«جاكوبين»: أردوغان لم يفز بعد… ستّ ملاحظات على انتخابات تركيا الأخيرة

صبري هلال

نشرت مجلة «جاكوبين» الأميركية تقريراً تضمن ستَّ نقاط يمكن استخلاصها بشأن الانتخابات التركية، ويقول معدو التقرير الثلاثة في مقدمة تقريرهم: انتهت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي أُجريت يوم الأحد الماضي بما بدا انتصاراً مدوياً للرئيس رجب طيب أردوغان، الزعيم المتزايد استبداده. بينما بدا في بعض الأحيان أن المعارضة لديها فرصة كبيرة، إلا أن أردوغان فاز من الجولة الأولى، وحصل «تحالف الشعب»، الذي يضم حزب العدالة والتنمية الذي يتبعه أردوغان وحزب الحركة القومية الفاشي، على غالبية مقاعد البرلمان.

وفقاً للنتائج الأولية، فإن أردوغان حصل على نسبة 52.6 في المئة من الأصوات، في حين حصل منافسه محرم إينجه المرشح عن حزب الشعب الجمهوري على 30.6 في المئة فقط. وفي الانتخابات البرلمانية،حصل تحالف الشعب على 53.7 في المئة، بينما حصل تحالف الأمة، المكون من «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب الخير» القومي و«حزب السعادة» المحافظ، على 33.9 في المئة. وسوف يحصل تحالف الشعب على 344 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان، وهي الأغلبية المطلقة، في حين أن تحالف الأمة سيحصل على 189 مقعداً فقط. وقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي وهو حزب يساري موالٍ للأكراد على 11.6 في المئة من الأصوات وسيحصل على 67 مقعداً في البرلمان.

كل هذه مجرد أرقام مجردة، لكن ماذا تعني؟ إليك ست نقاط يمكن استخلاصها بشأن الانتخابات التركية كما يلي:

1. الانتخابات كانت غير شرعية

قبلت جميع الأحزاب والمرشحين الرئاسيين النتائج، وعلى الرغم من انتقاد المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري والمتحدث باسمه الجداول المبكرة ووصفها بأنها غير دقيقة إلى حد كبير، إلا أنه تراجع تماماً بعد ساعات.

بصرف النظر عن ذلك، كانت هناك العديد من المخالفات في يوم الانتخابات. على سبيل المثال، في مقاطعة أورفة الكردية، تم إبعاد مراقبي الأحزاب المعارضة عُنوةً عن أماكن الاقتراع، وتم القبض على أشخاص يحاولون تهريب آلاف الأصوات. تركزت معظم المخالفات المبلغ عنها في يوم الانتخابات في المحافظات الكردية، حيث تواجد عدد قليل من المراقبين الدوليين، وتم طرد العديد من المراقبين المحليين.

ولا تزال تركيا تخضع لحالة الطوارئ التي فرضها أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في تموز 2016، وقد خاض أردوغان وحزب العدالة والتنمية حرباً ضد الأصوات المعارضة باسم محاربة مؤيدي الانقلاب، فسجن عشرات الآلاف من السياسيين والناشطين، ويقوم بالسيطرة على السلطة القضائية تدريجياً، ويفرض سيطرة شبه كاملة على وسائل الإعلام المركزية. نتيجة لذلك، لم تحصل الأحزاب والمرشحون الرئاسيون المعارضون من اليمينيين إلى اليساريين على أي تغطية إعلامية في الفترة التي تسبق الانتخابات.

وأوضح التقرير أن السبب الأكثر وضوحاً وأهم بكثير من أي مخالفات فردية، هو عدم شرعية الانتخابات نفسها، لانعقادها في ظل حالة طوارئ، وسط قمع ضخم للمعارضة، واستخدام جميع وسائل أجهزة الدولة لضمان انتصار كتلة أردوغان.

2. أصبح حزب الحركة القومية الفاشي لاعباً مركزياً

أشار التقرير إلى أن الفائز بشكل واضح في الانتخابات هي الكتلة القومية السنية التركية المكونة من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الخير. على الرغم من أن حزب الخير يضع نفسه كقوة معارِضة في المناخ الحالي، إلا أنه لا يختلف بشكل كبير عن الاثنين الآخرين من حيث مشروعه ورؤيته السياسية. بلغ إجمالي ما حصلت عليه هذه الكتلة من أصوات 64 في المئة، ويجب فهم هذا النجاح في سياق التعبئة الوطنية المفرطة الدائمة، وكذلك رواية الحرب ضد الإرهاب بشكل عام، وضد الأكراد بشكل خاص.

وأكد التقرير على ضرورة النظر في أرقام حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بشيء من التفصيل، فبينما يبدو أردوغان فائزاً، يدرك هو نفسه أن حزبه تلقّى بعض الضربات القوية، ولا يبدو سعيداً بالنتائج.

انخفض عدد الأصوات التي فاز بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة بحوالي مليوني صوت عن انتخابات تشرين الثاني 2015، أي بنسبة 7 في المئة. وقد فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على المقاعد الـ301 اللازمة لضمان أغلبية برلمانية، لكنه حصل عليها فقط بمساعدة حزب الحركة القومية، مما يضمن تعزيز دوره في البرلمان.

حصل حزب الحركة القومية على نحو 11 في المئة من الأصوات دون إطلاق حملة دعاية شعبية قبل الانتخابات، إذ عقد زعيم الحزب دولت بهجلي ما مجموعه لا يتخطى ثلاثة تجمعات مقارنة بـ107 تجمعات لمحرم إينجه. استطاع الحزب الحصول على زيادات كبيرة في التصويت، معظمها في مناطق الأكراد. إذا كان هناك احتيال كبير، فمن المرجح أنه كان في صالح حزب الحركة القومية في المناطق الكردية، بحسب ما ذكره التقرير.

يدرك حزب الحركة القومية موقفه تماماً، فقد أعلن بهجلي بعد الانتخابات أن حزبه أصبح حزباً رئيسياً في البرلمان، وسوف يتمكن حزب الحركة القومية من فرض نفسه بصورة أكثر ثقة، خصوصاً فيما يتعلق بالشأن الكردي.

3. حزب الشعب الجمهوري ينقسم

كان حزب الشعب الجمهوري ومرشحه الرئاسي محرم إينجه واثقين إلى حد كبير من تمكنهم على الأقل من دفع الانتخابات إلى جولة ثانية. لكن النتائج تشير إلى ولادة أزمة جديدة داخل الحزب، الذي انخفضت أصواته بنسبة 3 في المئة مقارنة بانتخابات تشرين الثاني 2015، وهي نتيجة مُحبطة للغاية لمناصري الحزب.

أعلن إينجه، الذي أصبح أول مرشح رئاسي من حزب الشعب الجمهوري يحصل على أكثر من 30 في المئة من الأصوات منذ عام 1977، أنه إما سيسعى لتولي رئاسة الحزب، أو تشكيل فريق جديد والبدء فوراً في التحضير للانتخابات القادمة.

على عكس ما فعله إينجه، لم يقم رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بتهنئة أردوغان. جدير بالذكر أن كيليتشدار أوغلو ما زال يرفض الاستقالة، على الرغم من مروره بتسعة انتخابات أثناء رئاسته للحزب وانتهت جميعها بنتائج مخيبة لأنصار الحزب. على الجانب الآخر، أعلن إينجه قيامه بجولة في البلاد، وعقد اجتماعات في جميع المحافظات لشكر الناس على دعمه، وهو من المفترض أن يكون مهمة رئيس الحزب. لذلك، يبدو أن أزمة تؤدي إلى انقسام الحزب باتت وشيكة.

4. حزب الشعوب الديمقراطي يتحدى الصعاب

على الرغم من القمع، وعلى الرغم من نفي وحبس العديد من الكوادر السياسية بما فيهم زعيم الحزب ومرشحه الرئاسي صلاح الدين دميرتاش، وعلى الرغم من العنف والتهديدات في يوم الانتخابات بالأخص في المناطق الكردية، استطاع الحزب اجتياز حاجز الـ10 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية. ويعد هذا مؤشراً واضحاً على أن تواجد حزب قوي مؤيد للأكراد أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها في السياسة التركية.

أشار التقرير إلى أن حركة التحرر الكردية على وجه الخصوص تعد واحدة من أهم محاور المقاومة للوضع الراهن في تركيا.

5. الوضع ليس سيئاً تماماً بالنسبة للمعارضة

لا تزال القوى التي اندلعت من احتجاجات منتزه غيزي في 2013، والمتمثلة في منطقة كردية متمتعة بالحكم الذاتي في شمال سورية، تخيف أردوغان وحزب العدالة والتنمية أكثر من محاولات الانقلاب، باتت هذه المحركات الشعبية التي تعارض الدولة عاملاً ثابتاً في السياسة التركية منذ 2013.

بالنسبة للحركات الشعبية، على الرغم من أن نتائج الانتخابات محبطة إلى حد ما، إلا أنها لا تمثل خيبة أمل تماماً، بحسب التقرير. ففي حين أرادت الحركات الشعبية رؤية أردوغان يخسر الانتخابات، إلا أن الحملة الانتخابية للحركات الشعبية تُعدّ إيجابية، وتُعطي بعض الأمل في المستقبل.

6. أردوغان لم يفز بعد

على الرغم من كل شيء، تشير انتخابات يوم الأحد الماضي إلى أن النظام السياسي والاجتماعي في تركيا في مأزق إلى حد ما. على الرغم من ميل ميزان القوى إلى تحالف الشعب، وتعزيز النظام الرئاسي الديكتاتوري، إلا أنه لم يكن انتصاراً حاسماً، فلا يزال جزء كبير من البلاد ضد الكتلة الحاكمة، مثلما كانوا منذ عام 2013.

حتى لو ظل تحالف الشعب مهيمناً، فالأمر ليس كما لو أن أردوغان يتحكم في كل شيء، أو أن الجميع ينحني له. يجب كذلك أن نتوقع احتمالية حدوث صراع داخل تحالف الشعب، خصوصاً مع أداء حزب الحركة القومية بشكل فاق جميع التوقعات، ما لم يكن هناك اتفاق على تزوير مُنظم في الانتخابات لصالح حزب الحركة القومية. هذا الصراع على السلطة قد يهدد قوة حزب العدالة والتنمية، إذا ما اندلع وسط أزمة، وبالفعل هناك أزمة اقتصادية وشيكة.

أكد التقرير أن عمق هذه الأزمة، وكيفية إدارتها، وموقف المعارضة، سيحددون ما إذا كان أردوغان قادراً على تثبيت حكمه الاستبدادي، أم أن المزيد من التشققات ستتشكل.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى