كرة الموت المتنقل

عبير حمدان

ترتبط الألعاب الرياضية بالروح المتقبلة لمنطق الربح والخسارة ومن المفترض أن تكون محطة للترفيه والتفاعل على قاعدة حضارية وواعية، لكن في زمن بات الموت فيه رخيصاً يتحوّل مشجعو الفرق الرياضية مقاتلين، كلّ طرف منهم يكدّس متاريسه ويبدأ بإطلاق النار عشوائياً دون حسيب أو رقيب.

ويدخل السلاح الأبيض ضمن المعادلة حين يظهر في الزواريب والأزقة، بحيث تتحوّل اللحظة الغاضبة كارثة فعلية. ويبقى السؤال هل من يسقط قتيلاً وحده الضحية أم أنّ من يحترف القتل بسبب نتيجة خاسرة يمكن وضعه ضمن لائحة الضحايا؟

يستمرّ الحدث الرياضي الأبرز المتمثل بـ «المونديال» في حصد ضحاياه على امتداد المناطق اللبنانية التي تتحوّل كلّ مساء ساحة عراك لا تنتهي ولا يكتفي الجمهور الرياضي العريض بالتراشق الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يصرّ على الخروج من إطار العالم الافتراضي إلى الطرقات لتصبح المادة الإعلامية ضاجّة بالحوادث المتنقلة التي تترك خلفها جرحى وقتلى لا نعلم إنْ كان يصحّ أن نمنحهم صفة «الشهداء»..

هناك الكثير من الأسئلة حول الوعي الاجتماعي لدى شعوب سيطر عليها المنطق الاستهلاكي والتسويق الدعائي، حيث تغفل عن أبرز همومها وتضع تركيزها كله على «كرة» الموت المتنقلة متناسية كلّ الاستحقاقات المصيرية المتصلة بواقعها المزري. وكيف يمكن لشعب يتعلق بكرة تتقاذفها الأرجل ويبدع في «التهييص» تارة و»الشماتة» تارة أن يبني وطناً بلا شوائب!

قد يرى البعض أنّ ما نخطّه ما هو إلا تنظير وعدم دراية منا بأهمية الحدث الرياضي الذي ينتظره العالم كلّ أربع سنوات، وربما قد نتلقى اللوم والعتب على ربطنا بينه وبين الموت، ولكن هل فكر أيّ من هؤلاء المتحمّسين ولو لبرهة بأنّ مشاكلنا اليومية أكبر من تلك الطابة التي تتقاذفها المنتخبات الرياضية العالمية.. وهل أصبح فوز هذا الفريق أو ذاك أكثر أهمية من أزمة النفايات ومياه البحر الممتزجة مع عصارتها؟ وماذا عن ارتفاع أسعار المحروقات، أو التجاذب السياسي بين الأفرقاء حول تشكيل الحكومة الموعودة، ولا ننسى مشكلة البطالة والمؤسسات التي تعلن إفلاسها ويصبح كلّ العاملين فيها في مهبّ التشرّد والعوز.. واللائحة تطول فيما العيون تبقى شاخصة أمام الشاشات الضخمة المنتشرة في المقاهي وعلى الطرقات، وكأنّ هذا الشعب ما هو إلا شخوص آلية تحرّكها الأزرار المتصلة بالأقمار الصناعية، وإلى أن ينقشع غبار الملاعب سيبقى أسير نشوته المستديرة متمسكاً برايات العالم كله على حساب راية وطنه التي من المفترض أن تسمو فوق كلّ ما عداها، خاصة أننا في «تموز» ملك الشهور، حيث أصاب فريق المقاومة الهدف وحصد كأس النصر المبين وبقي الرقم الأصعب في كلّ المعادلات الحسابية.

الروح الرياضية لا تعني أن نزيل من حساباتنا أبرز قضايانا ليصبح همّنا كيف نضرب من يخالفنا في تعلقنا المرضي بفريق رياضي ما على حساب فريق آخر، ولا تعني أن نغرز سكيناً في خاصرة خصمنا في التشجيع، أو نطلق الرصاص عشوائياً ونصيب من يواجهنا في مقتل..

لدينا ما يكفينا من هموم، وأيضاً لدينا إرث غني من الأهداف المباشرة التي ترسّخ وجودنا وتؤكد أننا شعب يمتلك حضارة تتخطى كلّ البطاقات الحمراء التي يحملها حُكام الملاعب وضربات الجزاء والتسابق الإعلامي للحصول على حصرية الحدث، وإنْ لم ندرك قيمة ما نملكه فلن نفقه المعنى الحقيقي للروح الرياضية بعيداً عن منطق الاستهلاك، فهل مَن يقرأ الواقع ويعي أنّ الروح البشرية أغلى من أن يُراق دمها على أرصفة التشجيع العبثي؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى