يتمنُّون من دون أن يُصرُّوا

د. رائد المصري

بهدوء… فليست وحدها التمنِّيات هي التي تحمِي المقاومة ومشروعها الممتدّ على طول الإقليم وعرضه، بعد طول استهداف وتربُّص من الداخل قبل الخارج. وبعد طول عناء وتضحيات ثَبُتَ حضورها وقوتها وحاضنتها الشعبية في ترجمة عملية للانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان والعراق. فلندخل في صُلب الموضوع لبنانياً، بعد أن تآكل هذا البلد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وبنيوياً… فكيف السبيل للخروج الآمن من المخاطر؟ وهل تكون حماية المقاومة في لبنان عبر التمنِّيات والبلد على أبواب تشكيلة حكومية أم بالإصرار والمتابعة وطرح البدائل والأوراق السياسية؟

كلام سيِّد المقاومة وتأشيره الواضح الى ضرورة الالتزام بمعايير نتائج الانتخابات في تمثيل الأحجام والقوى السياسية وما أفرزته هذه الانتخابات، خصوصاً أن الكفَّة الراجحة كانت من حصَّة قوى 8 آذار والقوى السياسية المؤيِّدة للمقاومة، وأنَّ القوى السياسية التي تمثَّلت في الندوة البرلمانية من خارج العباءة الحريرية هي وازنة وتقف وراءها إرادة شعبية، وكان صلب التعبير عن رأي هذه الشرائح الشعبية هو الاقتراع في الصندوق الانتخابي من منظور سياسي ومن المنظور الوطني والقومي والعروبي الصادق النابذ لسياسة وثقافة الحريرية السياسية، والحامي دوماً لنهج المقاومة عبر تقدُّمه الصفّ الأول في المواجهات التي كانت تحاول التطاول والنيل من المقاومة تمهيداً لتصفيتها.

الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري يُدرك جيداً وكذلك إخوته ممَّن علَّموه السِّحر: ضرورة التريُّث في تشكيل الحكومة/ وتكبير الأحجام السياسية لبعض القوى والتماشي مع مطالبها التعجيزية القوات والاشتراكي / ويدرك جيداً كذلك أنَّ أيَّ تمثيل في الحكومة لقوى سنِّية فرَضَت حضورها على الساحة السياسية، معناه أن سياسة السَّطو والسَّلب على الوعي الجمعي التي انتهجها فريقه السياسي منذ عام 2005 الى اليوم لن تستمر. ويعلم كذلك بأنَّ التفرُّد أو الأحادية السياسية الحريرية قد سقطت وستكون من ضمن مجموعة تعدُّد قوى يلزمها التشارك مع الآخر وليس الاختصار والاستحواذ وتهميش باقي القوى السياسية. وهذا باعتقادنا هو لبُّ المشكلة في التعثُّر الحكومي الحالي ومحاولة التهرُّب والقفز إلى الأمام… وهي باتت مشكلة للحريري أكبر وأعمق من طروحات القوات وحجم تمثيلهم أو تحفُّظ الاشتراكي وتمسُّكه بثلاثة وزراء…

لبنان يعيش أخطر أزماته الاجتماعية والاقتصادية. وهو على حافة الهاوية، وستضيع معه كلُّ التضحيات التي حمتْه ومكّنتْه وثبَّتَت استقراره، فليس هناك من تمنِّيات في السياسة، بل إصرار وحضور وتثبيتٌ لوقائع ولنهج بات ضرورة ملحَّة لحماية البلد والناس من مخاطر التفلُّت الأمني ومن الفساد والمحسوبيات، ومن ضرورة لضبط الهدر والإنفاق. وهي شعارات شكَّلت العنوان العريض لمشروع أطلقه سيد المقاومة، لكنَّه صعب التحقُّق إذا لم تتم التشاركية بقرارات السلطة التنفيذية بحضور وازن لمختلف القوى السياسية لضبط الإيقاع الحكومي ومنع الشَّطط والانفلاش في القرارات المصيرية وفي مقدرات البلد. وهي سياسة حريرية طالما استمرَأَتْها واستساغتها وأحبَّتها منذ عام 1992. وأوْصَلت بعض الحكَّام من الإقطاعات السياسية الى حال من البَطَر والتَرَفِ والاسترخاء والسادية وعدم تحمُّل مسؤولية شعب أكَلَتْه ديون المؤسسات الدولية وأهلَكَه تجَّار الموت والفساد ونحرتْه أيادي التكفير وكبَّلته نتائج ثورات المحيط العربي، ووضعتْه أسيراً بين جدران الطائفية والمذهبية يُقتات على فُتات الرُّيوع لأمراء الإقطاع المحمَّلين بالمحافظ المالية الآتية من الخليج، والراهنة كلَّ مقدرات البلد ومستقبل أبنائه لتغيير وهْمِيٍ سيكون في الإقليم علَّه يحقِّق بعض المكتسبات من دون أن يُعير أيَّ اهتمام لمعاناة الشعوب وأوجاعها…

نعم، فليس بالحريرية السياسية وحدَها يحيا اللبناني، وليس بالتمنِّي والعَتب والمَوْنة نقدر على حماية المقاومة، لأنَّها بالأصل مشروع مستهدَفٌ من الخارج بالأدوات الداخلية. وهذه الأدوات الداخلية لم تُنْتَزعْ أنيابها وأظافرها ولم تتروَّض، بل ما زالت تراهن على المشاريع الخارجية وبعد أنِ انتهت من العدَّة التكفيرية في محاولة إسقاط سورية، تتَّجه لتبْنِي على قرارات ترامب بحقِّ المقاومة ومعه السعودية، وعلى السقوط الإيراني من الداخل وعلى تعويم السوق العالمي بالنفط لضرب اقتصادات الدول الممانعة للمشروع الأميركي الاستعماري… فلا يمكن لك في أي لحظة أن تعطي ظهرك للذئب فهو غدار وماكر سينقضُّ عليك في كلِّ لحظة تغمض فيها عينيك… فهل يشكِّل حزب القوات في لبنان مثالاً على ذلك؟..

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى