المونديال يقصف عمر «الزهر»
إبراهيم وزنه
لمن عجيب القدر أن يدفع الشاب اللبناني محمد زهر ابن الخمسة والعشرين ربيعاً عمره ثمناً لاحتفائه بفوز المنتخب البرازيلي على نظيره الصربي، لماذا؟ فقط لأن الغيارى من اللبنانيين «الألمان» الذين أغاظهم فرحه بخروج المانشافت وتأهّل راقصي السامبا لم يرق لهم مشهد الاحتفالية الصاخبة داخل المقهى الذي كان الشاب «شهيد التشجيع» يتابع فيه مجريات المباراة… جريمة موصوفة ومقزّزة دارت مجرياتها داخل حي شعبي في منطقة حي السلّم حيث الشرفات لا تخلو من أعلام البلدان المشاركة في العرس الكروي، وحيث غالبية الشباب موزّعة في ميولهم التشجيعية للمنتخبات الأوروبية واللاتينية، ولطالما كانت مجريات المباريات ونتائجها وأسماء النجوم محور الأحاديث… حادثة خارجة عن الأصول والمنطق عرّت مرتكبها من كل القيم والأخلاق والإنسانية. وربما لو يعلم ذاك المجرم بأن لاعبي المنتخب الألماني لم يتأثروا بتاتاً لخروجهم أذلاّء من المونديال، لا بل أمضوا بقية أيامهم في روسيا بين المسابح والمراقص والمطاعم غير مبالين بخروجهم ولا بخسارتهم أمام المنتخب الكوري، لطمر رأسه في الرمال ولأمضى عمره نادماً على ما ارتكبه في لحظة وحشية، وصدقاً لو عرفت المستشارة الألمانية ميركل بدوافع وأسباب جريمته لأمرت بسجنه مدى الحياة لأنه لا يستحق الحياة.
بالأمس قضى محمد زهر ضحيّة مجانين المونديال، فأبكانا على واقعنا وعلى انحدار مستوى الأخلاق في مجتمعنا… ويا للمفارقة الصعبة، حين تعود بنا الذاكرة أربع سنوات إلى الوراء، وتحديداً إلى مونديال 2014 في البرازيل، حيث اقتحم الشاب العشريني عبد الكريم حدرج بوابة الاستشهاد بملء إرادته مانعاً أحد التكفيريين من تفجير سيارته وسط مجموعة من الشباب أثناء متابعتهم مجريات إحدى المباريات عند تقاطع الطيونة. وشتّان بين قتل في الوقت الطائش وشهادة مباركة، وبين أسباب وأسباب، فـ «الزهر» قصفه التهوّر والجهل، وأما «حدرج» فدحرج بجسده سيارة الموت بعيداً عن عشرات الأبرياء.
يا لسخرية القدر، متى نرتقي؟ ومتى نعود إلى رشدنا الإنساني؟