طربيه: لتشكيل حكومة تمسك الملف الاقتصادي بقوة الجميّل: لتشجيع الاستثمار في القطاعات المتطوّرة والمبدعة
برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومعهد المال والحوكمة وبالشراكة مع جمعية الصناعيين اللبنانيين، أقيمت ورشة عمل حول «التطوير والتصدير الصناعي» في معهد التعليم العالي ESA، شارك فيها نائب حاكم مصرف لبنان الدكتور سعد عنداري، رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه ورئيس جمعية الصناعيين الدكتور فادي الجميّل.
الأسعد
افتتح اللقاء بكلمة ترحيبية لمنسق معهد المال والحوكمة هادي الأسعد، اعتبر فيها ان موضوع الورشة هو «شأن اقتصادي وطني بامتياز، يستحق أن تتكتل كلّ الجهود من القطاعين العام والخاص لدعمه وتعزيزه لما فيه المنفعة الخاصة للمؤسسات الصناعية وبالتالي للقطاع الصناعي بأجمعه وللاقتصاد الوطني»، لافتاً إلى أنّ «المصرف المركزي أصدر تعميماً يحمل الرقم 469 يحفز من خلاله المصارف العاملة لدعم الصناعيين، وأنّ هذه المبادرة التي يقوم بها معهد المال والحوكمة في لبنان هي خطوة من ضمن سلسلة خطوات قام وسيقوم بها للإضاءة على مكامن القوّة في اقتصادنا والترويج لها وتعزيزها».
الجميّل
من جهته، قال الجميّل: «إنه لقاء الأقوياء يجمع مصرف لبنان، المصارف اللبنانية والصناعيين اللبنانيين في حرم جامعي يضمّ أيضاً قوّة لبنان الأكيدة شبابنا المتميّز. مصرف لبنان هو عنوان الثقة ليس فقط بالعملة الوطنية بل أيضاً بالاقتصاد اللبناني. وإننا نثني على الدور المميّز الذي قام به مصرف لبنان في الحفاظ على ثبات الليرة على المدى الطويل مما عزّز الثقة بلبنان وباقتصاده عموماً. أما المصارف اللبنانية فشكلت صرحاً اقتصادياً جباراً، بعدما وصلت موجوداتها الى 236 مليار دولار ما سهّل التعاطي مع الخارج وجعلها تحافظ دوماً على أفضل العلاقات مع المؤسسات الدولية، وسعيهم إلى الإفادة من هذه الطاقات اللبنانية».
واعتبر «أنّ انتشار المصارف اللبنانية في كلّ دول العالم هو مصدر فخر لنا ومصدر قوة للبنان ولاقتصاده. وتواجد مصارفنا في أوروبا وأميركا واستراليا لا يعزز فقط صورة لبنان إنما يشكل قوة اقتصادية كبيرة نعتز بها. ونحن نطمح لمزيد من التعاون مع مصارفنا لنكبّر اقتصادنا أكثر ونحقق معا مزيداً من النجاحات».
أضاف: «نعم إنّ الصناعة اللبنانية قادرة أن تكبر وتتوسّع بفضل القدرات التي يتمتع بها الصناعي اللبناني، وجودة المنتجات اللبنانية التي يقدّمها والتي تتطابق مع المواصفات العالمية. لكن هذه النجاحات تخفي وراءها كمّاً من معاناة الصناعيين زادت مع بداية الأزمة السورية وتدفق النازحين السوريين الى لبنان الذين نقلوا معهم مصانعهم الى لبنان لينافسونا في غياب تكافؤ الفرص في ما بيننا ببساطة لأنهم يعملون بطرق غير شرعية. وتفاقمت أزمات القطاع مع إقفال معبر نصيب في العام 2015 باب لبنان الرئيسي إلى الدول العربية والخليج فتراجع معها التصدير بشكل دراماتيكي، فتخطت خسائرنا المليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد استبشرنا خيراً بأن يُعاد العمل على الخط البري مع الحديث عن إعادة فتح معبر نصيب مجدّدا».
وأشار إلى «أنّ التحديات والصعاب التي نواجهها تثقل كاهلنا، من الإغراق الذي نتعرّض له الى المنافسة غير المتكافئة من بلدان تقدّم كلّ الدعم والتسهيلات لصناعييها، ورغم ذلك نواجه ونصمد من دون ان نلقى بعد أيّ دعم في الأكلاف على غرار ما تقدّمه كلّ دول العالم لصناعييها. لكن ما يعزينا انّ للصناعيين طاقات أكيدة ورغبة بالصمود رغم كلّ الصعاب فهل يجوز ان يبقى ناتجنا الوطني 52 مليار دولار بينما لدينا طاقات تفوق 236 مليار دولار ولدينا طاقة بشرية واقتصادية لا مثيل لها. لم يعد مسموحاً اليوم ان يبقى الصناعي اللبناني، الذي سطّر نجاحات حول العالم وتمكن من الولوج الى الأسواق الأكثر تطلباً وتشدّداً، يصارع وحيداً في بلده الأم».
وتابع: «تجاه كلّ هذه القوة الموجودة، لا يمكننا إلا أن نطمح بأن يكون لدينا اقتصاد أكبر ولا شك أننا قادرون على ذلك، خصوصاً إذا ما توفرت لنا بعض المطالب الآنية، منها: عدم تجميد السيولة في ظلّ هذه الأوضاع، تمويل المؤسسات الصغرى، توفير آلية لمساندة المؤسسات الصناعية المتعثرة والواعدة، وتسهيل التمويل بفائدة منخفضة وثابتة مع مؤسسات دولية. أما مطالبنا على المدى المتوسط فتتمثل بتشجيع الاستثمار في القطاعات الصناعية المتطورة والمبدعة والسماح لمصارف الأعمال بالاستثمار في الصناعة».
وختم الجميّل: «من جانبنا، نحن نعمل على رفع صادراتنا لتعويض ما خسرناه في السنوات الماضية، لذا نتواصل مع كافة القطاعات الصناعية لوضع رؤية وخطة عمل تهدف الى مضاعفة حجم صادراتها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة ونتعاون مع CIPE و LCPS و Fair Trade Lebanon ونطمح إلى فتح أسواق جديدة وتوسيع أسواقنا في كلّ من أميركا وأوروبا الى جانب الحفاظ على أسواقنا التقليدية».
طربيه
بدوره، أشاد طربيه بورشة العمل هذه والتي تهدف الى «البحث في سبل إعادة الحيوية إلى قطاع جوهري لحق به الإهمال لفترة طويلة من الزمن، ألا وهو القطاع الصناعي». وقال: «يمرّ الاقتصاد اللبناني حالياً بمرحلة تحديات متعدّدة. ويأتي القطاع الصناعي في مقدمة القطاعات التي تحتاج إلى إنهاض كما يتبيّن من خلال الإنخفاض بنسبة 19.81 في المئة في عدد قرارات الترخيص الصناعية الممنوحة لإنشاء معامل أو لغايات استثمارية أو للغرضين معاً إلى 421 رخصة خلال العام 2017، إلى جانب التراجع المستمرّ في الصادرات الصناعية اللبنانية خلال الأعوام القليلة المنصرمة».
ودعا إلى «الانطلاق في المشاريع الإصلاحية التي طال انتظارها بهدف إنعاش الحركة الإقتصادية»، مشدّداً على أهمية «الإلتفات إلى القطاع الصناعي لتنويع الاقتصاد اللبناني الذي يرتكز بغالبيته على قطاع الخدمات».
وناشد «الحكومة العتيدة وضع خطة إنقاذية للقطاع الصناعي»، مشدّداً على «أنّ أول بند في هذه الخطة هو الجواب على السؤال الأساسي: أيّ صناعة نريد، وهل هي تقليدية أو حديثة، ذات قيمة مضافة، توفرها قدرات الموارد البشرية اللبنانية وكفاءاتها، صديقة للبيئة، تحترم خصائص لبنان المناخية والصحية. والبند التالي للخطة هو السعي الى خلق قدرات تصديرية، مع ما تتطلبه من حوافز ومواصفات تلبية لشعار جمعية الصناعيين القائل: نصدّر أو نموت».
ورأى «أنّ الخطة يجب أن تتضمّن تقديم إعفاءات ضريبية وتحفيزات للصناعيين، بما فيها تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية المستوردة بهدف التصنيع، وإلغاء بعض الرسوم الأخرى ذات المردود المنخفض للدولة، وغيرها»، داعياً «السلطات المعنية إلى تحفيز الاستثمارات الجديدة في القطاع الصناعي التي يموّلها القطاع الخاص ومساعدته على تأمين سبل التمويل الميسّر لها، إضافة إلى إزالة العوائق والحواجِز البيروقراطية أمام الاستثمارات المماثلة».
وأمل طربيه «أن نرى تطوّرات جذرية في قطاع الكهرباء وتحسّناً في جودة وعدد ساعات التغذية الكهربائية على كافة الأراضي اللبنانية، الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على كلفة وفعالية الإنتاج الصناعي».
وأكد ضرورة «أن تستمرّ الدولة اللبنانية في دعم تكلفة الكيلواط الذي تتكبّده المصانع اللبنانية بهدف تخفيض كلفة الإنتاج لجعل منتجاتها أكثر تنافسية في السوقين المحلي والخارجي».
وتابع: «على السلطات اللبنانية العمل على حماية الصناعة الوطنية، وخاصة في ظلّ المنافسة الشرسة التي تلقاها المنتجات الوطنية من قبل المنتجات الأجنبية الزهيدة السعر، وذلك عبر رفع الرسوم الجمركية على مثل هذه المنتجات المستوردة، إضافة إلى مكافحة التجارة غير المشروعة للبضائع الأجنبية التي يتمّ تسريبها إلى البلاد وتهريبها من الرسوم الجمركية. كذلك على السلطات اللبنانية نشر التوعية بين اللبنانيين حول أهمية تشجيع المنتجات المحلية، أكان عبر حملات إعلامية مكثَفة أو غيرها من السبل الفعّالة».
كما أكد وجوب «الاستمرار في البحث عن سبل بديلة لتصدير المنتجات اللبنانية، خاصة مع استمرار مخاطر النقل البري في ظلّ التوترات التي لا تزال قائمة حالياً في سورية، والتي كانت تشكل المعبر الرئيسي للصادرات اللبنانية. ويتضمّن ذلك تأمين الدعم لحركة التصدير عبر البحر، بالإضافة إلى إبرام إتفاقيات جديدة بهدف إيجاد أسواق بديلة واعدة لتصريف البضائع اللبنانية. كذلك يجب أن تسعى الحكومة الجديدة إلى تفعيل آليات التعاون التنموي بين كافة الدول العربية، وذلك عبر إبرام إتفاقيات ثنائية للتبادل التجاري مع دول المنطقة والعمل على تطبيقها واحترامها».
ثم توقف طربيه بإيجاز عند «بعض أحدث المعطيات الخاصة بالقطاع المصرفي والمالي في لبنان الذي يشكل قاطرة النمو الاقتصادي لكلّ القطاعات، وفي مقدّمها القطاع الصناعي الذي يحتاج دائماً، بالإضافة الى التحديث التكنولوجي، الى تأمين التمويل اللازم لاستثماراته واستمراريته».
وقال: «يستمرّ قطاعنا المصرفي في أدائه الجيد، ملتزماً أحدث المعايير والمتطلبات الدولية مما يضعه ضمن الصفوف المصرفية المتقدّمة في العالم سواء كان ذلك من ناحية المهارات والخبرات البشرية، ام من ناحية الاستثمار في التكنولوجيا. وتواصل مصارفنا زيادة متانة مراكزها المالية، فقد وصل إجمالي رساميل المصارف اللبنانية الى نحو 21 مليار دولار منتصف هذا العام، بوتيرة نمو تواصلية تقارب 12 في المئة. ووصل الحجم الإجمالي للأصول المدارة الى نحو 233 مليار دولار، أيّ ما يماثل نحو 400 في المئة الناتج المحلي. انّ حجم تسليفاتنا للقطاع الخاص يقارب 60 مليار دولار، منها نحو 55 مليار دولار للقطاع الخاص المحلي، أيّ ما يوازي ويزيد عن اجمالي الناتج. الأهمّ أننا نملك الفوائض المالية القابلة للتوظيف في مشاريع وتمويلات مجدية في لبنان».
أضاف: «زادت قاعدة الودائع لدى مصارفنا عن 177 مليار دولار، ورغم كلّ المعوقات المعروفة داخلياً وإقليمياً تحتفظ مصارفنا بقدرات مهنية وشبكات علاقات راسخة تكفل لها جذب المزيد من الودائع والتوظيفات وتحقيق معدلات نمو مقبولة جداً تراوح بين 5 و 6 في المئة سنوياً. وتؤكد أبرز وكالات التصنيف الدولية انّ مصارفنا قادرة على الإستمرار في جذب الودائع، لتساهم بذلك في سدّ العجز في كلّ من الموازنة والميزان الجاري وفي المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد».
ودعا إلى «تسريع انتظام العمل الحكومي وبدء تنفيذ التزامات مؤتمر سيدر1، الضامنة لانسياب التزامات مالية دولية تزيد عن 11 مليار دولار. كما انّ وضع خطة ماكينزي قيد التطبيق يعطي حيّزاً جيداً للقطاع الصناعي وتساعد في نموه».
كما دعا إلى «خفض التوترات السياسية وتسريع تأليف حكومة تعبّر عن طموحات الأجيال الصاعدة وتمسك بقوة الملف الاقتصادي، من أجل عودة الاقتصاد الى النمو بمعدلات متقدّمة وخلق فرص عمل تساعد على الحدّ من هجرة الشباب».