أنطون سعاده… الرجل الذي تسامى في علياء البطولة والفداء
حسين ريدان ـ ملبورن
ربّ سائلٍ يقول: كيف استطاعوا وفي ذلك الفجر التموزي أن يُسقطوا ذلك الطود الشامخ أنطون سعاده؟
على ذلك السائل يجيب أبناء الحياة. معاً لنمخرَ عباب التاريخ، ونستلّ سيف الذاكرة، ونقارع به لنظهر التالي:
فإبّان أربعينات القرن الماضي وتحديداً في العام 1949، نجح النظام السياسي اللبناني المدجّج طائفياً ومذهبياً، وبأسلحته المدمّرة أبواقاً وأزلاماً ورعاةً وساسةً، وبإرادة وإدارة ومباركة غرفة عمليات حراس النظام آنذاك، بإسقاط البناء الجسدي لرائد البعث القومي أنطون سعاده، كشخصيةٍ قياديةٍ رياديةٍ طليعيةٍ نابغةٍ وقفت نفسها لعزّ الأمة السوريّة هيبةً وحضوراً ووقاراً وكرامةً، فأرست مدرسة حياةٍ تمحورت بنهضةٍ سوريّةٍ قوميةٍ إجتماعيةٍ، تكفّلت بشق الطريق المُثلى لإحقاق حق الأمّة القومي حياةً ووجوداً ونماءً وارتقاءً، واستنفاراً للهمم من مدافن الخمول، واستصراخاً للضمائر الحيّة بغية تحقيق ما نؤمن به ونؤتمن عليه ونعمل لأجله، وتحطيماً للعقائد المهترئة داخل المجتمع السوري بكافة تناقضاته السياسية والاجتماعية والعشائرية وما شاكل في سبيل إقامة النظام الجديد، نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وحده يكفل انتشال الذات السورية من بوتقة الـ «أنا» الى وحدة الـ «نحن» في وحدة حياةٍ ومصير. نظامٌ سوريٌ قوميٌ إجتماعيٌ يتكفّل بإنهاض القوى الكامنة في نفوس أبناء الحياة، في نفوس أبناء الأمة السورية جمعاء، الذين وحدهم لا سواهم يعوّل عليهم صياغة وصيانة الخطاب الحياتي البنائي لسورياهم عمراناً وازدهاراً وتطوّراً وتقدّماً وتحرّراً وسيادةً واستقلالاً وافتداءً بكلّ غالٍ ونفيس، لأمّةٍ ظافرةٍ قال فيها سعاده، بأنها «لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس». على ذلك السائل يجيب أبناء الحياة.
إنّ ذلك النظام السياسي الطائفي الداشر إذن، وبانعدام أهلية ساسته، واستفحال وتوغل وتغلغل أباطرته المذهبية والطوائفية والإقطاعية في شرايين البلاد والعباد كان رأس أفعى في عملية إعدام أنطون سعاده كخطيئة تاريخية لا تُغتفر، تصميماً وتحضيراً وإعداداً وتآمراً وتنفيذاً وتنسيقاً تاماً كاملاً، واضحاً فاضحاً مع أنظمةٍ ودولٍ عربيةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ، كان من طلائع مصالحها الأنانية تصفية أنطون سعاده وإنهائه كحالةٍ وجوديةٍ فاعلةٍ ناهضةٍ، بعد أن قرأت فيه استشرافه المبكر للخطر الصهيوني على بلادنا، وللدور التآمري للدول الاستعمارية الاستكبارية الاستدمارية بكافة مخططاتها الجهنمية من هرتزلية وبلفورية وسايكس- بيكوية والهادفة جمعاء الى كبح نمو القوى في بلادنا وقتل نسائم الحياة في أمة الحياة، بتفكيك عراها واقتسام جناها وقتل مناها والاستئثار بثرواتها وخيراتها وعقولها وأدمغتها بشراً وحجراً، تطويعاً وتطبيعاً وقضماً ممنهجاً لمساحاتها، انتداباً واحتلالاً واقتساماً واقتطاعاً واحتجازاً وتهجيراً وإفراغاً بهدف إقامة الحلم المنشود «وطنٌ قومي لليهود» على أرض فلسطين جنوب سورية، وهذا ما يرفضه تاريخنا السوري من بابه الى محرابه. على ذلك السائل يجيب أبناء الحياة.
إنّ أنطون سعاده الذي تسامى في علياء البطولة والفداء، والسَني بأفكاره، والعازم إنقاذاً لوطنه السوري، لم يكن قط من جلاَّس المناصب كي ينسى أو يتناسى قضيةً وجوديةً بحجم أمة، بل أسّس حزباً عقائدياً، تعبيرياً تعميرياً يحاكي تطلعات أمته وآمال شعبه السوري الذي لم يُرد له أن يكون شعباً على شاكلة الأنعام تُشرب ألبانها وتؤكل لحومها على موائد الإنتهازيين، ولا شعباً هائماً في صحارى الضياع ومستنقعات الإنحطاط والإنهزام ودروب التسكع والتذلل والتقهقر والإخفاق في معترك الحياة وميادينها موقعاً وحضوراً وكرامةً، بل أراده سعاده شعباً واحداً موحداً، نصيراً عند الطوارئ، متآزراً في الشدائد، متكاتفاً أمام النوائب في وحدةٍ اجتماعيةٍ منقطعة النظير ترنو إلى الإنهاض بالأمة السورية والتقدّم بها نحو ميادين الحياة الواسعة الأكثر رقياً وجمالاً وازدهاراً.
نعم، على ذلك السائل يجيب أبناء الحياة.
لقد استطاعوا فعلاً أن يُسْقطوا أنطون سعاده جسداً، لكنه أسقطهم من عالم الإنسانية الأخلاقي، عُراةً لفظهم التاريخ وأقصاهم خارج حدود الزمان والمكان.
فبين السقوط جسداً، والإسقاط من عالم الإنساني الأخلاقي بون شاسع. قد تسقط أجسادنا، في معركة الوجود القومي، قوافل شهداء تثرى جيلاً بعد جيل، دفاعاً عن أمتنا سوريانا التي لا ولم ولن نسمح قط بأن تكون لسوانا، كيف لا وهي شرايين دمانا.
أنطون سعاده…
كنت وما زلت وستبقى القدوة لنا، بك نهتدي ودونك نهوي.