هل يدفع نتنياهو الثمن المطلوب؟
رامز مصطفى
بدأ « الإسرائيلي» الخفض من سقف مطالبه التي اعتمدها في خطابه السياسي والإعلامي وحتى العسكري منذ بدء العدوان الكوني على سورية. مَن كان يستمع لقادة الكيان ومحلليه ومراكز أبحاثه مع المراحل الأولى للأحداث التي اندلعت في سورية، كان يدرك مدى الحاجة الإستراتيجية «الإسرائيلية» لسقوط الدولة السورية ورئيسها، والقضاء على جيشها. وهي من أجل ذلك لم تخفِ رغبتها التي تحولت مع سنوات الأوضاع الكارثية في سورية أفعالاً وتدخلاً مباشراً في تعقيد تلك الأوضاع وتسعيرها أملاً في الحصول على هدفها، ألاّ وهو سقوط نظام لطالما كان وسيبقى مصدر قلق استراتيجي لكيان هجين وغريب يعيش في أحشاء منطقة بدأ تمزيقها وهدمها بمعاول ودماء وثروات أبنائها، ليبقى هو السيد والمقرّر في شؤون الرجل المريض النظام الرسمي العربي.
اليوم ومع تغيّر الواقع الميداني وتدحرجه بالانتصارات المتسارعة لصالح الدولة السورية، التي يواصل جيشها وحلفاؤه استعادة مناطق الجنوب السوري إلى كنف الدولة وسيادتها، بدأ الكيان «الإسرائيلي» يغيّر لهجته الاستعلائية وخطابه السياسي والأهداف التي كان قد طرحها، والتي لم تعد خافية. هذا التحول في المواقف «الإسرائيلية» لم يأت بسبب مراجعات وقراءات عبثية، أو لأن هذا الكيان وقادته قد أدركوا أنهم ارتكبوا أخطاء شنيعة ويريدون التكفير عن تلك الأخطاء، بل جاءت نتيجة متغيّرات في وقائع الميدان السوري. لذلك نرى نتنياهو وجوقة حكومته كيف بدأت عملية استبدالها للأهداف في سورية، فبدل إسقاط نظام الرئيس الأسد، تطرح وبالصوت العالي خروج القوات الإيرانية، ودون ذلك فهي الحرب التي لم يعد في مقدورها ضمان نتائجها على غرار ما حصل في حرب تموز عام 2006، التي تحتفي المقاومة في لبنان ونحن معها بذكراها السنوية.
ومن أجل ذاك الهدف المقلق استراتيجياً للولايات المتحدة و«إسرائيل» وعربان التطبيع الخليجي، حطّ نتنياهو في موسكو طالباً تدخل الرئيس بوتين من أجل استخدام نفوذه للضغط أولاً على الرئيس الأسد ومن ثم على إيران لسحب قواتها من سورية، لأن وجودها هناك يمثل تهديداً مباشراً للكيان «الإسرائيلي» وأمنه ولربما وجوده. ونتنياهو ولإبداء حسن النيات المشكوك فيها أصلاً، قد وافق على وصول الجيش السوري إلى المناطق التي كان يتمركز فيها قبل تفجر الأحداث في آذار من العام 2011، وبالتالي تصريحه قبيل مغادرته العاصمة الروسية موسكو: «ليست لدينا أية مشكلة مع نظام الأسد، وعلى مدى 40 عاماً لم يتمّ إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان»، مضيفاً: «أنّ إسرائيل لا تعارض استعادة سيطرة الرئيس الأسد على سورية، حال إبعاد الإيرانيين من البلاد».
اللقاء الذي جمع بوتين ونتنياهو في موسكو، ليس المهم ما حمله الأخير من مطالب وحسب، بل المهم موقف الرئيس الروسي من تلك المطالب؟ وهل من وعود قد أعطيت ومن شأنها أن تبدّد هواجس ومخاوف نتنياهو؟ الأجوبة متروكة إلى ما بعد قمة الرئيسين الروسي والأميركي وما سينتج عنها. ولكن على الجميع ألاّ يغيب عنه أنّ هناك دولة سورية ورئيساً والأحداث التي عاشتها سورية ولا زالت أكدت للقاصي والداني، أن يدقق في حساباته بعد مراجعتها، بمعنى أن لا أحد في مقدوره أن يملي على الرئيس الأسد ما هو متوجب أن يفعله أو يُقدم عليه. وهذا لا يعني أنّ سورية غير ملتزمة مصالح حلفائها، وبما لا يعرّض سيادتها واستقلالها للأذى. وهنا يفرض السؤال نفسه بقوة، إذا كان الهدف «الإسرائيلي» خروج الإيرانيين من سورية، فما هو الثمن المقابل لذلك؟ هل يكفي قول نتنياهو: «ليست لدينا أية مشكلة مع نظام الأسد، وأنّ إسرائيل لا تعارض استعادة سيطرته على سورية»؟ وهو يعرف أنه ليس مقرراً في هذا الشأن. بتقديري أنّ الثمن يتمثل في استعادة الجولان بما فيها ضفاف بحيرة طبرية، حيث كان الجندي السوري يضع قدميه في مياهها، فهل يوافق نتنياهو على دفع الثمن؟