ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

وعداً يا أمين علي قانصو: لن اتوقف

عرفته منذ اواسط ستينات القرن الماضي، طالباً في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، في الفترة التي عرفت فيها الأمينين مروان فارس ومنى حداد فارس، والرفقاء بطرس مطر، نبوغ نصر، الياس طنوس الخوري، طنوس طعمة، طلال نادر، سعد نصر، ايلان مجدلاني، نجوى نصر، رينيه اسكندر، دوسي منيّر، جبران عواد، جان بستاني، نبيل عوض، جوزف جبران، حاتم بركات، يوسف الشاعر، عبدالله الحاج عبيد، سيمون الديري، ايليا نقولا الشهيد وعشرات العشرات غيرهم في مختلف الجامعات والكليات، الذين تحدثت عنهم في عديد من النبذات. لمن يرغب بالاطلاع اقترح عليه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info، والا الاتصال بنا لتقديم المعلومات المفيدة عن الرفقاء المذكورين آنفاً، او غيرهم ممن نشطوا في تلك السنوات الحلوة من العمل الحزبي في اوساط الطلبة، الذي كنت تحدثت عنه في اكثر من نبذة ، واشار اليه الأمين د. عبدالله سعاده في مذكراته.

منذ ذلك التاريخ وعلاقتي مستمرة بالأمين علي قانصو، وفي كل الظروف الحزبية، ومنها فترة الانقسام الحزبي، حتى اذا التحم الحزب، كنا معاً في مجلس العمد، ضمن الكثير من اواصر المحبة والمودة والاحترام المتبادل.

عندما انتخب رئيساً للحزب عام 1996 اختارني الى جانبه عميداً للداخلية، فتسنى لي ان اعرفه اكثر، خصوصاً اثناء الجولات الحزبية على المناطق في لبنان والشام، لاكتشف فيه قامة حزبية متعددة المواهب والكفاءات، وخطيباً يطرح افكاره بموضوعية ومنطق وتسلسل منهجي.

وكانت لي تجربة اخرى مع الأمين علي في فترة توليه رئاسة الحزب عام 2005 فقد عيّنني في مسؤولية عميد لشؤون عبر الحدود، فعرفته اكثر، واكثر عندما توجهنا سوياً الى باريس لحضور اول مؤتمر لفروع الحزب في اوروبا، فكنت على مقربة منه في اللقاءات السياسية وفي كل تعاطيه مع الرفقاء، لأجد فيه الرئيس المحاور الذي لا ينفعل ولا يتخذ القرارات بتفرّد، ودون مزيد من الدرس، مع حرصه على ان يحيط رفقاءه بالمحبة، ويُشرك معاونيه بالحوار ويستمع الى ارائهم وصولاً الى كسب قناعاتهم، فينفذون القرار بالتفهم والاقتناع، وليس لمجرّد الخضوع للنظام.

كان يلفتني بالرئيس الأمين علي قانصو حرصه الدائم على متابعة تفاصيل العمل الحزبي. كم مرّة كان يتصل بي هاتفياً، وبغيري من العمد، اذا غبتُ لاي سبب طارئ، او تأخرت عن الحضور الى المركز فيما اكون في موعد خارجه، ودائماً يستفسر عن كل امر او موضوع حزبي.

ما زلت اذكر ذلك اليوم من شهر تموز 2006 عندما فاجأني بدخوله الى مكتب العمدة في الطابق العاشر من مركز الحزب، فيما كنت منصرفاً الى تحرير الصادرات، والناموس الرفيقة اروى الى طباعتها، وعلى تأمين الاتصالات الهاتفية مع عدد من الرفقاء المسؤولين.

جلس حضرة الرئيس يستوضح مني اوضاع الفروع، وبعد ان استمع باهتمام، اوضح لي حراجة الوضع المالي ازاء متطلبات الفروع الحزبية في مواجهة العدوان الاسرائيلي.

فيك تجيب مئة الف دولار من فروع عبر الحدود ؟

وتوزعتُ مع الرفيقة اروى الاتصالات الهاتفية، ووجهتُ التعميم تلو التعميم ومعه الصادرات والرسائل.

في ذلك الشهر الحار أمنياً الذي لم انقطع فيه، والرفيقة اروى، عن الحضور الى مركز الحزب، تمكنّت فروع عبر الحدود من تأمين ما يقارب الثلاثماية الف دولار كانت كفيلة بسد ثغرات وحاجات كثيرة.

اللافت في الأمين علي قانصو انه لم يهبط الى اي من مسؤولياته الحزبية بـ الباراشوت ، كما يقال عن الذين يتولون المسؤوليات دون تدرّج او خبرة، فهو بدأ مسيرته الحزبية عضواً في هيئة المديرية، فمديراً، ثم ناظراً، فمنفذاً، فناموساً لمندوبية الجنوب المركزية، فمندوباً ، عميداً في اكثر من عمدة، عضواً في المجلس الاعلى لدورات عديدة، فرئيساً للحزب ثلاث مرات.

فيها كلها كان الأمين علي مشبعاً بخبرته الحزبية الطويلة، الى تميّزه بصفات الصبر والاناة والتواضع واحترام الآخرين، والتعاطي بالسلوكية القومية الاجتماعية مع رفقائه.

بعد ان ابتعدتُ عن كل عمل اداري منصرفاً فقط الى موضوع تاريخ الحزب، كنت التقي الأمين علي في كل زيارة اقوم بها الى رئيس المجلس الاعلى الأمين محمود عبد الخالق الذي تشدني إليه اواصر الصداقة والمحبة منذ ان التقينا في اواخر خمسينات القرن الماضي.

كان الأمين علي يسألني عن موضوع تاريخ الحزب، يثني على ما اقوم به ويشجعني على الاستمرار.

كان رأيه في ما انشر يقدم لي زاداً معنوياً كبيراً، وطالما كنت، لعلاقتي القديمة والوطيدة به، اكشف له ما في اعماقي، وكان يبدي كل اهتمام ويقدم لي الكثير من الدعم المعنوي.

الاتصال الاخير

منذ ما يزيد على ثلاثة اسابيع من رحيله، اتصلت بالأمين علي للاطمئنان. قلت له: انت غال يا أمين علي، ونحن ندرك جيداً حاجة الحزب إليك.

سألني عن موضوع تاريخ الحزب. صارحته اني على وشك التوقف، اذ لم يعد ممكناً الاستمرار في واقع مرير من التغاضي الذي اعاني منه،

ـ أوعى أمين لبيب، صار الي 60 سنة في الحزب كما قال لي عم اقرالك اشيا كثيرة ما كنت بعرفها. أوعى توقف.

تلك كانت كلماته الاخيرة لي.

ايها الأمين الحبيب،

أعدك اني، رغم كل الوجع الذي تعرفه، لن اتوقف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى