الوزير المشنوق: خطتي الأمنية كانت مسكّنات
د. سمير صباغ
منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام تصرف الوزير نهاد المشنوق كرجل دولة ذي طموح، مدركاً أهمية دور وزارته الداخلية في الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، ودورها في مراعاة حساسية أطراف الأزمة، وتذليل الصعوبات التي تواجهه بتفهم وحسم. اعتمد الوزير المشنوق سياسة واقعية تجلت بالانفتاح على الجميع وهو الآتي من والمستمر في «14 آذار». اطمأن اللبنانيون لهذا الانفتاح ووجدوا فيه أملاً في وأد البؤر الأمنية المتفجرة، خصوصاً عندما أطلق خطة أمنية طرابلسية في مرحلتها الأولى وقال إنها ليست كسابقاتها من الخطط بل هي ستواجه كل المسلحين المخلين بالأمن كائناً من كانوا وكل من يقف وراءهم. فعلاً أوقف إطلاق النار في المدينة واعتقل قادة المحاور وأرسلهم إلى «أوتيل» 5 نجوم، كما يحلو للرئيس نبيه بري تسمية سجن رومية، حيث أودع قادة المحاور. وفعل كل ذلك تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأمنية أي البقاع.
صدّقه اللبنانيون وكذبوا ما قرأوه عن خلايا نائمة في طرابلس وعكار وعن نوايا مبيتة لدى الإرهابيين حول الوصول إلى البحر عن طريق عكار إلى أن فوجئوا به يقول عن الانفجار الكبير في الأسواق الطرابلسية الأخير إن المسكنات لم تعد تنفع، أي أن الخطة الأمنية التي قدمها لهم كانت من المسكنات.
جاءت أحداث أمس لتقضي على الخطة الأمنية وكل خطة لاحقة إذا اعتمدت المنطلقات والأساليب نفسها، كما قضت معها على طموحات وآمال أي وزير لا يأخذ في الاعتبار بُعد الأزمة اللبنانية وعمقها.
في مناسبتين ألقى الوزير المشنوق خطابين متناقضين. في الأول خاطب الإرهابيين التكفيريين الملتحين قائلاً لهم: إنكم لا تخيفوننا ولا تخيفنا لِحَاكُم، وفي الثاني بدا وكأنه يعبر عن معسكره حين انتقد أحد الأجهزة الأمنية لكونها تحابي فريقاً من الفريقين ثم بدا وكأنه يستبق استهداف الجيش لأنه يعلم أن أي سابقة من سوابق ضرب الجيش يبدأ بانتقاد المخابرات التي قامت في الأحداث الماضية بوأد ما يخطط للشمال وغمز من قناة حزب الله واتهمه بعدم التعاون مع الخطة الأمنية وبحماية عصابات السرقة والخطف واستتباب الأمن في مناطق دون غيرها فتنعم بالاستقرار والراحة. في هذا الخطاب استحضر مثال الصحوات العراقية من دون مبرر قائلاً: لا نريد استعادة تجربة العراق ولا نريد أن نكون على رأس الصحوات. لماذا توتير الأجواء في الوقت الذي يسعى الجميع إلى توطيد الاستقرار الذي تؤمنه المظلة الدولية؟ ولماذا أيضاً استحضار مثال الصحوات في العراق؟ علماً بأن الجيش في لبنان موجود ويقوم بواجبه في كل بؤرة أمنية بكل بسالة وضمن إمكانياته المتاحة بينما في العراق لجأ حكام العملية السياسية إلى الصحوات بسبب قرار بريمر حلْ الجيش العراقي. اللهم إلا إذا كان ذلك الرفض هو رفض بمفرض التأكيد.
لماذا هذان الخطابان المزدوجا الهدف؟ هل هو ارتداد لاستمرار الوضع الإقليمي بين الرياض وطهران، وامتداده إلى لبنان وتحديداً إلى توتير الأجواء الأمنية فيه؟ أم أن الأزمة اللبنانية وتداعيات أزمة المنطقة من اليمن إلى مصر والعراق وسورية وتشعباتها الإقليمية والدولية هي السبب وهي أكبر من خطط أمنية داخل قطر بعينه بحيث لم تعد تنفع فيها المسكنات المخدرة أم هي رد فعل على عملية الجيش الاستباقية في عاصون؟
أغلب الظن أن الأزمة كبيرة وأكبر من أن تحلها خطة أمنية، بل هي تتطلب حلاً جذرياً ليس متاحاً في ظل الجوار الملتهب وهي بالتأكيد أكبر من وزير مهما حسنت نواياه وانتفخ حجمه غير المتفلت من بيئة «14 آذار». يطالب البعض اليوم بخطة أمنية جديدة، فماذا لو وضعت وفقاً للمعطيات الحالية وتبين في ما بعد أنها عبارة عن مسكنات؟
كيف السبيل إلى استقرار ثابت. إن الاستقرار الثابت لا يكون إلا بالوفاق السياسي وأولى خطواته هو الكف عن ترداد الاسطوانة القديمة – الجديدة: من سحب سلاح المقاومة إلى رفض تدخله في الأزمة السورية ودعوته للانسحاب منها، ثم التعهد بعدم اللجوء إلى العنف لحل الخلافات السياسية التي لا تؤدي إلى المساس في الثوابت الوطنية.
والسؤال هو هل إن طرابلس اليوم هي أمام تسوية جديدة لأحداث استهدفت الجيش منذ أيام. توقفت المعارك فيها وفي الشمال. قسم من المسلحين اختفوا من دون أن يتم القضاء عليهم أو اعتقالهم. الجيش ينفي موافقته على تسوية فيما القوى السياسية لا تجاهر علناً في المطالبة بها. هي حتى الآن لا غطاء سياسياً أو عسكرياً لها، فهي أي التسوية ابنة غير شرعية وهي تبقى ابنة الأمر الواقع. فهل تحمل الأيام المقبلة هذا الأمر الواقع أم أن طرابلس ستكون موعودة بجولة عنف جديدة؟
رابطة العروبة والتقدم