الاستراتيجية الأميركية بين الإقدام والإحجام لإعادة تسليح الإرهاب في سورية أو مضاعفته
د. سليم حربا
لم يكن تصريح المسؤولين الأميركيين الأخير لوكالة «رويترز» جديداً أو مفاجئاً حول سعي أميركا إلى زيادة وإعادة تسليح الجماعات الإرهابية في الداخل السوري ورفدها بأفواج جديدة من المرتزقة المدرّبين أميركياً وفرنسياً و»إسرائيلياً» في شمال الأردن والسعودية وقطر، فأميركا هي الراعي الرسمي وضابط إيقاع العدوان، وهي التي توزّع الأدوار والمهمّات وتبّدل الأدوات والأنساق، ولم يدخل سلاح أو عتاد أو مرتزقة من أي دولة من دون ضوء أخضر أميركي بل إن اليد الأميركية هي التي سلّمت السلاح الفتاك إلى الإرهابيين، تارة بقفازات قطرية وأخرى بقفازات سعودية أو تركية أو «إسرائيلة» أو غيرها، وما نسمعه لا يضيف إلى الحقيقة الصارخة جديداً، فوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كلينتون هي التي أمرت المسلحين في مطلع عام 2012 بعدم إلقاء أسلحتهم، والمرشد العام للعصابات الإرهابية في سورية روبرت فورد هو الذي اعتبر أن مسلحي الغوطة الشرقية وإرهابيّيها هم مشروعه وهو الذي برر هزيمتهم وإخفاقهم في ما سمي سابقاً «ملحمة دمشق الكبرى» وقال لا يعني أنها آخر المعارك. وأميركا هي من رفعت شعار تغيير موازين القوى في الداخل السوري وكادت أن تنفذ عدوانها بالبوارج لتحقيق هذا الهدف، وأميركا هي التي نصبت الباتريوت في تركيا والأردن، وهي التي انقلبت على الحل السياسي في مباحثات جنيف2 وجولته الثانية وخرجت بنغمة إعادة تسليح العصابات الإرهابية والتهديد بفتح الجبهة الجنوبية، وبدأت رحلات طيرانها المحمّلة بالأسلحة والذخائر تحط في مطارات الأردن، وما الفضائح التي كشفتها حقائق مستودعات الأسلحة والذخيرة الأميركية التي سيطرت عليها «الجبهة الإسلامية» و»جبهة النصرة» عندما دقت المسمار الأخير في نعش ما يسمى «الجيش الحر» في شمال إدلب وتحديداً في بلدة إطمة إلاّ غيض من فيض الأسلحة الأميركية التي وصلت إلى أيدي العصابات الإرهابية. لكن السؤال الاستفهامي التعجبي: لماذا تعيد أميركا الآن إنتاج هذا السيناريو الذي يتراوح إقداماً أو إحجاماً أو زيادة أو إعادة أو تهديداً أو تلويحاً أو واقعاً الآن؟
أولاً: لماذا تلّوح أميركا وتلمح وتصرح الآن بزيادة تسليح الجماعات الإرهابية؟
يرد هذا التصريح ـ التهديد الآن في سياقه الزمني ومناخاته السورية والإقليمية والدولية وفق الآتي:
بعد إنجازات الميدان الاستراتيجية في القلمون والتي ظهّرت الانتصار الاستراتيجي في الميدان العسكري السوري وظهّرت الهزيمة الاستراتيجية لمشروع العدوان والإرهاب، بدا أن تغيّر موازين القوى في الميدان السوري بات يحتاج إلى معجزات لا تنتمي إلى هذا الزمان.
فشل العدوان الأردوغاني الإرهابي في شمال اللاذقية، وتحديداً في كسب، في تحقيق أهدافه بعد نجاح القوات المدافعة للجيش العربي السوري باحتواء الهجوم وإيقاع نكبة بشرية وعملياتية وقيادية بمجاميع الإرهاب التي دخلت وكبدتها حتى الآن أكثر من 2500 قتيل وضعف ذلك من المصابين. وبدأت قوات الجيش العربي السوري الدافعة تسيطر وتحرّر وتطهر وتملك زمام المبادرة النارية والقتالية والتكتيكية والاستراتيجية، بدءاً من السيطرة على التلة 45 الاستراتيجية وتوجيه رسائل ساخنة في البر والجو والبحر من سورية. وبالسخونة كانت الرسائل الإيرانية والروسية والتي لجمت حكومة أردوغان عن التوغّل في عدوانها.
فشل العدوان «الإسرائيلي» على محيط القنيطرة بتغيير قواعد الاشتباك وعجزه عن إقامة حلمه بإقامة ما يسمى «الجدار الطيب» نتيجة عمليات الجيش العربي السوري الناجحة في ريف القنيطرة ودرعا.
التقدم النوعي للجيش العربي السوري الذي أوشك على السيطرة على كامل مدينة حلب في عمليته المفتوحة والتي تتقدم بوتائر عالية وهادفة.
عدم قدرة أطراف العدوان والإرهاب على تغيير أولويات الجيش العربي السوري أو تشتيت جهوده وبدء العملية الأهم في الغوطة الشرقية لتحطيم أخطر مجاميع الإرهاب على الجغرافيا السورية كمّاً ونوعاً وزعامةً وسلاحاً وموقعاً، فضلاً النجاح الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري في اتجاه المليحة وجوبر خلال الساعات الأولى لبدء العملية والتي أعطت مؤشرات وإشارات إنذار حمراء بأن رحلة الانهيار لمجاميع الغوطة الشرقية الإرهابية بدأت، وبنجاح عملية الجيش السوري في تنظيف الجوف الوطني من دمشق ومحيطها إلي شمال حماه وإدلب وحلب والساحل أقلعت ولن تتوقف.
المصالحات الوطنية التي بدأت تحاصر مجاميع الإرهاب كعمليات الجيش العربي السوري وحالة الوعي والإصرار الشعبي التي تحوّل فيها كل مواطن سوري إلى مقاتل.
قوة الدولة السورية بعد ثلاث سنوات من المواجهة والصمود والانتصار وما زالت الدولة السورية قوية بجيشها وشعبها وقيادتها ودولة مؤسسات وقانون وأمن وإنجازات عسكرية ودولة دستور واستحقاقات قائمة وقادمة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي الذي يقول بكل مؤشراته الواثقة والمطمئنة إن الرئيس الأسد مثلما قاد مرحلة المواجهة والانتصار سيقود مرحلة إعادة البناء والأعمار على قاعدة الثوابت الوطنية والهوية والواقع والموقع والخيار السوري في محور المقاومة والمواجهة مع العدو الصهيوني.
تفكيك حلف العدوان وتساقط أدواته وأطرافه من مجلس التباين والتآمر الخليجي إلى تداعي مشروع «الإخوان» الوهابي إلى تشتت وتشرذم وتعرّي مجلس اسطنبول وائتلافه في بازارات الخيانة.
تقدم مفاوضات إيران مع الدول الست والذي يسير بما لا تشتهيه أميركا ورياح الحقد والتآمر الصهيوني السعودي.
قوة الموقف الروسي في أوكرانيا والذي أصاب أميركا وحلف العدوان بالسكتة السياسية والأمنية والعسكرية، والذي يدل على أن القادم أعظم في سورية.
ولأنهم، أي أطراف العدوان، فقدوا الميدان والأرض انتقلوا الى الفضاء الإعلامي والسياسي ولغة التهديد والتلويح والتصريح.
ثانيا: ما هي أهداف التهديد الأميركي بالتسليح؟
أهداف التصريح الأميركي بزيادة تسليح الإرهاب في سورية ترمي إلى تحقيق عدة أهداف متوخاة أميركياً أهمها:
1- إنهاء مسرحية الحرد السعودي وبيعها وهماً جديداً وسلاحاً جديداً وإعطاؤها جرعة أوكسجين ومهلة جديدة علّها تزيد في عمر حكام بني سعود الذين يعيشون على «المنفسة».
2- الإبقاء على شعرة معاوية زيادة التسليح لأنها القاسم المشترك الباقي الذي يجمع الأطراف الإقليمية المعادية لسورية والمتباينة في كل شيء عدا هدف إسقاط الدولة السورية الوهميّ وتغيير موازين القوى.
3- محاولة وقف الانهيار المادي والنفسي والمعنوي لمجاميع الإرهاب في الداخل السوري خاصة في الغوطة الشرقية، على قاعدة الوهم بأن المدد قادم.
4- وقف الانهيار والتداعي في هيكل ائتلاف الدوحة الكرتوني والإبقاء عليه ولو هيكلاً وشكلاً على قاعدة أن السلاح قاد.
5- محاولة البحث، الوقت الضائع، عن سراب أميركي اسمه المعارضة المعتدلة التي لم ولن تجدها في الداخل السوري، لأن «جبهة النصرة» و»داعش» ومفرداتها من تنظيم «القاعدة» هي التي هيمنت فكرياً ومادياً على جميع المكوّنات الارهابية المتبقية وتدرك أميركا أن هذا الإرهاب لم ولن يطلق طلقة واحدة في اتجاه «الإسرائيلي».
6- الهلع الأميركي من الهجرة المعاكسة للإرهاب الى أميركا وأوروبا والعمل على إبقاء من تبقى منهم في سورية ودعمه لعدم عودته، والقرار الأميركي بوضع وزير الإرهاب الكويتي على قائمة الإرهاب بدعم الإرهابيين في سورية تؤكد ذلك.
7- محاولة الضغط على الدولة السورية وإيقاف ماكينة إنجازاتها العسكرية وإعاقة استحقاقاتها الدستورية والوطنية.
8- محاولة التحصيل بأوراق تهديد إعلامية وسياسية يمكن استثمارها في مباحثات جنيف3 في حال عقدها، لأنها لم ولن تستطع الرسملة في الميدان العسكر.
9- محاولة التأثير في الموقف الإيراني وقوته وصلابته في المفاوضات مع الدول الست ومحاولة ربط وتيرة تقدمه بالضغط على سورية.
10- توجيه رسائل إلى روسيا لمقايضة العجز الأميركي أمام موقف روسيا في القرم بتنازلات أو مرونة روسية تجاه سورية.
11- قد تكون إشارات أميركية لسورية للقاء المباشر الأميركي ـ السوري وتجاوز الأدوات الإقليمية وحتى المعارضة الخارجية.
12- إشاعة جو من التضليل والتهويل والغمام لتصفية القضية الفلسطينية وإمرار مشروع الإطار الذي طرحه كيري باتفاق أميركي ـ سعودي بزيادة التسليح مقابل دور سعودي للضغط على السلطة الفلسطينية وإمرار الاتفاق.
أخيراً:
يقودنا منطق التحليل والواقع إلى القول إن السلاح الأميركي لم يتوقف مباشرة أو بالوكالة منذ بدء العدوان على سورية لجيش من الإرهابيين، ولم تستطع أميركا وحلف العدوان انتزاع زمام المبادرة من الدولة السورية والجيش العربي السوري، ولذلك، لو بقي هذا التصريح في إطاره الإعلامي والسياسي أو أخذ طريقه إلى الواقع فإنه لن يغير موازين القوى، لا سيماأن الجيش العربي السوري يتحسب لأسوأ الاحتمالات على أنواعها، وبعد ثلاث سنوات من الإنجاز والإعجاز السوري لا نعتقد أن هناك ما يمكن أن يفاجئنا لا في الميدان ولا في السياسة، خاصةأن مواطن القوة الذاتية السورية الشعبية والرسمية والعسكرية وفائض القوة النارية والبشرية، التي لم يُطلق العنان لكثير منها، ومواطن القوة الموضوعية في حلفنا وتحالفاتنا المبدئية والثابتة، من المقاومة البطلة إلى إيران وروسيا والصين، وما بعد بعد ذلك… ذلك كله يقول بمؤشراته ومبشّراته إن الأمور حُسمت وما تبقى تفاصيل، وأقوالهم وأفعالهم وتهديداتهم هي مجرّد محاولات بائسة ويائسة وفي الوقت الضائع.