ذكرى تحرير الموصل.. و«ميثولوجيا» داعش والأميركان!
نظام مارديني
مرّت أمس، الذكرى الأولى لتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش ومشغليه إلى غير رجعة، بعدما كاد الارهاب أن يُسقط العراق نهائياً ويُلغي تاريخه الذي وضع اسس المدنية الأولى في التاريخ.
هنا قراءة للدور الأميركي في هذا الخراب الذي ضرب العراق ومعها سورية والمنطقة.
مرّ العراق منذ احتلال الأميركيين له، بمرحلة من تهديم الهوية لم يشهد لها التاريخ مثالاً وهو كان يعيش خللاً ذاتياً قبل الاحتلال .. فالكراهية للآخر نَمَت وازدهرت، في حين لم تتوقّف اليد المعوليّة عن هدم المجتمع.. لا بل إلى تهديم وإفناء الإنسان العراقي نفسه، إما عبر تحوّله الى «كاره» لكل ما عداه أو قاتل غيرَه!
لا أحد هنا من القيادات التي جاءت على صهوة الدبابات الأميركية، خارج الانعزالات السياسية التي كانت تدور فيها اللحظة التاريخية العراقية.
فالتاريخ سجل حياة المجتمعات والأمم، وقد ذكرنا هذا التاريخ بأن نينوى أو الموصل تعود جذورها إلى عام 1080 قبل الميلاد كانت صلة وصل بين مدن «سوراقيا».. أي بين العراق وسورية عبر حلب يعود تأسيسها إلى عشرة آلاف سنة ق.م وصولاً إلى لواء الاسكندرون السوري المحتل الذي يُطلُّ على البحر المتوسط.
لم يفرّق العقل الجهنميّ للإرهاب بين المدنيين والعسكريين ـ إنما بين كَفَرة ومؤمنين. الإيمان الأعمى يتطلّب أعداء مخيفين يُلصق بهم التكفيري كل الشرور الكامنة فيه حتى يتماهى مع الخير ويصبح القتل ديناً. الصفات العقائدية تلغي إنسانية الآخر، ومعها تلغي إنسانيّة المنفّذ حين يتلبّس الفكرة.. يُخدَّر بالوعود والأوهام ويُلفّ بالمتفجّرات ثم يُرسَل للموت أعمى الضمير والبصيرة والإنسانية والعاطفة. لا يرى أمامه غير الدم والموت. لا تهمّه هوية الضحايا ولا مذاهبهم.. هو يقتل عدداً لا كائنات.
ليس من السهولة قتل الانعزالي مثلما ليس من الصعوبة قتل الانعزالية.. الشتيمة ليست رأياً، حين تبلغ الآلام الحناجر أو عندما لا حكمة ولا موضوعية، فتكون الشتيمة صعود سلّم اليأس لبلوغ ذروة اللغة.. وهو ما يذكّرنا بما قاله بريخت: «حقاً إنني أعيش في زمن أسود.. الكلمة الطيّبة لا تجد مَنْ يسمعُها»..
لاحظوا كيف يتحدّث الأميركيون عن «داعش». لطالما قالوا لا نيّة لديهم لاجتثاثه وإنما لتكريس الخطوط الحمر.. ولا بأس من أن يُستخدم لأغراض تكتيكية أو استراتيجية، ولكن ضمن هذه الخطوط لأن الإيقاع الهيستيري لهذا النوع من الايديولوجيات لا يقف عند حدود. بدقة متناهية يتمّ التنسيق بين الاستخبارات الأميركية والتركية والخليجية و«الموساد» مع هذا التنظيم الإرهابي، ولم يكن غريباً هنا أن يدعو، أمس، «ائتلاف المالكي» للتحقيق في دور واشنطن في احتلال «داعش» لمدن عراقية في العام 2014، بحسب اعتراف السفير الأميركي الأسبق في العراق، كريستوفر هيل.
الأرض في سورية، كما في العراق وصولاً الى لبنان، كانت تستخدم لإعادة تركيب الهلال الخصيب… فيدراليات تتقاتل.. الآن يطرحون الفيدرالية كوسيلة دستورية للتجزئة، وإن كان الكلام عن إعادة النظر في الخرائط لا يزال على حاله.. ولكن لغوياً، أيهما الأكثر وقعاً: دبلوماسية العصر الحجري أم.. دبلوماسية العصر الطائفي؟
الجيشان السوري والعراقي اللذان انتزعا الموصل وحلب من أسنان السلطان العثماني أردوغان، هل سيسمح لنا أن نترجّل عن أحصنة النار لتبقى لدينا البقية الباقية من الزمن «السوراقي» حتى لا نرى ذلك القطيع من الذئاب من واديه الجحيمي يطرق أبوابنا من جديد!؟
في أمسية على ضفاف دجلة، قال عبد الوهاب البياتي «حين يروي لك العراقي نكتة لا تدري أتجهش في الضحك أم تجهش في البكاء!».. قد يكون السبب «ميثولوجيا الأنهار».. ففي العراق يفيض دجلة في تموز، ويخرّب محاصيل.. ينتحب الفلاحون وينتحب معهم الملوك، منذ المرثيات السومرية الكبرى وحتى اليوم..