حكومة عالقة خارج الحدود: «الأفرقاء أعجز من تعطيل التأليف»
روزانا رمّال
صارت ملزمة قراءة موقع رئاسة الحكومة اللبنانية من منظارها المباشر والواقعي. وهي إذ تعبّر عن واحدة من السلطات الأبرز في لبنان أو ما يُعرَف بالكرسي الثالث بعد الجمهورية ومجلس النواب إلا أنها ذات خلفية أبعد وأعمق بالحساب السياسي المحلي الذي لم يكن يوماً مرتبطاً بقدرات داخلية فعلاً منذ ما بعد الحرب الأهلية ودخول اتفاق الطائف حيّز التنفيذ. وهو الاتفاق الذي فرض المملكة العربية السعودية لاعباً كبيراً في الداخل، كما جعل من الحضور السوري قوة نافذة أيضاً تدريجياً بعد نتائج إقليمية ربطت الأحداث من الاجتياح الإسرائيلي والتحرّك الفلسطيني في لبنان وصولاً للحرب الأهلية وما بعدها وما يُعرَف بالصيغة الحالية.
ربما صار ملزماً التحدّث مباشرة عن هذا الكرسي وهو الكرسي «السني» الأول في البلاد. وبالتالي فإن لهذا البعد الطائفي الذي يسعى اللبنانيون بالتخلص منه حساباً إقليمياً مرتبطاً مباشرة بالمملكة العربية السعودية. وهذا النفوذ الذي جيّر لصالحها بعد الطائف مع دمشق حتى تفرّدت فيه بعد الأزمة السورية بشكل واضح. وبالتالي فإن عرقلة تأليف الحكومة اللبنانية هو عرقلة لإحدى المصالح السعودية في لبنان. وإذا تمّ التسليم جدلاً أن الحريري هو الحليف الأول للمملكة، فإن الأسئلة المطروحة كثيرة وأبرزها:
هل يوضح التعطيل الى هذه اللحظة ضمن إطار قطع الطريق على الحريري؟
هل تصبّ عرقلة الحكومة ضمن إطار منع السعودية من السير بأجندتها المعتادة في البلاد؟
الأجوبة تصبح أكثر تناغماً عند الاستيضاح عن المعطلين؟ من وراء تعطيل الحكومة محلياً؟
يبدو وحتى هذه اللحظة وبغضّ النظر عن الخيار الموالي للمملكة العربية السعودية أن أكثر المستعدّين للوزارة والحاسمين لملفها في الحصص والحقائب هما الثنائي الشيعي أي حركة أمل وحزب الله، حيث جرت العادة على الانسجام الكامل. فكيف بالحال وهم مستعدون لترجمة نتائج الانتخابات التي أتت ترجمة مباشرة للتقدم في سورية لحلفائهم. ولهذا شرح يطول.
القوات اللبنانية اليوم هي أبرز الرافضين للامتثال الى الصيغ التي طرحها الحريري والمعلومات تشير الى أن واحداً ممن لا يؤيدون كامل مطالب القوات هو الحريري نفسه إلا أن الخلاف الذي بدا أنه قابل للحلحلة معه غير قابل لذلك عند التيار الوطني الحر الذي يرى أن ما تطلبه القوات مبالغ فيه، طالما انه تجاوز تفاهم معراب الذي نص بأحد بنوده أن يتم خوض الانتخابات معاً أي ضمن تحالف بين القوات والتيار الوطني الحر ليسقط عند نكث هذا البند باقي البنود وإلا يصبح كل ما ورد فيه قابلاً للانتقائية ليُعاد تذكير القوات بنكثها أيضاً بثابتة التيار الوطني الحر التي نصّها باتفاق معراب الذي اعتبر حينها وثيقة تفاهم حول كافة الاستحقاقات المصيرية، ومنها رئاسة الحكومة التي تبين أن التيار الوطني الحر كان قد ضمّ «الصفقة الرئاسية» بينه وبين تيار المستقبل الى شروط الاتفاق وطرح عدم التخلّي عن الالتزام بتكليف الأقوى سنياً برئاسة الحكومة التي نقضها جعجع باعتباره استقالة الحريري من الرياض نافذة.
المملكة العربية السعودية المفترض أن تكون الأكثر حرصاً على رئاسة الحكومة. وتدرك تماماً اليوم ان نتائج الانتخابات النيابية ليست لصالح حلفائها وكان لكلام اللواء الإيراني قاسم سليماني الذي سرّب له الوقع الكبير على الرياض التي عرفت اليقين الإيراني بفشلها انتخابياً. وبالتالي فإن أحداً في الرياض لا يجد مصلحة بتسريع عملية تأليف الحكومة ليتسلّم حزب الله مع حلفائه قيادة الأمور فيصبح ممثلها في لبنان سعد الحريري رئيساً غير قوي في موقعه. لا بل يصبح ممتناً لحلفاء حزب الله الذين كلفوه تشكيل الحكومة بعد أن امتنع الحزب عن «حمايته» من الانتقاد السعودي، حسب مصدر متابع لـ«البناء» من دون ان يعترض حلفاؤه على ذلك، لا بل عرف أنه شجع بهذا الاتجاه لأنه يرى ان الحريري هو الأقوى في طائفته والأقدر على تسيير الامور في المرحلة التي دخلت فيها البلاد مظلة الصفقة الرئاسية. ويضيف المصدر لـ «البناء» أن الأجواء في حزب الله أميل الى توقع عرقلة تأليف الحكومة أساسها رفض السعودية تقديم أي تنازل للحكومة اللبنانية قبل توضيح صورة الاتفاق النووي الإيراني خلال أيام. والكشف عما اذا كانت إيران ستُقدم على أي تنازل في اليمن قبل الدخول في المفاوضات. وبالتالي لا حكومة قبل اواخر الصيف وربما أول الخريف، اذا ما بقي الحساب السعودي موضوعاً ضمن هذا المنطق. ويختم المصدر «بانتظار مساعي الحريري في الساعات المقبلة وما جديده للصيغ المقدمة مع الأمل أن لا تكون محاولة جديدة لتمرير الوقت.. الحريري فعلاً في وضع لا يُحسَد عليه من حلفائه الإقليميين الذين يصبون اهتمامهن الآن في محاربة إيران في كل الساحات، ومن ضمنها ساحته في الحكومة».
وعليه كان لا بدّ من اختلاق عقبات أمام التأليف ولا بدّ أن يكون الخلاف على مستوى عرقلة تأليف حكومة وحدة وطنية والحديث عنها، والخلاف بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر واحد من هذه السجالات القابلة للحل لحظة تقرّر المملكة عدم تعطيل كرسي الوزارة في لبنان أكثر وتفعيل عمل الكرسي «السني» في البلاد. فلا جعجع أو غيره من حلفائها قادر على رفض هذا، عندما يضاء الضوء الأخضر الإقليمي المتشابك المصالح، كما أن حقيقة الأفرقاء في لبنان هم «أعجز» من تعطيل تأليف حكومتهم «المدوّلة» باتت الثابت الوحيد بعد اختبار تأليف الحكومات لعقود طويلة.