قالت له
قالت له: نتوه في الاختيارات بين صمت يقتلنا والكلمات تصارع للخروج، فالصمت عن الخلاف أو الانتقاد أو الغيرة أو التطلّب باب للسكينة، لكنه مصدر للألم والكلام باب للشحنات السلبية والتوترات والغضب، لكنه سكينة من نوع آخر. وأنا لا أريد أن أخسر ما بيننا لكنّني لا أستطيع مقاومة ما يناديني للقول ولا أرغب بأن أعجبك بصمت مزيّف ورضا أصله أوهام.
فقال لها: الأصل أن نتكلّم ونتبادل صدق ما نشعر وما نفكر، لكن إلى حين هو عندما نعرف تماماً أين نختلف ونتراضى على معادلة فيها الإنصاف فإما أن نرتضي أن يغادر بعضنا بعضاً أو نتساكن مع كوننا مختلفين ونتبادل التعامل في الخلاف بعين واحدة ولغة واحدة، فلا يصير حق أحدنا بالاختلاف اسمه حرية مشروعة وحق الآخر اسمه عدوان موصوف. ولعل المشكلة ليست في مبدأ أن نتكلّم بل بأي لغة نتكلم، لغة الاتهام والأحكام أم لغة الاستفهام ولغة التعالي والتباهي أم لغة التسامي والسعي للتماهي. وفي النوعين من التكلم فرصة لحفظ الاختلاف، لكن في إحداهما نحفظ الحب مع الاختلاف وفي الثانية نقتل الحب ويبقى الاختلاف. ونقول قتل الاختلاف الحب وقد قتلته اللغة التي هي نحن.
قالت: ولكننا لا نملك أن نكون غير ما نحن. وغالباً فورة الغضب لحظة انفعال تزول.
فقال: تزول عند من غضب، لكن جروحها تبقى عند من استغضب وربّما يبدر منه ما يتسجلب غضباً أعلى وتندلع النار ويصدر الكلام المباح الذي يصير محو خدوشه صعباً.
فقالت: وهل علينا التصنّع لنحفظ الحب من الغضب؟
فقال لها: علينا قياس الكلام الذي نقوله على أنفسنا. فإن قبلناه قلناه، وإلا فاللغة مليئة بالكلمات. والأصل هنا في كشف عميق الحب هل هو أخذ أم عطاء؟ فحب العطاء ليس مالاً ولا جاهاً بل تقبل مساوئ نراها في الحبيب ونسامح. وحب الأخذ ليس مكاسب ولا مغانم، بل أن نرى في الحبيب محاسن، فنشكّ بكونها تخفي السوء ونخوض حرب النيات والحب إما حبّ الأنا ولا يغير من ذلك، مهما كان فيه من حنان وعطف ودموع فتبقى الأنا مصدر ومحور الحركة والكلام أو حبّ الأنت فيبقى فيه، رغم كل الغضب طلب الخشوع.
قالت: أتحبّني؟
قال: كثيراً.
قالت: ضمّني.
قال: أخيراً.