عين العرب حالة خاصة

ثائر أحمد ابراهيم

همّ جديدٌ أرادت سيدة الشرّ في العالم إضافتهُ إلى هموم الجيش المقاوم المعتقِد بقدسية كلّ شبر من أرض الجمهورية المقاومة، وإشغالٌ آخرٌ يزيد أزمة الوطن ليزيد أعباءه ويربك نظرة المقاومين فيه إلى بعض أرضٍ لا يفرّقونها عن كامل الأرض المقدسة الواجب الذود عنها وحمايتها من أطماع الغازين.

أساسية من أساسيات التكتيك الأميركي المتبع لإرهاق جيش العروبة، واستنزاف قدراته القتالية التي لم تخبُ نجاحاتها البادية في دقة مواقيت انتصاراته، وتمكين عصابات الوهابية التلمودية من الاستمرار في تشتيت قوة الدولة السورية وإضعافها استكمالاً لإنجاز وهمِ التقسيم المأمول التحقق فيما لو وصلت الدولة المقاومة إلى مستوى الإنهاك المُرغم لها على التنازل والاستسلام.

إنه منهج ثابتٌ متبعٌ لإظهار الدولة المقاومة بمظهر العاجزة عن ضمان سيادتها والفاشلة في تأمين مقومات بقائها، وما عين العرب المشتغل عليها إعلامياً وسياسياً في مطابخ إعلام الإجرام الوهابي الممسوك صهيونياً لتكريس ظهورها المتنامي كبرزخ جغرافي وسياسي منفصل معزول عن الأرض الأم، إلا نواةٌ مشرعةٌ لتحقيق النقلة المطلوبة في وهم التقسيم الذي تستميت سيدة الشر لإنجازه بأسرع وقتٍ، إيفاءً بعهدها لشعبٍ قام على كذبة النخبة المختارة من رب العباد حتى يكون كيانُ احتوائهِ الأكبر مساحة والأكثر قوة وأمناً، ضمن نطاقٍ بشريٍ وجغرافي معادٍ لكلّ مكوناته السرطانية.

إنها المدينة المراد لها أن تمثّل الحالة الخاصة لحيّز خالٍ من مظاهر قيام الدولة المقاومة، والأرضُ الصالحةُ لإنشاء دولةٍ سوريةٍ جديدة مختلفة بعقيدتها وتبعيتها ومكوناتها عن الدولة السورية المقاومة القائمة.

هكذا يكون الإنجاز الأميركي مذهلاً إذا ما تمخض تشريحاً لأرض الدولة المعتدى على حرماتها، وتظهيراً لاقتطاعات جغرافيةٍ مستقلةٍ تفضي إلى استمرار الحريق الوطني، وتستنزفُ طاقاتِ جميع أبنائها.

أمور تفسّرُ تصريحات أوباما التي أراد منها غطاءً يُجمّلُ كذبه المتواصل على الأميركيين والأوربيين على حدّ سواء، فكلامه عن تقصير مخابراته وأخطائها في تقدير قوة التنظيم الإرهابي المزعوم، لم يكن طعناً في قدرة الاستخبارات الأميركية كما ظنّ البعض، بل ليؤلب الرأي العالمي ويقنعه بأنّ ما يجري فوق الأرض السورية حربٌ يُحال حسمها بالضربات الجوية، وأنّ التدخل البري بالعنصر البشري أمر حتمي للنصر على الغول الآتي من العدم كي يبتلع أوروبا وأميركا إذا ما تراختا في تحريك قواهما لاكتساحه و تدميره، وليُوضع العالم أمام الخيارات المرة التي لا يمكن رفضها، فقتال يؤدّونه بدماء غيرهم يضمن حفظ دماء أبنائهم أفضل بألف مرة من قتال يؤدّونه بأيديهم ويهدر دماء أبنائهم، ووقتها لن يكون هناك فرق فيما لو كانت القوة البشرية المنتحرة على بوابات عرين العروبة الأزلي تركية عثمانية أو كردية انفصالية أو سورية أكسيت صفة الاعتدال المسلّح.

ولأنه لا شيء صعباً على أميركا، فانتصار الإرهاب في عين العرب سيكون فعلاً مجدياً لدقّ أجراس الرعب في عقول الأوروبيين من الخطر الواصل حتى حدود الدولة الجارة لهم، وتقديم جائزة مجزية يسيل لعاب سلطان الفتح العثماني لها، سيكون نافعاً لإقناعه ببيع مبادئه المزعومة وتخليه عن قلقه من فقد شرعية حازها بدعمه عصابات البغدادي، وجعلت منه قائداً بديلاً من الإسلاموية الوهابية السعودية، إذا ما أعلن دعمه التحالف الأميركي الاستعراضي.

جائزة مضمونها أمل الإطاحة بكلّ وجود كردي مهدّد لوجود السلطنة المستقبلية، وتَمدُد برّي يعيد إلى السلطان عرش الأرض التي سلبها من الرجل المريض حلفاء اليوم مطلع القرن الماضي، هي صفقة لن يقاومها إلا تماسك الدولة السورية وتكاتف المحور المقاوم المدعوم بحلفائه الإنسانيين.

ولتظهر بناء على ذلك حاجة المقاومين لتنشيط خططهم البديلة الصادة للتكتيك الأميركي المجنون، ولتظهر معها حاجة أميركية ملحة لخلخلة الترابط المقروء عقائدياً ومصلحياً واستراتيجياً بين أبناء المحور الواحد من جهة وبين حلفائه من جهة ثانية، عن طريق بث الفتن والإشاعات التي تضعف ثقة جميعهم ببعضهم، طمعاً في إعادة الأمور إلى نقطة بداية الأزمة التي طال أمدها.

هكذا تستمرّ حكاية الحالة الخاصة، فمعلومات شحيحة واردة من داخل مدينة عين العرب لا تروي عطش مريدي الحقيقة، ستسهّل على كلّ أفّاق إشاعة الأضاليل باسم أبنائها خارج المدينة من دون مدقق أو محقق من هوية مُصدِّر الأوامر الدافع بأولئك في واجهات الإعلام المتورّط لدسّ سموم التقسيم في مقادير الدواء المقدمة.

انفصاليون ومنشقون ومتآمرون غايتهم تثبيت تسميات أحدثت لأجلهم كوزراء ومسؤولين عسكريين وسياسيين ضمن مكاسب متنوّعة وُعِدوا بها إذا ما أفضى حراكهم إلى واقع جديد تكرّسه مناطق الحكم الذاتي كتجربة نتاجها دحر الإرهاب الداعشي والخلاص من بطش مزعوم لنظام منكوب ببعض أبنائه.

حركة خبيثة لتفتيت الدولة وتدمير نظمها بتهييج أبنائها ضدّ بعضهم بعضاً بذرائع المناطقية والعرقية والطائفية، تعيها الدولة المقاومة ولا تهادن في التعامل معها كحالة إرهابية.

ولا براءة لأحد بعد هذا، فالدولة السورية توقن أنّ أكبر المصائب المهدّدة لوجود الأمم يكمن في تصدّع روابط الإنسانية بين أبنائها لحسابات تغليب أحقية أفعال بعض المجاميع منهم في مواجهة المجاميع البقية.

والدولة السورية تدرك تماماً أنّ سلاح الفتنة الداخلية المخرّب يحقق انهياراً بنيوياً يعجز عن تحقيقه كلّ أسلحة الدمار الأخرى، خصوصاً إذا كانت أحوال الدولة قد رست على اصطفافات متقابلة متناحرة لعموم أبنائها المؤيدين والمعادين لوجودها، وهي تتفهّم جيداً أنّ الخطة المقبلة لتدميرها قائمة على اشتغال أعدائها بتمزيق ما بقي موحداً جامعاً بين أبنائها، معززة باشتغال يمزق أراضيها تحضيراً لجولة طويلة جديدة من عراك يقضي على ما تبقى من مقوّمات وجودها.

لذا فإنّ الدولة السورية التي تريّثت في الردّ على جنون بعض أبنائها مستغرقة كثيراً من دمها المدخر في نزف موجع، رغبة منها في كشف الغمامة عن أعين المضللين منهم ومن غيرهم داخل الدولة وخارجها ولتمكنهم من تبيّن حقيقية ما يجري من مؤامرة دبّرت بإحكام، لا لإسقاط رئيس الدولة أو تغيير نظام الحكم فيها بل لإنهاء وجودها وإزالة حضارتها واجتثاث جذورها وقتل عقولها وتدمير قدراتها والقضاء على كلّ طموح مشروع في إفادة الإنسانية من رسالتها الحضارية، تدرك أنّ واجبها إنْ لم تكن قادرة على تجنّب الصدام مع أعدائها هو في منعهم عن تكثير تحالفاتهم ضدّها، ولا سيما ذلك الشق المكوّن من تحالفات أعدائها مع العاقّين داخل بيتها، ولهذا كانت المصالحات الوطنية وكان الحوار الحقيقي بين أبنائها سلاحاً يبلسم الجراح وينشط قدرة المقاومين ويريحهم في رصف صفوفهم لأجل نصرة الحق الذي تمثله الدولة المقاومة.

ويبقى سؤال مقلق يسيطر على هواجس الجميع لمعرفة ماذا يخبّئ الغد وكيف يكون الحلّ وماذا يكون العمل؟

لنؤكد بعيداً من وجدانيات التفاؤل أنّ الجواب الأصدق، هو الآتي مع هزيم بنادق المقاومين المقدسين وفي قصف خطواتهم الزاحفة كموج بحر متمدّد فوق بساط صخري يكتسح المبعثرات من الحصى غير آبه بكثرتها ولا هيّاب لجرفها، ليعود تراب الأرض موحداً طاهراً، وليبقى الجيش السوري الدواء الأنجع لكلّ داء اسمه إرهاب ومعدنه خيانة وشكله غدر وغايته منفعة وتوجهاته انفصال، ولتبقى إرادة السوريين في تحقيق النصر الشامل والنهوض بدولتهم الحرة الموحدة شعباً وأرضاً غالبة من بعد إرادة الخالق على إرادة أميركا وزبانيتها.

محام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى