التشكيليّ جمال العبّاس… تجربة فنّية مستمدّة من طبيعة السويداء وحضارتها
تحضر طبيعة السويداء وبنيتها العمرانية كأبرز مكوّنات لوحات الفنان التشكيليّ السوريّ جمال العبّاس، لتظلّ الثابت الأساس في تجربته الممتدّة إلى نصف قرن.
ويعدّ العبّاس من أوائل الذين وثّقوا للحركة التشكيليّة في محافظة السويداء ومن أوائل الفنانين الأكاديميين من أبنائها حيث تخرج من قسم الرسم والتصوير سنة 1969 في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق ليكرّس حياته بعدها لنشر الفنّ التشكيليّ ويقدم تجربة فنّية تحمل في طيّاتها المفاهيم الإنسانية وتطورت من التصوير الواقعي إلى الإيمائي.
وشكّلت البيوت القديمة في المحافظة بحجارتها البازلتية السوداء وتربتها الحمراء البركانية وأشجارها الحراجية الخضراء مواطن الجمال والإحساس في لوحاته فحققت شكلاً من الانسجام اللوني فأخذ من البازلت صلابته وقوته وغناه بالألوان وأهميته لنشوء الحضارات في المنطقة ورأى في الناس الذين يعيشون في بيئته جزءاً من البازلت ويشبهونه في الصلابة والقوة والإحساس بالذات.
ويعتبر العباس أن للحضارات التي تعاقبت على السويداء من يونانية وهلنستية ورومانية ونبطية وسواها عظيم الأثر على طبيعة لوحاته وتكوينها
وشكّل ارتباطه بالحجارة البازلتية دافعاً له للبحث في لون تلك الحجارة وماهيّتها وما تحتويه من أشكال هندسية وفنّية وألوان طبيعية.
لوحاته تمتاز بالغنى اللوني حيث يحمل في جعبته ألوانه الحارة ورؤاه التجريدية التي اختلط فيها الواقع مع التصور والشكل مع التلاشي فأبدع لوحات بتقانة عالية ليفجّر طاقاته اللونية على اللوحة ويوظّف أدواته ويصنع عملاً فنياً يحضر فيه اللون والشكل معبّراً عن الواقع بطريقته الخاصة التي تحمل جرأة اللون والشكل.
ويستمد العباس لوحاته من الطبيعة والإنسان ليعرضهما بأساليب تعبيرية حديثة حيث تأخذ الأجساد والوجوه حيّزاً كبيراً في لوحاته لتشكّل موضوعاً بالنسبة له يعمل على تقديمه برؤيته الفنّية الخاصة، معتبراً أن العلاقة بين البشر والفنّ مبرّرة وضرورية فالإنسان هاجسه وتجسّد أعماله وجوهاً وشخصيات كاملة أو مبتورة تحمل في مضامينها معاني وتعابير مختلفة وانفعالات عميقة تجسّد الواقع.
كما يستلهم العباس أفكاره من البيئة الشرقية التي تمتاز بألوانها الزاهية التي تدعو للتفاؤل والأمل ويسعى إلى التفرّد بالتقنية والمواضيع والتشكيل.
يشار إلى أن الفنان العباس من مواليد مدينة السويداء عام 1941، وأسّس مركز الفنون التشكيليّة في السويداء عام 1973 ومؤسس لفرع نقابة الفنون الجميلة بالسويداء وهو كاتب ومحاضر في التشكيل منذ عام 1970 لديه العديد من المعارض الفردية وشارك بالكثير من المعارض الجماعية داخل سورية وخارجها وهو عضو باتحادات الفنانين التشكيليّين في سورية والجزائر والإمارات وفي الاتحاد العام للفنانين التشكيليّين العرب وحائز على جوائز ودروع وبراءات تقدير محلية وعربية.