أردوغان أمام تحدّي التعامل مع حليفه!
يارا بليبل
مع بدء سريان النظام الرئاسي في الجمهورية التركية، بُعيْد الانتخابات المزدوجة، رئاسياً ونيابياً، التي شهدتها البلاد في الرابع والعشرين من الشهر الماضي. والتي احتلت حيزاً خاصاً من الاهتمام لجهة اكتمال عملية الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، الآتي إثر تصويت الأتراك لصالح تعديلات دستورية جذرية في ربيع 2017، ولجهة حظوظ رجب طيب أردوغان في الحفاظ على منصبه، وحكمه البلاد هذه المرة رئيساً كامل الصلاحيات لخمس سنوات مقبلة.
وشكّلت عودة حزب العدالة والتنمية بمؤازرة حليفه حزب الحركة القومية، إلى المجلس النيابي بأغلبية 53.7 من أصوات المقترعين نصراً انتخابياً من المنظور الحسابي البحت. الأمر الذي لا يسدل الستار حول حقيقة تراجع التمثيل الشعبي لحزب أردوغان في الاستحقاق الأخير البالغ 42.6 مقارنةً مع الانتخابات البرلمانية لعام 2015، حيث حصل الحزب على 49.5 من الأصوات.
إنّ تجديد البيعة لأردوغان رئاسياً ولـ «تحالف الشعب» نيابياً في الانتخابات الأخيرة، أرخى نوعاً من الاستقرار السّياسي والاقتصادي من دون أدنى شك. إلا أنّ تساؤلات تطرح حول أمد هذا التحالف وإمكانية الوئام بين الطرفين، بالنظر إلى التمايز الفكري والسياسي المتمثل بالنظرة الإقصائية للمسألة الكردية في البلاد من جهة حزب الحركة القومية، واحتمالية نزوعه نحو الضغط لاعتماد العسكرة داخلياً واستبعاد الحل السياسي للقضية.
ومن الجدير ذكره، حالة ارتفاع منسوب التأييد الشعبي للتوجّه اليميني في تركيا، المتمثل بحزب الحركة القومية برئاسة دولة بهتشلي وحزب الجيد الوليد برئاسة ميرال أكشينار المنشقة عن صفوف الحركة القومية، حيث حصد اليمين القومي مجتمعاً على ما يقارب 21 من مجموع الأصوات في الانتخابات البرلمانية.
لا يمكن قراءة هذا الرقم بما يحمله من دلالات داخلية بمنأى عن السياسة الخارجية التي انتهجها الحزب الحاكم، على الأقل بُعيد استيلاء قوات سورية الديمقراطية بطابعها الكردي على مساحة واسعة من الحدود مع تركيا، ما دفع أردوغان لإجراء تفاهمات سياسية مع الأطراف الفاعلة دولياً في الأزمة بهدف نيله غطاء سياسياً وعسكرياً لتحركاته العسكرية في سورية، فكانت عملية درع الفرات في آب 2016 وعملية غصن الزيتون في الشهر الأول من العام 2018. وما فاقم من حجم التوتر الداخلي، تجلّى مع الكشف عن تلقي التنظيمات الكردية دعماً عسكرياً ولوجستياً من واشنطن، الأمر الذي عكس لا مبالاة أميركية، على أقل تقدير، إزاء مخاوف الحليف التركي من تمدد كردي يطال حدودها وما يتبعه من إحياء آمال الأكراد بمشروع الدولة.
من الواضح أنّ محاولات استثمار أردوغان لمفاعيل العملية العسكرية في عفرين انتخابياً، لم تأتِ بكامل ثمارها في محصوله السّياسي، بل عكست تطرفاً لدى شريحة واسعة من الشعب لجهة دعم الأحزاب القومية، آخذين بعين الاعتبار تقاطعها الفكري والايديولوجي بعيداً عن التحالفات الانتخابية الآنية والقابلة للتغيير مع بدء الممارسة السياسية.
على المقلب الآخر، خاضت الأحزاب التركية المعارضة «المحدلة» الانتخابية مشتتة القوى، ما انعكس سلباً في التمثيل، وأُخذ على المعارضة رفضها التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي برئاسة السجين صلاح الدين ديمرتاش، حيث شارك الحزب منفرداً في المنافسة متخطياً العتبة الانتخابية اللازمة للتمثيل بحصده 11.7 من الأصوات، ما يعني حصوله على كتلة وازنة نيابياً 67 مقعداً من أصل 600.
تعدّ هذه خطوة مهمة لناحية حضور هذا الحزب تحت سقف مجلس النواب التركي، وعدم إهدار أصوات الأكراد الأتراك وتركها خارج اللعبة السياسية في البلاد. لكن، لا يُعرف كيف سيستغلّ حزب الشعوب الديمقراطي هذه الفرصة الجديدة للمشاركة في الحياة السياسية التركية من داخل قبة البرلمان، علماً أنه انتهج خطاً متشدّداً في مشاركته البرلمانية السّابقة بدعوته إلى العصيان المدني ودعمه خيارات حزب العمال الكردستاني.
بالإضافة إلى ما ورد، من المهم الإضاءة على بعض مواطن الضعف التي وسمت تجربة المعارضة التركية في الانتخابات:
أولاً، عجز الأحزاب المكوّنة لـ «تحالف الأمة» في تقديم برنامج اقتصادي وسياسي بديل، حيث بدت الخطابات تستهدف شخص الرئيس وليس سياسة الحزب الحاكم منذ العام 2002 بما اعتلتها من ثغرات وإخفاقات.
ثانياً، تشرذم المعارضة وعدم قدرتها على الالتفاف حول مرشح رئاسي واحد بمواجهة رجب طيب أردوغان المدعوم من حليفه بهتشلي الذي جيّر له أصوات مناصريه رئاسياً، الأمر الذي لعب دوراً مركزياً في حسم المعركة الرئاسية من الدورة الأولى.
مما لا شك فيه، إنّ فوز أردوغان وحليفه بهتشلي في الرهان السياسي، لم يكن صكّاً على بياض، ومع المقبل من الأيام، ستتضح حالة التأثر والتأثير بين الحليفين على الصعيدين الخارجي والداخلي. إنّ كان لناحية قدرة بهتشلي على تحجيم التعاون الروسي – التركي المستجدّ، انسجاماً مع شعار الحركة القومية الدّاعي إلى التضافر مع أتراك تركيا في الخارج، وما مارسته روسيا تاريخياً من هيمنة على المجتمعات التركية الكبيرة، الأمر الذي يدفع بقادة الحركة القومية للضغط نحو سياسة متشددة مع روسيا.
دون التغافل، عن النزعة القومية لعسكرة القضية الكردية ومدى احتمالية تأثيرها على اتفاق منبج الموقع مع واشنطن القاضي بانسحاب وحدات الحماية الكردية إلى شرق الفرات.