هدنة لـ 12 ساعة في درعا وسط انشقاقات في الجماعات المسلحة حول قبول شروط الجيش تهدئة رئاسية والحريري يتراجع عن الـ 24 لصالح الـ 30 مجدّداً… وأسبوع للتشاور
كتب المحرّر السياسيّ
يتصدّر الوضع جنوب سورية واجهة الأحداث ويُسهم في صياغة التطورات الكبرى، بقدر ما بدا حاضراً في استحضار حدث القمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين التي حُسم موعدها في السادس عشر من الشهر المقبل في العاصمة الفنلندية هلسنكي، والتي سيكون أغلب وقتها مخصصاً للوضع في سورية، وبالمثل تبدو واشنطن مستعجلة لبلورة تصورات تتلاقى عليها مع القراءة الإسرائيلية التي لم تعد تكابر على الاعتراف بانتصار سوري حاسم وشيك، ولهذا التشاور الأميركي الإسرائيلي يصل رئيس الأركان في جيش الاحتلال غادي إيزنكوت إلى واشنطن، والعنوان الوحيد المتاح للفريقين الأميركي والإسرائيلي مقابل الانكفاء من خطة الحرب وتسهيل فرص الحلول، هو طرح مستقبل الوجود الإيراني ودور حزب الله على الطاولة، سعياً لنصر وهمي يعادل الهزيمة الفعلية، وهو ما كان موضوع ردّ مباشر من المندوب الروسي في نيويورك فاسيلي نيبينزيا بقوله إنّ الوجود الإيراني في سورية شرعي ولا يمكن إزالته.
ميدانياً، مع التقدّم السريع للجيش السوري نحو مدينة درعا بعد تحرير العديد من القرى والبلدات في محافظتي السويداء ودرعا وربط وحدات الجيش في المحافظتين وصولاً إلى مدينة الحراك المفصلية في جغرافيا الحرب، قالت مصادر فاعلة في الجماعات المسلحة إنّ هناك خلافات وانشقاقات في صفوف قادة الجماعات حول كيفية التعاطي مع سير المعارك، حيث لا يبدو أيّ أمل بالصمود طويلاً، ما استدعى تفعيل التواصل مع الجانب الروسي وصولاً لهدنة من اثنتي عشرة ساعة تبلغ بحصيلتها هذه الجماعات للمندوبين الروس في عمّان موقفها النهائي من الشروط التي يعرضها الجيش لوقف الهجوم وعلى رأسها تسليم المنطقة الجنوبية للجيش وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء ورحيل الباقين إلى الشمال.
لبنانياً، تبدو المهل المتلاحقة بانتظار الحكومة الجديدة على موعد مع تمديد جديد لأسبوع آخر، بعدما تراجع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري عن صيغة حكومية من أربعة وعشرين وزيراً رفضها رئيس الجمهورية ميشال عون، ليعود البحث إلى الصيغة الثلاثينية مجدّداً، بعدما أكدت مصادر مطلعة أنّ صيغة الأربعة والعشرين سُحبت من التداول، وليس صحيحاً أنها لم تكن مطروحة. وقالت المصادر إنّ تقدّماً قد تحقق لجهة موقف رئيس الحكومة بالتسليم بحق رئيس الجمهورية باختيار نائب رئيس الحكومة، بالإضافة إلى التوافق على تثبيت عُرف الحقائب السيادية، كما عبّرت عنها الحكومة السابقة، وحصر حصة القوات اللبنانية بأربعة وزراء، ما يعني أنّ الحلحلة في العقدة الرئيسية تتجه نحو التقدّم إذا نجح الحريري بإقناع القوات بما تفاهم عليه مع رئيس الجمهورية، ليتمّ الانتقال إلى البحث بالعقد الأخرى التي ترى المصادر أنّ المشاورات التي سبقت بروز عقدة تمثيل القوات بصورة معقدة، كانت قد أوحت بأنّ الوصول لحلول للعقد الأخرى بصورة معقولة يقبلها الجميع.
الحريري من بعبدا: التسوية قائمة
لم يحمل الرئيس المكلف سعد الحريري عرضاً جديداً أو مسودة ولا تصوراً منقحاً للتصور الأخير خلال زيارته بعبدا أمس، بل هدفت الزيارة الى إرساء التهدئة على محور بعبدا بيت الوسط الذي شهد سجالات حادة خلال الأيام القليلة الماضية هددت بنسف التسوية الرئاسية والتفاهمات السياسية القائمة.
وقد جاءت زيارة الحريري ولقاؤه رئيس الجمهورية ميشال عون بعد زيارة الوزير ملحم رياشي أمس الأول وامتصاص «القوات» الغضب العوني، ما يؤكد التماهي والتنسيق «القواتي» «المستقبلي» في العلاقة مع رئيس الجمهورية إن كان في الهجوم أو المهادنة.
زيارة الرئيس المكلف الى بعبدا خالي الوفاض يؤشر الى أن العقد باقية على حالها والمشاورات تدور في حلقة مفرغة، كما وأوحى تصريحه للإعلاميبن عقب اللقاء بأن المفاوضات عادت الى المربع الأول بعد معركة السجالات الأخيرة، لكن الزيارة تعدت التشاور في الملف الحكومي الى احتواء الحريري امتعاض بعبدا من المنابر الإعلامية والمواقف المستقبلية التي تستهدف الرئيس وتعمّد الحريري تأكيد التمسك بالتسوية الرئاسية الذي ذكرها في تصريحه مرات عدة.
وبحسب معلومات «البناء» فإن «الحديث خلال اللقاء تركز على تبديد الالتباسات التي حصلت خلال الاسبوع الماضي حول الصلاحيات الدستورية للرئيسين، وتمّ الاتفاق على أن التهدئة هي الشرط الأساس لتسهيل عملية تأليف الحكومة»، كما تطرّق النقاش الى حصة القوات اللبنانية وحصولها على حقيبة أساسية. وتحدّث الحريري عن العقدة الدرزية وضرورة أخذ نتائج الانتخابات بعين الاعتبار. أما في ما خصّ التمثيل السني من خارج تيار المستقبل، فأشارت مصادر «البناء» الى أن الحريري لا يزال على موقفه برفض هذا التمثيل، رغم أن رئيس الجمهورية بحسب ما قالت مصادره لـ «البناء» «كان وعد بأن تتمثل المعارضة في الحكومة الثلاثينية ويسعى الى ذلك رغم اعتراض الرئيس المكلف، لكن لم تتوضح الصيغة التي تحقق ذلك بانتظار الاتفاق على توزيع الحصص بين الرئيسين والقوى السياسية لا سيما القوات والاشتراكي وبعدها يُصار الى تذليل تمثيل السنة»، مؤكدة بأن «حصة الرئيس عون ثابتة أي 3 وزراء بمعزل عن الصيغة إن كانت حكومة ثلاثنية أو 24».
ولفتت مصادر الى أن الحريري طلب التواصل مع عون مباشرة من دون وسيط خلال عملية تشكيل الحكومة، فهل يقصد الحريري بالوسيط رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل؟ لا سيما أن الحريري رفض تحديد موعد للقاء باسيل في بيت الوسط السبت الماضي! مع الإشارة الى أن أيّ لقاء لم يعقد بين باسيل والحريري بعد عودة الأخير من زيارته الأخيرة الى السعودية.
وأفادت مصادر إعلامية بأن الحريري سيأخذ إجازة خاصة في الفترة المقبلة، ما يدعو للتساؤل هل أدرك الحريري أن اللحظة الإقليمية لولادة الحكومة لم تحِنْ بعد وأن لا ضوء أخضر سعودياً للتأليف، وبالتالي البقاء في لبنان واستمرار المراوحة سيكشف بأن العقد خارجية ما دفعه الى تمرير الوقت الضائع من خلال تدبير زيارة خاصة الى الخارج؟ وأي حكومة ستولد في ظل سفر الحريري المستجدّ ووجود رئيس المجلس النيابي نبيه بري خارج البلاد والصراع الشديد على الحصص الوزارية؟
وسط هذا الواقع أثار إصرار الحريري من بعبدا إشاعة أجواء التفاؤل بالوصول إلى ولادة حكومية قريبة الاستغراب، ولفت الى أن هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى عمل على نار هادئة على مستوى التشكيل الحكومي. وأضاف: «التسوية التي أجريناها سابقاً مع فخامة الرئيس لا زالت قائمة، ولا زلتُ على موقفي، بوجوب حماية التسوية مهما كان الثمن لأنها لمصلحة البلد. صحيح كانت هناك فترة سابقة شهدت بعض الاختلاف في الرأي داخل الحكومة، ولكن الجميع متفق على الاستقرار الاقتصادي والأمني، وهو الذي أسس لما نشهده اليوم من استقرار. لذلك، لا يحاول احد اللعب على وتر التسوية مع فخامة الرئيس لانه سيواجهنا معاً، والاتفاق مع فخامة الرئيس تام على كل الامور».
لكن مصادر مراقبة أشارت الى أن كلام الحريري ليس سوى هدنة مؤقتة ولا تلغي التباعد والاختلاف الحاصل بين الرئاستين حول الصلاحيات وحول من يمتلك زمام المبادرة والقرار في الحكومة التي سيكون عمرها طويلاً إن لم تسقط دستورياً»، مرجّحة «عودة السجالات في الجولة التفاوضية الجديدة».
إعادة 473 نازحاً إلى سورية
على صعيد آخر، سجّل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إنجازاً جديداً تمثل في إعادة الدفعة الاولى من النازحين السوريين الى عرسال، والتي تضمّ 473 نازحاً من أصل 3000 سجلوا أسماءهم، الى سورية، من ضمن اتفاق أشرف عليه ونفذه الامن العام اللبناني، بمواكبة أمنية من الجيش، على أن تبدأ عودة الدفعات المتبقية الاسبوع المقبل. ويأتي ذلك بعد الخطوات التي اتخذتها وزارة الخارجية اللبنانية بحق مفوضية شؤون النازحين التي عملت على تخويف النازحين من العودة. كما جاءت عقب زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الى لبنان الأسبوع الماضي والتي رفضت عودة النازحين إلا بعد توافر الظروف الآمنة.
وقد انطلقت صباح أمس عملية العودة، فحمل النازحون أمتعتهم وتوجّهوا بسياراتهم وبالحافلات الى معبر الزمراني السوري ومنه توزّعوا على قراهم في بلدات القلمون. وأكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري أن «عودة السوريين اليوم إلى بلادهم طوعيّة وليست قسريّة».
وأشار مصدر رسمي معني بملف العلاقات اللبنانية السورية لـ»البناء» إلى أن «نجاح إعادة دفعة من النازحين إلى سورية يُعدّ إشارة إيجابية من السلطات السورية بأنّها مستعدّة للتعاون مع السلطات اللبنانية في ملف النازحين إذ توفر قرار لدى الحكومة اللبنانية بذلك»، موضحاً بأن «الدولة السورية مستعدّة لتسوية أوضاع مَن يحتاج من النازحين وتأمين الضمانات والخدمات المطلوبة والمساعدات اللازمة لإعادة جميع النازحين في لبنان»، لكن ذلك بحسب المصدر «يحتاج الى قرار سياسي رسمي من الحكومة المقبلة للتواصل مع الحكومة السورية لوضع خطة كاملة شاملة وتنفيذها على مراحل متعدّدة».
ولفت المصدر الى أن «التواصل بين لبنان سورية لاعادة هذه الدفعة من النازحين اقتصر على اللواء عباس إبراهيم كمبعوث من رئيس الجمهورية مع موافقة ضمنية من الحكومة، لكن لا بدّ من توسيع هذا التعاون والتواصل ليكون على مستوى قرار سياسي من الحكومتين لوضع قطار العودة على السكة الصحيحة والسريعة».
ورد المصدر على اتهام الدولة السورية بأنها لا تريد عودة النازحين، بتأكيد أن «سورية لم ولا ولن تمنع أي نازح من العودة الى بلده ولا يحتاج ذلك الى ضمانات أمنية وقضائية، مذكراً بالتسويات والمصالحات التي أجرتها الدولة مع المجموعات المسلحة حيث عاد أهالي هؤلاء المسلحين الى بلدهم ولا يزالون حتى الآن يعيشون حياتهم الطبيعية».
واتهم المصدر جهات خارجية بتحريك مسألة عودة النازحين الى القصير والمطالبة بضمانات ومصالحات في بيروت لأهداف سياسية لعرقلة عودة النازحين وتخويفهم، مشيرة الى أن «الحكومة مستعدة لأقصى تعاون لحل هذا الملف لكن كيف يتم ذلك ووزير شؤون النازحين في لبنان يرفض التواصل مع سورية ويتعرّض للدولة السورية؟ مذكراً بأن مئات الآلاف من النازحين عادوا الى سورية من دول عدة وتكفلت الدولة بخطوات تسهيل عودتهم».
وفي سياق ذلك، أشار السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في حديث تلفزيوني، الى ان «النازحين السوريين لا يحتاجون الى وسيط، بل الدولة السورية هي الضمانة»، وقال: «أحيلكم الى مشهد الانتخابات السورية عام 2014 في السفارة السورية ، حيث كان المشهد أكبر من طاقتنا». واكد السفير علي ان «السوري الحقيقي المواطن بكل اتجاهاته يدرك أن الدولة السورية هي الضمانة، حتى الذين حملوا السلاح المصالحة أعادتهم الى قراهم».
وفي حين يُصرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال وفريقه السياسي على رفض أي شكل من التواصل السياسي والرسمي مع الحكومة السورية، يكرّر رئيس الجمهورية في لقاءاته مع المسؤولين الدوليين بأن هذا الملف سيكون على قائمة أولويات الحكومة الجديدة، ويؤكد بأن لا تنازل أو مساومة في هذا الأمر. ما ينذر بصراع محتدم في مجلس الوزراء الجديد بين الرئيسين.
وسأل النائب إبراهيم كنعان في تغريدة عبر «تويتر»: «غير الحقائب والوزارات، ما في اولويات الناس من الحكومة؟». وقال: «الانجاز، الانجاز، الانجاز، من النازحين، للنفايات، للكهرباء، لفرص العمل للشباب والسكن المرتبطة باقتصاد منتج ومالية شفافة، للمهجرين الذين يعودوا بعد منذ 36 سنة! فهل نستطيع أن نفصّل حكومة على هذا القياس؟».