قالت له
قالت له: أحسّ بحزنك على فقدان صديق لكنني أعلم أنك عقل راجح في فهم قوانين وسنن الحياة.
فقال لها: نعيش فقدان مَن نحبّ بالقلب والعقل والروح. ففي العقل يتساوى التسليم بالتسليم وفي القلب يتساوى الحزن بالحزن، أما في الروح فتكون الرسالة هي التي تشغلنا.
فقالت: وهل تختلف الرسالة من فقد إلى آخر.
فقال لها: ثمّة مَنْ نفقدهم ممن نحب ونحزن للغياب ونسلم بالرحيل، لكن عبء الرسالة يكون على غيرنا أكثر مما هو علينا، خصوصاً عندما يشغل الغائبون عنا مكانة في شؤون الناس والأوطان والقضايا. فالرسالة في وهجها تنادي من سيقع عليهم عبء جديد. هكذا كان الحزن والتسليم بغياب عظماء أحببناهم كالإمام الخميني والرئيس حافظ الأسد والسيد عباس الموسوي، لكننا شعرنا أن رسائل الغياب يحمل أعباءها من يتقدمنا نحوهم في ملء الفراغ. فتطلعت عيوننا نحوهم. فكان التعبير عن الحزن والتسليم مشفوعاً بالعاطفة والمساندة لمن هم في هذه المكانة. وهكذا حلّ الأمل مكان الألم بسرعة، لأن التاريخ لا يرحم من يدمنون البكاء. فكان لنا الإمام الخامنئي والرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله… لكن كل منهم كان الأشدّ حزناً والأكثر تحسّساً لعبء الغياب.
قالت: هو درس في علم الحياة.
قال: درس تعلّمناه من رثاء الرئيس حافظ الأسد لجمال عبد الناصر الذي كدنا نظنّ أن رسالته لم يتلقفها أحد حتى قرأناه يقول له، لقد فقدنا معك الذي كنّا نأتيه بانتصاراتنا ليحوّلها انتصارات للأمة، ونلجأ إليه في خيباتنا ليمنع تحوّلها هزائم للأمة… ومع غياب عبد الناصر سارع الأسد في حركته التصحيحية، لأنّه تلقى الرسالة… وكانت حرب تشرين بعضاً من تحقيق الوصايا.
فقالت: وأنت؟
قال لها: نحن الجيل الذي رافق الهزائم والانتصارات وآمن بالمقاومة والنهضة يودّع بعضنا الآخر، وهو يزيد شعوراً بأن يُنجز في ما تبقى من العمر بعضاً مما كان يظنّه مسؤولين راحلين… فمع كل رحيل تأتينا رسالة لنمضي أكثر وأعمق في تثبيت المعاني ووضع النقاط على الحروف وإضاءة المزيد من المشاعل… هكذا يوم فقدنا الشهيد الحاج عماد، وهكذا مع رحيل الأمين علي قانصو وقبلهما وبعدهما وبينهما كثير كثير وسنمضي وبعدنا سيمضي آخرون.
قالت: وأنا؟
قال: تنثرين ابتسامتك وروداً وعطراً لنتذكّر أن الحياة تستحق أن تُعاش حتى الثمالة ونتذكر ابتسامات مَن رحلوا ولا يحقّ لنا أن نتذكرهم مبتسمين .
فعانقتة بابتسامة… ومضيا.