قمة الناتو على وقع خلافات محتدمة وبيان ختامي
انطلقت في بروكسل أمس، قمة الناتو وسط توقعات بأن تكون «مشحونة بالتوتر»، وخاصة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين على خلفية الخلافات حول التجارة والنفقات الدفاعية واتفاق إيران النووي.
بيان بروكسل
وأكد قادة دول الناتو خلال قمة الحلف في بروكسل «التزامهم بزيادة النفقات العسكرية»، معربين عن «قلقهم إزاء نشاطات روسيا»، التي اعتبروا أنها أدت لـ «انخفاض مستوى الأمن والاستقرار».
وقال رؤساء دول الحلف في البيان الختامي للقمة: «نحن ملتزمون بتحسين الموازنة في تقاسم النفقات والمسؤوليات المتعلقة بالعضوية في الحلف».
وأعرب قادة دول الحلف عن قلقهم إزاء «نشاطات روسيا الأخيرة»، مؤكدين تضامنهم مع الموقف البريطاني في ما يخص اتهام روسيا بالوقوف وراء «الهجوم بغاز الأعصاب» في مدينة ساليزبوري البريطانية.
واعتبر الحلف في بيانه الختامي «أن نشاطات روسيا أدّت إلى انخفاض مستوى الأمن والاستقرار».
ستولتنبرغ
وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أمس، خلال منتدى أمني نظّم على هامش القمة، «إن الحلف يعمل حالياً في ظروف البيئة الأمنية المتغيّرة، حيث تواجهه تحديات متعلقة بروسيا شرقاً، وأخرى متعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جنوباً».
وأقرّ ستولتنبرغ بوجود «خلافات وآراء مختلفة بين الحلفاء حول سبل الاستجابة لبيئة أمنية معقدة كهذه»، معتبراً أنه «من المهم أن تظهر القمة أن ذلك لا يمنعهم من الوفاء بالتزاماتهم واتخاذ القرارات الضرورية في جو من النقاش الصريح».
وأعرب الأمين العام عن «اعتقاده أن ذلك أمر ممكن»، معتبراً أنّ «الحلف يواصل تعزيز قدراته، بالرغم مما بين أعضائه من خلافات حول مسائل التجارة والمناخ والإنفاق العسكري، إضافة إلى اتفاق إيران النووي».
وتهرّب ستولتنبرغ من الإجابة مباشرة على سؤال، عما إذا كان موقف واشنطن يقوّض وحدة الحلف، مكتفياً بالقول «إنه لا يريد تلقين أحد دروساً».
وفيما يتعلق بعلاقات الناتو مع روسيا، قال «إنه لا يعلم متى ستشهد تحسناً»، مضيفاً «أنه يثق بإمكانية إقامة علاقة أفضل بين الطرفين». وأشار ستولتنبرغ في وقت سابق مراراً إلى أن «الحلف لا يسعى لعزل موسكو، وموقفه منها يجمع بين الردع والحوار».
وأكد أن «الحلف لا يرى في روسيا تهديداً مباشراً لأي من أهدافه»، مضيفاً مع ذلك «نرى تصرفات أكثر فأكثر حزماً من قبل روسيا، التي استخدمت القوة ضدّ جيرانها»، في إشارة إلى الاتهامات الغربية المتكررة لموسكو باستخدام قواتها المسلحة ضد جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014.
ودعا ستولتنبرغ إلى «تنشيط الحوار السياسي بين الناتو وبكين»، وقال: «لدينا بعض الاتصالات مع الصين، لكنني أودّ أن تتحسّن وأن يتوسّع حوارنا السياسي مع الصين»، مضيفاً «نعمل بالطبع على تعزيز الناتو كي يكون جاهزاً لمواجهة أي تهديدات وتحدّيات محتملة، لكننا في الوقت نفسه نسعى لخفض التوتر لا لتصعيده».
من جهة أخرى، أعلن الأمين العام للحلف «أن دول الحلف اتفقت على متابعة السياسة الأمنية في منطقة البحر الأسود، بناء على طلب من رومانيا».
وقال ستولتنبرغ: «من أجل زيادة الأمن في منطقة البحر الأسود بمطالبة من رومانيا، سنرحّب بزيادة الإنفاق الدفاعي من رومانيا، وهي واحدة من الدول التي وصلت إلى هدف الـ2 بالمئة، للإنفاق على ميزانية الدفاع من إجمالي الناتج المحلي».
وأضاف «قرّرنا متابعة السياسة الأمنية هناك في البحر الأسود وتقوية الوجود الأمني بقوات بحرية وبرية وجوية».
كما أعرب الأمين العام خلال تصريحاته في المؤتمر عن ترحيبه «ببدء المفاوضات لضمّ مقدونيا لحلف الناتو».
كما قال ستولتنبرغ بعد ختام القمة «نعمل على تدريب القوات العراقية لضمان عدم عودة «داعش» مرة أخرى»، مشيراً إلى أن «بناء على طلب الحكومة العراقية أطلقنا برنامج تدريب عسكري جديد في العراق لتدريب 700 متدرّب».
كما أعلن الأمين العام للحلف «أن قمّة الحلف اتفقت على دعوة مقدونيا لبدء المفاوضات حول انضمامها إلى الحلف».
وقال ستولتنبرغ في مؤتمر صحافي في ختام قمة الناتو في بروكسل: «اتفقنا على دعوة سكوبيه إلى بدء المفاوضات حول الانضمام إلى الحلف ». وأكد أن «مقدونيا ستنضمّ إلى الناتو بعد تسوية خلافاتها مع اليونان بشأن تسميتها بشكل نهائي».
من جانبه، أعلن رئيس وزراء مقدونيا زوران زاييف «أنه بالنسبة لبلاده لا يوجد بديل عن التكامل مع الناتو والاتحاد الأوروبي»، مؤكداً أن «سكوبيه ترغب بالمشاركة في عمليات السلام وإقامة علاقات الصداقة مع الجميع».
وانضمّت مقدونيا إلى خطة الأعمال للحصول على العضوية في الناتو منذ عام 1999. وأثناء قمة الحلف في بوخارست، عام 2008، عرقلت اليونان انضمام مقدونيا للناتو بسبب الجدل حول تسمية البلاد، علماً بأنّ الاسم نفسه يطلق على منطقة شمال اليونان.
وكان هذا الجدل العائق الرئيسي أمام انضمام مقدونيا إلى الناتو. وفي 18 حزيران الماضي اتفقت اليونان ومقدونيا على تغيير اسم الأخيرة إلى «مقدونيا الشمالية». ويتطلب إتمام الإجراءات لتغيير الاسم الرسمي للدولة استفتاءً شعبياً.
ميركل وترامب تجاذبات ومشاحنات
في سياق متصل، بحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف الناتو قضايا التجارة والنفقات الدفاعية لدول الحلف وغيرها من القضايا.
وقال ترامب للصحافيين، تعليقاً على لقائه مع ميركل: «لدينا اجتماع رائع. ونحن نبحث النفقات العسكرية… ونتحدث عن التجارة». كما ذكر أنه «بحث المسألة المتعلقة بمشروع نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، الذي يثير قلقاً لدى الولايات المتحدة».
وأضاف: «لدينا علاقة جيدة جداً مع المستشارة. ولدينا علاقات ممتازة مع ألمانيا».
من جانبها، ذكرت ميركل أنها «بحثت مع ترامب قضية الهجرة والتجارة»، مؤكدة أنّ «الولايات المتحدة تبقى شريكاً لألمانيا وأنها تتطلع إلى مزيد من اللقاءات مع الجانب الأميركي».
ويأتي ذلك بعد أن وجّه ترامب انتقادات إلى سياسات ألمانيا، وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا. وصرّح بأنّ «اعتماد ألمانيا على توريدات المحروقات من روسيا يضعها تحت تحكم موسكو».
فيما رفضت ميركل، انتقاد ترامب، لبلادها، واعتباره أنها «باتت رهينة لدى روسيا بعد الاتفاق على مد خط الغاز السيل الشمال-2».
وقالت ميركل، أمس، لدى وصولها إلى بروكسل للمشاركة في قمة الناتو: «في هذه المناسبة، أودّ القول، إنني شخصياً شاهدت، كيف كان الاتحاد السوفياتي يسيطر على جزء من ألمانيا. وأنا سعيدة للغاية لأننا متحدان اليوم وننتهج سياسة مستقلة ونتخذ قرارات مستقلة».
وأضافت أنغيلا ميركل القول: «أتوقع أن تكون المناقشات مشحونة بالخلافات، وستكون للمشاركين في القمة، مواقف مختلفة إزاء العديد من المسائل».
وزير الخارجية الألماني
كذلك، صرّح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس، بأنّ «ألمانيا ضامن للعالم الحر وليست رهينة لدى روسيا أو الولايات المتحدة».
وقال ماس للصحافيين على هامش قمة الناتو: «نحن لسنا رهينة لدى روسيا أو الولايات المتحدة.. نحن أحد ضامني العالم الحر وسنبقى كذلك».
وزيرة خارجية السويد
وعلّقت وزيرة خارجية السويد مارغو والستروم، أمس أيضاً، على التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن العلاقة بين ألمانيا وروسيا، واصفة إياها بالـ «مثيرة للأسف والحزن».
ورداً على سؤال حول تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن العلاقة بين ألمانيا وروسيا، والاتهامات التي وجّهها لألمانيا بأنها أسيرة لروسيا، قالت والستروم، في تصريحات للصحافيين خارج مقر مجلس الأمن، إن «تصريحات ترامب محزنة ومؤسفة للغاية».
وقالت إنه «في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الوقوف معاً لمواجهة جميع التحديات العالمية والقضايا التي وضعناها على جدول الأعمال والتي نناقشها كل أسبوع في مجلس الأمن، يجب على الدول ألا تتّهم بعضها أو تهين بعضها البعض».
وتابعت والستروم: «يجب عليها دول الناتو أن ترى كيف يمكن أن تتاجر مع بعضها، كيف يمكنها أن تكون لديها تبادلات اجتماعية واقتصادية، وكيف يمكننا التحدث مع بعضنا البعض بطريقة محترمة. وهذا ليس المناخ ونوع المحادثة التي نحتاجها في هذه اللحظة».
وزارة الخارجية الفرنسية
من جهة أخرى، قالت وزارة الخارجية الفرنسية «إنّ حلف الناتو يحافظ على نهج في العلاقات مع روسيا يجمع بين موقف عسكري دفاعي مرن والحوار».
وصرّح ممثل الخارجية الفرنسية، «أنّ حلف الناتو أكد على النهج الذي تمّ الاتفاق عليه عام 2016 في وارسو، والذي يجمع بين موقف دفاعي عسكري مرن والحفاظ على الحوار مع روسيا».
وقال ممثل الخارجية الفرنسية: «سيتمّ تعزيز إمكانات التحالف في مجال الدفاع الجماعي، بما في ذلك إصلاح هيكل الإدارة، ومبادرة تفاعل القوى والجهود المستمرة في مجال الدفاع السيبراني. ويؤكد التحالف النهج المدعوم في قمة وارسو في عام 2016، ويجمع بين موقف عسكري دفاعي مرن والحفاظ على الانفتاح للحوار مع روسيا».
لوبان تدعو إلى ضمّ روسيا للحلف
وجّهت رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، دعوة إلى اتباع استراتيجية جديدة لحلف «الناتو» في مجال مكافحة الإرهاب وإلى انضمام روسيا للحلف.
وقالت لوبان في حديث متلفز: «ما هي الحاجة إلى حلف الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ هذا هو السؤال الرئيسي. هل من الضروري إعطاء مهمة جديدة للتحالف في حربه ضد التطرف الإسلامي والإرهاب؟ وفي إطار هذه المهمة، يتعيّن على روسيا دخول الناتو».
تصريحات لوبان جاءت عشية قمة الناتو في بروكسل اليوم الأربعاء، بحضور رؤساء دول وحكومات 29 دولة عضواً في الحلف، ووفود من 20 دولة شريكة للحلف، وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والجمعية البرلمانية لحلف الناتو.
وكان الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ، أشار منتصف الشهر الماضي إلى أهمية الحوار بين الحلف وروسيا في ظل «المرحلة العصيبة الراهنة» في العلاقات بين الطرفين.