حنان سلامة: كنتَ خير قدوة في النضال… وعلى العهد مستمرّون ميسلون قانصو: خسرناك وحزبك والوطن… والداً وقائداً وقامة شامخة ومثالاً يُحتذى
بمناسبة ذكرى مرور أسبوع على وفاة الرئيس السابق للحزب الوزير علي قانصو، أقيم حفل تأبيني في حسينية بلدة الدوير، حضره إلى جانب عقيلة الأمين الراحل الرفيقة صباح قانصو وابنة الأمين الراحل د. ميسلون والعائلة حشد كبير من السيدات والرفيقات.
كلمة مركز الحزب
وقد ألقت عضو اللجنة الثقافية في عمدة الثقافة والفنون الجميلة حنان سلامة كلمة باسم الحزب جاء فيها:
أرسمُ حدودَ أمّتي
أسيّجُها من نبضِ القلبِ وأسماءِ الشهداء.
أرفعُ يدي كي تحيا سورية
أطالُ بأحلامي نجومَ السماء
يا حضرةَ الأمينِ إن غبتَ عنّا
نراك تغيبُ شمساً عند المساء
كي تعودَ فجراً
تحملُ إشراقةً تخبرنا:
تركتُكم كباراً… فابقَوا كباراً في عالمِ الكبرياء.
إنّ للكلامِ قامةً تقصُرُ أمام قامةِ الرجال. فهل هذا يومٌ لاستعادة الحزن؟ لا.. لأنّ الأحزانَ لا تجوزُ على الأحياء، وأنت أكثرُ الرجالِ حضوراً في الغياب.
أهذا يومٌ للذكرى؟ لا… فأنت مقيمٌ في الذاكرة، وها أهلُك والرفقاءُ يرفعون أيديَهم بالتّحية لمآثرِ نضالِك المتألقة على مدى نصفِ قرنٍ، فلا رحيلَ ولا وداع.
أهذا يومٌ للثّناءِ والمديح؟ لا.. لأنّ فضائلَك جعلتكَ فوق الثناءِ والمديح، وسيرةَ حياتِك التي بنيتَها كانت وستبقى سجلاً جديراً بالاحترام.
حضرةَ الأمين.. كنتَ المربّي الذي أعطى للتّربيةِ والتّعليمِ وللأجيالِ كلَّ ما اختزنَهُ من سعةِ علمٍ ومعرفة. كنتَ القوميَّ الاجتماعيَّ الذي تحمّلَ المسؤولياتِ من الجنوبِ الى القيادةِ المركزيّةِ منفّذاً ومندوباً مركزيّاً ورئيساً للمكتبِ السّياسيّ ووزيراً، وعميداً، وعضواً في المجلس الأعلى، ورئيساً لدوراتٍ عدة، وبقيتَ أميناً قائداً شريكاً في المقاومةِ.
لقد علّمتَنا في جميعِ محطّاتِ نضالِك أنّ هذه القضيةَ التي تساوي كلَّ وجودِنا هي مسرحٌ للفرسانِ الذين يجعلون من الحياةِ طريقاً للانتصار. فكنتَ تؤكّد أهمّيةِ مقاومة التّطبيع، ومكافحةِ وباءِ الإرهابِ المتفشّي في سورية. وخلالَ مزاولتِكَ المسؤوليّةِ في الوزارة، كنتَ صوتَ الفقراء والكادحينَ، وبقيت رافضاً الإملاءات الخارجية، متصدّيّاً للسّياسات الخاطئة التي أفقرت لبنان وزادت ديْنه العام.
كنتَ دوماً بارّاً بقسمِك. لم تغيّرك الأحوالُ والظّروف وبقيتَ على العهد حتى الرّمقِ الأخير. كان الحزبُ يملؤُك، فحملتَ القضيةَ نصفَ قرنٍ، أعطيتَها سنيَّ عمِرك وبقيتَ تحرصُ حتى اللّحظةِ الأخيرةِ على مسيرةِ الحزبِ وعافيتِه واستمرارِه، وزدتَ على فضائلِها من فضائلِك، وعلى استقامتِها من التزامِك، وعلى مبادئهِا من شفافيتِك، وكنتَ بذلك خيرَ قدوةٍ في النّضال. فها حزبُنا اليومَ يلتفُّ حولَك ليقولَ: إنّنا على العهدِ مستمرّون في إعطاء الحياةِ الحزبيةِ ما تستحقُّها، فقرَّ عيناً واطمئِنَّ فإنَّ روحَك ستبقى حيّةً فينا.
يا رفيقَ النّهضة… كنتَ صادقاً دونَ تكلّفٍ، قويّاً دونَ ادّعاء، عاليَ الخُلقِ دونَ تعالٍ، مرتفعَ الجبهةِ دونَ تكبر.
تعلّمتَ في مدرسةِ سعادة أنّ الوقفةَ العزيزةَ المؤمنةَ تصونُ نفسَها عن تدبيجِ الألفاظ، فكانت مواقفُك الجليلةُ أكثرَ فصاحةً من كلّ الكلام.
كنتَ أيّها الأمينُ المؤتمَنُ على مدى السّنين متأهّباً كالجنديّ في السّاح. لا فرقَ عندَك في جنديّةِ النّهضةِ بين موقعٍ وآخر. فلا أخافَك اضطهادٌ، ولا أقعدَك المرضُ، ولا احبطَك تأزمٌ حزبي.
كنتَ واقفاً بشموخٍ كشجرةٍ مباركةٍ لم ينقطع ثمرُها، ولم تغير ألوانَها الأحوالُ والفصول. كنتَ كسنديانةٍ عنيدةٍ في حقلِ النّهضةِ، يفيءُ إليها الرفقاءُ والأهلُ إذا تعبوا، ويلوذون بها إذا اشتدّتِ العاصفة.
أيّها الأمينُ المكلّلُ بفضائلِ النّهضةِ، كنتَ واضحاً كالعين المحدّقة عنيداً في الحقّ. لا تنازلَ ولا مساومةَ أو تراجع.
تحمّلت آلامَك بصبرٍ لأنّها أهونُ من آلام الأمّة. كنت تنتفضُ لظلمٍ يطالُ رفيقاً أو مواطناً، وتثورُ إن نالت من أمّتنا ضائقةٌ أو مصيبة.
حافظتَ على الأمانةِ بدقّة الالتزامِ، وحرارةِ الوفاءِ، وتحمّلِ المسؤوليّةِ، والتّعالي على الجراح.
مثلُ هذه الفضائلِ لا تموت. بل يُحتذى بها في مدرسةِ أبناء الحياة.
اليوم، يومُ الوفاءِ للأمين علي، ولهذه البلدةِ المزدانةِ بأنبلِ الشّهداء. يومُ الوفاءِ لنسورِ الزّوبعةِ والمقاومة. يومُ الوفاء للمؤمنينَ بعقيدةِ سعاده الّتي جمعَت أبناءَ الأمّةِ تحت رايةِ الكفاحِ من أجلِ التّحريرِ والوَحدةِ وتشريفِ الحياة.
ونحنُ اليومَ في ذكرى الثّامنِ من تموز، ذكرى استشهادِ سعاده، القائدِ الّذي تعاظمَ إيمانُه بأمّتِه المتألقةِ بقيمِ الحقّ والخيرِ والجمالِ، نعاهدُهُ أن لا ننثنيَ عن متابعةِ الهدفِ القوميّ النّهضويّ مهما اشتدّت الصّعابُ والمحنُ ومهما غلت التضحياتُ حتّى بلوغِنا نصرَنا المنشود.
اليوم يخشعُ قلمي عندما يخطُّ عنك يا نسراً مسافراً بنى من قضيّته وطناً أبديّاً. يا حرّاً أرادَ بناءَ وطنِ العدالةِ والمساواةِ والحريّة. أيّها المسافرُ قبلَ أوانِه في رحلةٍ هزمتَ فيها الموتَ لأنّك ستبقى حيّاً في عقولِ أبناءِ الحياة. أُغمضت عينيك ورحلَ جسدُك ليضمَّه ترابث بلدتِك الّتي تحبّ وتعشق. سكنتَ الموتَ ولم تمت. ستشتاقُ إليك أزمنةُ الشّمسِ والسّنابل. سيشتاقُ إلى حضورِك زمنُ الجفافِ، فلن يُنسى البذارُ الّذي زرعتَه.
كنتَ رائعاً في أيّامِك الأخيرةِ تقاومُ المرضَ. تتحاملُ على نفسِك كي تستطلعَ بوادرَ النّصر.
نَم قريرَ العينِ، فآمالُك وآمالُنا محمولةٌ في صدورِنا، مكتنزةٌ بدمِ الشّهداءِ ونسورِ الزّوبعة. قسماً بقسمِنا سنبقى نجفّفُ الدّماءَ النّازفةَ من جراحِ أمّتِنا كرمى لعينيك ووعيونِ الشّهداء.
عندما نفتقدُك، سنجدُك في ظلماتِنا مضيئاً… سنجدُك في قلوبِنا تغفو على خفقاتِها… سنجدُك في عيونِ الأطفالِ تتهيأُ للولادة…
حضرةَ الأمين…لفضائلِك الجليلةِ وهامتِك النّاهضةِ التّحيةُ الدّائمة.
تحيّةً لروحِك حيثُ تسكنُ، ونحن كما أوصيتَنا باقون على العهد.
أُرقد بسلامٍ يا حضرةَ الأمين فالحزبُ قبضةُ اليمين لن تستكين وها نحن نقسمُ بدمِ الزّعامة
ستحيا سورية بقَسَمِ اليمين.
كلمة العائلة
وألقت كريمة الراحل الدكتورة ميسلون قانصو كلمة العائلة وجاء فيها:
والدي وأخي، صديقي وحبيبي!
يا فجيعتي التي زلزلت كياني، ويا حسرتي التي جرحت كبدي وشغاف قلبي، ويا أملي الذي ضيّعتُهُ، وأنا في منتصف طريقي.
كيف تركتني غارقة في بحر أحزاني وحسراتي تتقاذفني أمواج المنايا، وأنا لا أجيدُ العوم؟! مَن ينقذني بعدَك يا أبي؟! وكيف هان عليك، وأنا ابنتك الوحيدة، أن تتركَني تائهة في صحراء مقفرة أصارع الوحشة والفراغ، وتكويني نار الرمضاء، ويظمئ قلبي العطش؟! يا لتعاستي وبؤسي! أنا اليتيمة أمام عين الله أشكو له بثِّي وحزني. علّه يرقّ لحالي، ويمنّ عليّ بنعمة الصبر والسلوان.
سأبكيك يا أبي، كما بكت «رقية» أباها الحسين، وسأنتحب كما انتحبت «زينب» على أبنائها وإخوتها. إذ كيف لا أغرق في دموعي وقد افتقدتُ الصدر الحنون الذي أستند إليه، بل كيف لا ألتاعُ وقد هوى الركن الكبير الذي يقوم عليه بيتنا؟!
أبي الغالي.
ما يُحزنني أكثر، ويُشعرني بالتقصير وبعض الندم أنني كنتُ أرى أوجاعَك المبرِّحة وأسمع آهاتك، وأنا عاجزة عن إغاثتك وإنقاذك. ولو كنت أستطيع أن أفديَكَ لفديتُك بقلبي ومهجتي وروحي. فكيف لا أستطيع أن أبرّ بك وأردَّ بعض فضلك عليّ وعلى أخويّ؟ّ!
ما أصعبَ أن يقف الإنسان عاجزاً أمام حبيبه الغارق في لجّة الهمّ والألم ولا يقدر على إنقاذه! ولكن في النهاية لا يمكننا أن نُغضِبَ الله فلنرضَ بقدرنا ونقل: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أخواتي الكريمات
ماذا أقول لكنّ عن أبي وشهادة البنت مجروحة بوالدها. لقد كان واضحاً شفافاً، وما تعرفنه أنتن عنه أكثر مما أعرفه أنا. لقد أنار كلّ زاوية حلّ بها، وأضاء كلَّ مكان أقام فيه. لقد بدأ معلّماً ناجحاً منذ انطلاقته الأولى في مهنة التعليم الابتدائي، فالثانوي. وتشهد على ذلك مآثره ويشهد طلابه الذين نهلوا من معينه قواعد اللغة العربية وآدابها.
وفي السياسة والنضال الوطني والقومي كان في الصدارة دائماً. تسلّم المسؤوليات والمهامّ القيادية في الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقدَّم نموذجاً للقائد الفذّ الشجاع الذي وحّد الحزب حوله وخاض به ومعه المواجهات الصعبة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والمدّ التكفيري يشهد على ذلك آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان وفلسطين وسورية.
وفي العمل الحكومي مثّل حزبه أكثر من مرة. فكان المثل والقدوة في إدارة العمل العام وفي الدفاع عن حقوق الفقراء والمستضعَفين وفي مواجهة النظام الطائفي والفساد السياسي والإداري.
والدي الحبيب
لقد خسرك لبنانُ قامة كبيرة من قاماته التي تركت أثراً وطنياً في تاريخه.
وخسرك حزبك الذي كنتَ واجهة مشرّفة له، في كل موقع، فقد تركت فيه فراغاً يصعب أن يُسدّ. وخسرتك الدوير ركناً أساسياً من أركانها، ولك بصمات واضحة في كل صفحة من صفحات تاريخها.
وخسرناك نحن، وما أكبر خسارتنا بك. خسرنا الوالد الصّارم بعدل، والذي وضعنا على الصراط المستقيم، وغذّانا بالقيم الحميدة والنهج السليم. وخسرنا أيضاً الصدر الحنون الذي ضمّنا مع أولادنا إليه، ورعانا وجعلنا مع الوالدة الكريمة أسرة متماسكة متحابة.
لن أنساك يا والدي الراحل. ستبقى حياً في قلبي، وسأدعو لك في كل صلاة لي، أن يرحمك الله، ويجعلك من عباده الصالحين.
وداعاً يا أبا واجب. وإلى روحك الفاتحة..
شكراً لكنّ، وألف شكر على مواساتكن لنا في مصابنا لا أراكنّ الله مكروهاً في أحبتكن، وفلذات أكبادكن.. وإنّا لله وإنّا إليه لراجعون.