطمئنان الرأي العام العالمي وليس المحلي، ما يحصل على أرض الواقع يأخذ طابع السرية والتعتيم بحيث لا تتعرّض له وسائل الإعلام العالمية، ومع ذلك يتسرّب الكثير وتشير الدلائل إلى وجود نوايا مبيّتة يجري الإعداد لها ومنها:

ـ اتفاق تنفيذ مناطق للتهدئة أعطت للتركي حق المراقبة وقيل إنها تقتصر على نقاط ودوريات للشرطة العسكرية روسية وتركية وإيرانية، لكن التركي أدخل وحدات قتالية تشمل المدرعات والمدفعية الثقيلة والمغاوير خلافاً للاتفاقية ووصل حدود محافظة حماة.

ـ يقوم التركي بالتنسيق سراً مع الوحدات التابعة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة بالتوازي مع تنسيق آخر مع الروسي والإيراني ويأتي حراكه متناقضاً يرسّخ في عملياته تنفيذ ما اتفق عليه مع الأميركي وترسيخ مخططاته بينما يقوم الأميركي بتوفير الغطاء للوحدات التركية للانتشار في المناطق المستهدفة ويزيح من طريق الوحدات التركية العقبات المتمثلة بوحدات «قسد».

ـ يقوم التركي بإنزال العلم الوطني السوري من على كافة المراكز الرسمية ويرفع علم تركيا ويجلب إلى المؤسسات القائمة كوادر إدارية تركية!

ـ يترافق مع هذه الإجراءات قيام وفود مدنية تركية بزيارات علاقات عامة ولقاءات مع وجهاء المناطق الشمالية في كلّ من راجو، عفرين ومناطقها وشمال شرق حلب جرابلس والباب، وقريباً في منبج، مع إطلاق وعود ذهبية في حال وافق هؤلاء على التصويت بنعم لصالح الانضمام لتركيا، ويبدو السلطان في عجلة من أمره لطرح مشروع استفتاء في المناطق التي وضع يده عليها، وهذا يؤكد وجود مؤامرة متعدّدة الأطراف بقيادة أميركية وتوجيه صهيوني لتنفيذ الخرائط التي تمّ تسريبها قبل سنوات عديدة.

ـ انّ إجراءات السلطان والتي يعرف تفاصيلها المجتمع التركي شكلت رافعة لنجاحه في الانتخابات، عمليات التوسع واستعادة الحلم السلطاني لا شك تلقى التأييد التامّ في أوساط حزب ايردوغان وأوساط القوميّين الأتراك.

المناطق الشمالية السورية لم يغادرها الوطنيون، وهم بالتأكيد لن يرضخوا عن طيب خاطر للتركي أو الأميركي أو غيرهم، ولا بدّ أن تنطلق عمليات المقاومة بدعم وتشجيع الدولة السورية، وإذا كان الروسي والإيراني مطمئنين لإخلاص التركي في تنفيذ ما اتفقوا عليه والخروج، فإننا كسوريين وبسبب من الإجراءات التركية والنشاط المشبوه المحموم في مناطق تواجده لا يبعث على الثقة فقد جرّبنا هذا الجار المراوغ الذي استعمرنا 400 عام باسم الدين وولاية الأمر وحصدنا نتيجة ذلك عقوداً من التخلف والجهالة والابتزاز والنهب إضافة إلى موت الآلاف منا في حروبه العبثية.

صرخة عالية أطلقها لتشكل باباً من أبواب المقاومة، مشجعاً لكلّ من بيده القوة والأمر أن لا ينتظر «وقوع الفاس في الراس»، فقد لا ينفع الندم، بل أطالب أكثر من ذلك أن يكون الشعار تحرير اللواء واستعادة كلّ الأراضي التي جرّدنا منها العثماني باتفاق مع المستعمر الغربي في غفلة من الزمن لا يجب أن تتكرّر.

نعم لطرد الأميركي والتركي من على ترابنا الوطني، نعم لاستعادة اللواء وكيليكية الكبرى والصغرى وكلّ شبر محتلّ من أرضنا السورية، ولنتمثل قول زعيمنا: لا يكون الحق حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة… فلنمتلك قوّتنا ونحقق نصرنا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى