الجيش السوري يُنهي التحضيرات لبدء العملية الكبرى نحو تحرير درعا والحدود الأردنية رئيس الجمهورية يُسقط الانقلاب على نتائج الانتخابات… ويذكّر بالصلاحيات والأحجام
كتب المحرّر السياسيّ
انتهت العمليات التكتيكية التمهيدية التي بدأها الجيش السوري لتحضير المسرح العسكري جنوب سورية لإطلاق العملية الاستراتيجية الكبرى نحو تحرير درعا والحدود السورية مع الأردن، ووفقاً لمصادر عسكرية متابعة فإنّ العمليات التي استمرت خلال الأسبوع الماضي هدفت لتوضيع القطعات العسكرية ضمن محاور مناسبة، وربط مناطق الانتشار العسكري للجيش في محافظتي السويداء ودرعا، وإنهاء المعارك الواقعة على ضفاف منطقة العمل الرئيسية، لتبدأ العملية الكبرى التي توقعت المصادر أن تحقق نجاحات سريعة وتُكمل النصر المتدحرج الذي صار سمة المعارك التي يخوضها الجيش والحلفاء منذ سنتين. وقد سقطت كلّ الأوهام والرهانات على تصدّع جبهة الحلفاء أو على مساومات تطيح بأيّ من ثوابت السيادة السورية. وبقي الباب مفتوحاً للتفاوض، لكن تحت النار، لمن يريد استنقاذ ما تبقى قبل أن يسبق السيف العذل.
لبنانياً، وعكس السير الذي ترسمه الأوضاع في المنطقة، تبلورت لدى رئيس الجمهورية مؤشرات تشكيل حلف ثلاثي لعرقلة العهد، واعتماد موقع رئاسة الحكومة الذي تمّت تسميته بتوافق شارك فيه الجميع، خلافاً لحجم تمثيل أطراف الحلف الثلاثي التي تبلغ 44 نائباً فقط، والتصرّف على قاعدة الخداع باعتبار هذه التسمية باتت سلاحاً يمكن تسديده نحو صدر العهد، وابتزازه بالتعطيل، لفرض حكومة تطيح نتائج الانتخابات، وتنتزع من صلاحيات رئيس الجمهورية، مسؤولياته لدى توقيع مرسوم تشكيل الحكومة بقياس مدى تناسبها مع ميثاق العيش المشترك لجهة التعبير عن نسبية التمثيل بين الطوائف من جهة، وبين مكوّناتها كما عبّرت عنها الانتخابات النيابية من جهة ثانية، وضمان حقوق الأقليات السياسية والطائفية بالحرص ذاته على التمثيل المنصف للأكثريات.
خرج رئيس الجمهورية عن صمته وضرب بيده على الطاولة ببيان صدر عن الرئاسة، وضع النقاط على الحروف، فردّ الاعتبار للصلاحيات والأحجام والأصول. فرئيس الحكومة يصنع التشكيلة الحكومية، لكنها لا تصير حكومة بلا توقيع رئيس الجمهورية، ولن تحصل على هذا التوقيع ما لم تراع الأحجام والأصول والصلاحيات. ففي الأصول تسمية نائب رئيس الحكومة وتسمية وزراء يمثلون رئيس الجمهورية من شروط التوقيع. وفي الصلاحيات التحقق من مراعاة التوازن في تمثيل الأكثريات والأقليات السياسية في الطوائف بالمعايير ذاتها، بين المسيحيين كما بين السنة والدروز، وإلا فلن يكون التوقيع. وفي الأحجام ضمان احترام التشكيلة المقترحة لأبسط معايير الديمقراطية، ومضمونها ما قاله الناخبون في صناديق الاقتراع، حيث تتمثل الكتل وفقاً لمعيار واحد يحدّد الأحجام، فلا يمكن منح 44 نائباً 14 وزيراً ومنح 45 نائباً في المقابل سبعة وزراء، وتخيير رئيس الجمهورية بين إنصاف المغبونين من الوزراء الذين يسمّيهم أو اعتماد الكيل بمكيالين وطلب توقيع الرئيس، وإلا فتوقيع الرئيس لن يكون.
حسم موقف رئيس الجمهورية الادّعاءات بخلاف دستوري، أو تباين حول اتفاق الطائف. فالرئيس المكلف له صلاحيات لا يزاحمه عليها أحد، لكن لرئيس الجمهورية حق التوقيع لتصير الحكومة مكتملة دستورياً. وهذا الحق يُمنح للتشكيلة التي يتمّ فحصها وفقاً لمعايير الدستور، وميثاق العيش المشترك وقواعد نسبية التمثيل، لأنّ الرئيس هو حامي الدستور.
دعماً لموقف العهد وتأكيداً على الدعوة لحكومة متوازنة، يجري التداول بالدعوة للقاء لنواب الثامن من آذار الـ45، على أن يخرج الاجتماع ببيان يؤكد دعم موقف رئيس الجمهورية من جهة، ورفض التدخلات الخارجية التي تسعى لتعطيل ولادة الحكومة في مواجهة تحديات واستحقاقات داهمة من جهة أخرى، ويطلب الاجتماع بمقياس التمثيل النسبي أن ينال في الحكومة ثلاثة أضعاف حصة القوات اللبنانية التي تتمثل نيابياً بـ 15 نائباً يشكلون ثلث تمثيل قوى الثامن من آذار، سواء على مستوى عدد المقاعد الحكومية أو على مستوى نوعية الحقائب.
عون للمستقبل و«القوات» و«الاشتراكي»: لن أتنازل والتزموا بأحجامكم
كان لافتاً أمس، ما أعلنته وكالة سبوتنيك أن العقدة الأساسية تكمن «ليس في الخلاف الداخلي الحاصل على توزيع الحصص الوزارية، بقدر ما هو غياب كلمة السر الخارجية التي تضغط على مختلف القوى وتؤدي إلى تسريع تشكيل الحكومة، وذلك لوجود تطورات إقليمية بارزة عدة تحتم تجميد الملف اللبناني أمامها، ومنها معركة الحديدة في اليمن وعملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لكن الأهم التطورات السورية والتحضير لمعركة الجنوب السوري تمهيداً لتسلّم الجيش السوري زمام الأمور الأمنية على جبهة الجنوب، وما قد ينتج عن ذلك، إما استقرار أمني وفق اتفاق دولي عرّابه روسيا وأميركا، أو إمكانية توتّر الحدود السورية الإسرائيلية لأسباب معينة تؤدي الى توتير الأجواء في المنطقة ككل، ومنها لبنان».
إلى ذلك يبدو أن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بدآ بحملة مضادة ضد الحملات المبرمجة التي استهدفت عهد الرئيس ميشال عون التي يقودها التحالف الثلاثي المستجدّ «القوات اللبنانية» وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي، ما يُنذر بمواجهة حامية سترافق مفاوضات تأليف الحكومة التي يبدو أنها متعثرة حتى الساعة.
وخرجت بعبدا عن صمتها متوجّهة الى الفريق الثلاثي من دون أن تسميه، بتأكيد أن رئيس الجمهورية لن يتنازل عن صلاحياته الدستورية في عملية تشكيل الحكومة ووفقاً للأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية.
وأكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ببيان أن «رئيس الجمهورية يتعاطى مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة، استناداً الى صلاحياته المحددة في الدستور، ولا سيما الفقرة 4 من المادة 53، اضافة الى القوانين المرعية الإجراء. والرئيس وإن لم يتدخل في آلية التشكيل، إلا أنه ليس في وارد التغاضي عما منحه إياه الدستور من صلاحيات وما درجت عليه الأعراف المعتمدة منذ اتفاق الطائف، لا سيما لجهة حق رئيس الجمهورية أن يختار نائب رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء، يتابع من خلالهم عمل مجلس الوزراء والأداء الحكومي بشكل عام انطلاقاً من قَسَمه الدستوري بالحفاظ على القوانين. وعلى الذين يسعون في السر والعلن، الى مصادرة هذا الحق المكرّس لرئيس الجمهورية، أن يعيدوا حساباتهم ويصححوا رهاناتهم، وينعشوا ذاكرتهم».
وأشار البيان الى أن «الخيار الميثاقي يفرض على الرئيس بالتالي حماية الشراكة الوطنية التي تتجلى في أبهى مظاهرها في حكومة تعكس أوسع تمثيل وطني ممكن، كما تحقَّق خلال الانتخابات النيابية عبر قانون قائم على أساس النسبية، عمل رئيس الجمهورية من أجل إقراره للمرة الاولى في التاريخ السياسي للبنان. وهذه الانتخابات حدّدت أحجام القوى السياسية، وما على هذه القوى إلا احترام هذه الأحجام حتى تكون عملية تشكيل الحكومة مسهّلة».
وأضاف البيان: «الذين يدّعون حرصهم على اتفاق الطائف ويحذّرون مما يصفونه بخطر إسقاطه أو تعطيله، مدعوون الى التوقف عن تعميم الأضاليل وتشويه الحقائق الراسخة التي يجسّدها تأكيد رئيس الجمهورية الدائم على التزامه اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً، وحري بالآخرين أن يحترموا هذا الاتفاق بكل مفاعيله، وليس اعتماد الانتقائية في مقاربته تبعاً لحساباتهم الشخصية ومصالحهم الذاتية ورهاناتهم الملتبسة».
وأشارت أوساط نيابية مقربة من العهد لـ «البناء» الى أن الرئيس عون يتوجه الى القوات اللبنانية بالدرجة الأولى التي تسعى الى سلب رئيس الجمهورية حصته المكرّسة في الدستور، لا سيما نائب رئيس مجلس الوزراء، وموجّهة أيضاً الى تيار المستقبل الذي يحاول سرقة صلاحية رئيس الجمهورية والى الاشتراكي الذي يتباكى صبحاً ومساء على اتفاق الطائف». واتهمت الأوساط الرئيس الحريري بالتماهي مع مطالب القوات والاشتراكي التعطيلية للاستفادة من الوقت لإحراج الرئيس عون وانتظار الضوء الأخضر السعودي بالتأليف، إضافة الى أنه يسعى لتخفيض حجم التيار وعون ليمسك العصا الحكومية من الوسط». واتهمت الأوساط المستقبل والقوات والاشتراكي بتطويق العهد وابتزازه بإيحاءات سعودية لاعتبار أن كل دقيقة بلا حكومة تذهب من عمر العهد»، إلا أن الأوساط أوضحت أنه و«إن كان لا يملك الرئيس الكثير من الأوراق للمواجهة لكنه لن يتنازل عن صلاحياته ولا عن حصته في الحكومة»، وتحدّثت عن «بوادر أزمة سياسية حادة بين بعبدا وبيت الوسط قد تؤخر ولادة الحكومة أشهر». وما يزيد الأمور تعقيداً وخطورة برأي الأوساط نفسها هو التزام الرئيس المكلف بالأجندة السعودية، لا سيما تعويم القوات والاشتراكي، ما يعني أن التسوية الرئاسية قد انتهت ويجب البحث عن تسوية سياسية جديدة غير معروفة معالمها وعناوينها أو توفير ظروف داخلية وإقليمية لإنعاش التسوية القائمة».
واعتبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن «أجواء تفاؤلية غير صحيحة اثيرت حكوميا لرمي المسؤولية على طرف»، قائلاً: «القاعدة عندنا لم تتغير والتوزيع يجب أن يتمّ بالنسبة والتناسب لتشكيل حكومة وحدة وطنية».
وتابع: «إذا أراد أحد ان يتنازل طوعاً، فهو حر، ولكن اذا كان هناك طرف لا يريد التنازل، لأن هناك اتفاقاً سياسياً لم يعد قائماً فلا أحد يستطيع أن يرغمه. وتكتلنا لديه 55 في المئة من الأصوات الشعبية ثم القوات 31 بالمئة فالكتائب 7 بالمئة والمردة 6 بالمئة ويجب احترام إرادة الناس».
وقال باسيل: «تكتّل «لبنان القوي» سيضع ورقة في ملف النزوح ويجول بها على المرجعيات والتيار سيدرس إمكان تشكيل لجان أهلية في المناطق للعمل مع النازحين لتشجيع عودتهم».
الحريري: أنا مَن أشكّل
وبرز كلام للرئيس المكلف سعد الحريري أشار فيه الى انه سيزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال اليومين المقبلين، موضحاً «أن سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يعني تعليق اتصالات تأليف الحكومة، لأنني باق على تواصل دائم معه». وردّاً على موقف النائب عبد الرحيم مراد عن أن من غير الجائز تجاهل تمثيل 40 من السنّة أكد الحريري «أنا الرئيس المكلف وأنا من أشكّل الحكومة». كما رد الحريري على تغريدة النائب جميل السيّد بالقول: «يروح يبلّط البحر». وكان السيد غرّد قائلاً: «سابقاً فشل جعجع باحتجاز الحريري بالسعودية لإسقاط الحكومة، واليوم نجح جعجع وجنبلاط بدعم سعودي باحتجازه في لبنان لعرقلة الحكومة، إلى متى الاحتجاز الثاني؟ الأغلبية معنا، ربما عريضة موقّعة من 65 نائباً عبر المجلس إلى رئيس الجمهورية ليسقط تكليف الحريري كأنه لم يكُن! والبُدَلاء كثيرون».
المستقبل – الكرة في ملعب عون
في المقابل أعادت كتلة المستقبل النيابية رمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، وفي بيان بعد اجتماعها الأسبوعي أكّدت كتلة المستقبل النيابية أن «مهمة تأليف الحكومة من المسؤوليات الدستورية المنوطة حصراً بالرئيس المكلف والمشاورات الجارية مع الكتل النيابية تقع ضمن هذه المسؤوليات». وأشارت الى أن «الكتلة تتطلع الى الدور المحوري للرئيس ميشال عون، في الخروج من دائرة الترقب والانتظار، والانطلاق مع الرئيس المكلّف نحو بلورة الصيغة النهائية لشكل الحكومة ومكوّناتها».
وأكد رئيس القوات سمير جعجع أن «مسألة تشكيل الحكومة ليست في هذه البساطة، باعتبار أننا في موضوع الحكومة لسنا في إطار مشكلة لا حلّ لها أو مشكلة سهلة جداً. نحن في منزلة بين هذه المنزلتين، ولبنان بلد تعدّدي وتشكيل الحكومة في لبنان يتطلب القليل من الوقت، وبتقديري بالتأليف ستشكل الحكومة بعد أسابيع قليلة لا أكثر».
الى ذلك دعا جعجع الى حل سريع لأزمة النازحين وقال: إنّ «هناك العديد من المناطق الآمنة في سورية وفي ظل تقاسم مناطق النفوذ يمكن لكل اللاجئين أن يجدوا منطق آمنة لهم حيث يستطيعون العيش بأمان وكرامة».
من ناحية أخرى علّق وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد لقائه الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا على قضية مرسوم التجنيس بالقول: «توصية الرئيس عون ان تبقى الأمور على حالها دستورياً الى حين صدور قرار مجلس الشورى خلال فترة قريبة. وهناك دراسة جدية للأسماء من قبل الأمن العام وشعبة المعلومات».
وأعلن قائد الجيش العماد جوزف عون من واشنطن أن الجيش شكّل شبكة أمان للبنان، على رغم كل التداعيات التي تحصل في المنطقة، وذلك عبر جهوده المتواصلة ونجاحه في دحر التنظيمات الإرهابية، خصوصاً على الحدود الشرقية وتضييق الخناق عليها. وأكد أنّ «مخابرات الجيش اللبناني ألقت القبض على جماعة إرهابية كانت موجودة في لبنان ثمّ توّجهت إلى ادلب في سورية وعادت إلى لبنان وذلك في غضون 24 ساعة فقط»، كاشفاً عن معلومات عن مخططات إرهابية كانت تهدف إلى إفشال الانتخابات النيابية لكنها «مرقت عا خير».