«آسوشيتد برس»: آخر تطورات الحرب التجارية بين أميركا والصين
بجرأة صرَّح ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية عن سهولة الفوز في حرب تجارية. الآن يوشك أن يختبر الأمر. قررت إدارة ترامب يوم الجمعة أن تبدأ بفرض رسوم جمركية على 34 مليار دولار من الواردات الصينية، فوعدت الصينُ بردٍ فوري برسوم جمركية مُضادة ومُساوية، تُفرض على الصادرات الأميركية للصين.
بهذه البساطة تبدأ حرب تجارية سهلة الاشتعال وشديدة الخطورة بين أكبر اقتصادين في العالم. المحامي التجاري آشلي كريغيصوّر المشهد بقوله: «أرانا نهوي في مسار تصادمي في غضون أيام قليلة». في هذا التقرير الذي نشرته وكالة «آسوشيتد برس» الأميركية، يعرضُ بول وايزمان القصة الكاملة للحرب الاقتصادية المُوشكة بين الصين وأميركا: ما الذي يحدث؟ وما الآثار المحتملة؟
ماذا تفعل الولايات المتحدة؟
أعلن البيت الأبيض الشهر الماضي عن خطط لفرض 25 في المئة رسوماً جمركية على 1100 نوع بضائع مُستوردة من الصين، ما ستكون قيمته 50 مليار دولار سنوياً. قُدّمت الخطة أصلاً في نيسان على أن تُفرض الرسوم على 1333 منتجاً صينيّاً، وبعد الاستماع لاقتراحات الناس أزالت الإدارة 515 منتجاً من القائمة السوداء وأضافت 284 بدلاً منها.
فرضت الرسوم الجمركية منذ يوم الجمعة على 818 منتجاً صينياً من القائمة الأوليّة بقيمة 34 مليار دولار سنوياً، ولن يبدأ استهداف الـ284 منتجاً المتبقية قيمتها 16 مليار دولار- حتّى حصول الإدارة على مزيدٍ من آراء وتعليقات الناس.
1. كيف تستجيب الصين؟
حذَّرت الصين أنها لن تستجيب لضغط ترامب. وصرَّحت بكين رسمياً: متى ما طُبقت الرسوم الأميركية سنفرض 25 في المئة رسوماً على 545 منتجاً أميركياً قيمتها 34 مليار دولار سنوياً. قائمةٌ تبدأ من فول الصويا والكركند إلى السيارات الرياضية الفارهة والويسكي. وتُخطط الصين لفرض الرسوم الجمركية على 114 منتجاً آخر قيمتها أيضاً 16 مليار دولار سنوياً-.
قائمةُ الصين المُستهدفة كثيفةٌ على القطاع الزراعي الأميركي. هذه القائمة ليست عشوائية: يُقصد بها أن تؤذي المزارعين الأميركيين الذين أيّدوا ترامب في انتخابات 2016 مُمثّلين مصالحهم بأعضاء مجموعات ضغط قوية وأعضاء في الكونغرس الأميركي. لم يكتفِ ترامب بذلك، وبدأ بالسعي لفرض رسوم أخرى يعتقدُ أنها ستُخضع بكين إن لم «تُصلح اقتصادها» وإن استجابت بالمثل، ولذا أخبر الممثل التجاري للولايات المتحدة بأن يحدد 200 مليار دولار من البضائع الصينية عائد ضريبة 10 في المئة. أكثر من ذلك: هدّد ترامب بفرض ضرائب أخرى بنفس القيمة، 200 مليار دولار على منتجات صينية إذا لم تتراجع الصين.
2. ما سياق القصة؟
اتهمت إدارة ترامب الصين بممارسة تكتيكات افتراسيّة متجاوزة للقانون للاستحواذ على السيطرة الأميركية تكنولوجياً. يتحدثُ المسؤولون الأميركيّون عن خطة بكين التطويرية «صُنع في الصين 2025» التي تدعو لإنشاء كيانات صينيّة قوية في مجالات تقنية المعلومات والروبوتات، ومعدات الطيران والسيارات الكهربائية والصيدلة البيولوجية.
تشتكي مجموعات الأعمال الأجنبيّة من الخطة، ويعتبرون أنها تدفعهم بشكل ظالم إلى هامش هذه الصناعات.
أجرى مكتب الممثل التجاري لأميركا في الصين تحقيقاً كانت نتيجته أنَّ الصين تستخدم تكتيكات مختلفة، من مطالبة الشركات الأميركية والأجنبيّة بتسليم تقنياتها مُقابل فتح السوق الصيني الكبير لها، إلى الاختراق والسرقة الإلكترونية الواضحة. وأكَّدت الولايات المتحدة أن شركات صينية خاصة تشتري تقنيات بكلف باهظة لا تستطيع شركة خاصة تحمّلها إلا أن تكون أموالها من الدولة. في أيّار أعلن البيت الأبيض عن خطة تفرض قيوداً على الاستثمار الصيني في التكنولوجيا الأميركيّة منذ 30 حزيران على أن تطبق القيود بعد ذلك التاريخ بوقت قصير، ثمَّ سُحبت الخطة.
3. ماذا حدث للقيود الاستثمارية؟
تراجع البيت الأبيض نحو خطة أقل عدائية: ستدعم الإدارة جهوداً في الكونغرس لتقوية مراجعات الاستثمارات الأجنبية، تحت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة «CFIUS». يقود اللجنة وزير الخزانة، وتُراجع الاستثمارات الأجنبية من منظور إذا ما كانت تضرُّ بالأمن القومي الأميركي. المراجعة ليست مُنحصرة بالصين وإنما لجميع البلدان، ومراجعة كل بلد تتم على حِدَة.
وافق مجلس النواب على مشروع قانون يعزّز القانون الأول لـ«CFIUS»، ويُحتمل أن يُوافق على القانون بمؤتمر مشترك، بين النواب والكونغرس، للحصول على موافقة الشيوخ على الإجراء الدفاعي.
4. ما النتائج المتوقعة عن الحرب التجارية؟
الدفعة الأولى من الرسوم لن تسبب إلا أذى قليلاً للولايات المتحدة والصين أو الاقتصاد العالمي، ولكن تصاعد الأمور قد ينشر الضرر ويعمقه. حذَّر اقتصادي في «Merrill Lynch» من نتيجة حرب اقتصادية كاملة تستمرُ لعامٍ كامل: سيتباطأ الاقتصاد الأميركي، وستُضر سلاسل التوزيع وستهتزّ ثقة قطاع الأعمال مع تزايد الارتباك وعدم الوضوح. وقوع حرب تجاريّة دفع «الاقتصاد نحو ركود تام» ومغامرةٌ بتوسّع الاقتصاد الأميركي. العديد من شركات الأفراد قد تواجه صعوبةً في القريب العاجل. ولكن فلننظر إلى مزارعي فول الصويا الأميركان الذين يرسلون 60 في المئة من صادراتهم إلى الصين التي أصبحت مُقيدةً الآن بالرسوم الصينية، 25 في المئة، وهذا سينعكسُ في ارتفاع السعر بأثر فوري في السوق الصينيّة.
خطوة إلى الأمام: قد تتسبب رسوم ترامب بضرر للمصنعين الأميركيين. وفقاً لحسابات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، 8 في المئة من المنتجات الصينية التي ستتضرر بالرسوم المبدئية الجديدة، هي منتجات تستخدم كآلات وعناصر لإخراج المنتج النهائي في المصانع الأميركيّة. والنتيجة الأخيرة: على المصنعين الأميركيين أن يدفعوا أكثر للوصول إلى نفس الأدوات والمواد، ما سيُضعف موقفهم التنافسي مع المنافسين الأجانب.
5. أليست الولايات المتحدة في مناوشات مع شركاء تجاريين آخرين؟
نعم. ترامب يُقاتل تقريباً- في كافة الاتجاهات. فرضَ على الفولاذ والألمنيوم المستورد رسوماً انتقاميّة من حلفاء أميركا: كندا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي. وهدّد الرئيس بفرض رسوم أخرى على السيارات المستوردة وقطعها بحجّة أن فيها تهديداً للأمن القومي. والآن يضغطُ على كندا والمكسيك لإعادة كتابة اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا، «نافتا»، بهدف نقل إنتاج السيارات إلى الولايات المتحدة ولتشجيع الاستثمارات على الانتقال من المكسيك إلى أميركا. التصنيع في المكسيك بأيدٍ مكسيكية يُقلل كلف الإنتاج ويُخفّض سعر المنتج النهائي عند وصوله ليد المستهلك الأميركي.
قد يُضيّع ترامب فرصة تكوين تحالف يواجه الصين بمناوشاته مع أصدقاء أميركا، وفي النهاية، أوروبا واليابان ودولٌ غنية أخرى لديهم جميعاً نفس الشكوى الأميركية عن سلوكيات الصين التجارية.
6. احتمالات الهدنة والسلام
هل السلام مُحتملٌ الآن؟ ربما، يُتابع وايزمان بجواب متردد عن استمرار الحرب أو توقفها. في أيّار صرّح وزير الخزانة ستيفن منوشين أن الحرب التجارية «مُعلَّقة». علَّقت إدارة ترامب فرض الرسوم بعد أن وافقت بكين على زيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية، منتجات الطاقة والزراعة بشكل خاص. على أن تكون زيادة المشتريات سبباً في انكماش الفائض في كفّة الصين في الميزان التجاري المشترك بين البلدين أي أن تساوي وارداتها لأميركا صادراتها. ولكن الهدنة انتهت سريعاً واعتبر النقاد التزامات الصين «غامضة» وقرر ترامب المتابعة في الرسوم.
لاري كودلو، أرفع مستشار اقتصادي في البيت الأبيض، قال إن البلدين «على تواصل»، مع عدم صدور أيّ تصريح رسمي عن مفاوضات. ترامب شخصياً في مقابلة على «فوكس نيوز» صرَّح أن «الصين تريد عقد صفقة وأنا أريد كذلك. لكن يجب أن تكون صفقة عادلةً لهذا البلد أميركا-.
7. حروب تجارية سابقة؟
عليك العودة إلى ثلاثينيات القرن الماضي لتجد شيئاً عن عداوة الولايات المتحدة مع أهم شركائها التجاريين حالياً. أثناء الكساد العظيم عديدٌ من البلدان، بما فيها أميركا، أغلقت أبوابها أمام الواردات الخارجيّة، وأيّ تراجع في التجارة العالمية من المُحتمل أن يُعمّق الكساد. ثمَّ تبع ذلك صراعات تجارية أقل حِدَّة. فرضَ الرئيس رونالد ريغان رسوماً قيمتها 300 مليون دولار على اليابان في نزاع حول قطاع أشباه الموصلات وليجبر طوكيو المسلحة بقوّة بقبول قيود على تصدير السيارات إلى الولايات المتحدة.
في 2002 فرضَ الرئيس جورج بوش رسوماً على الفولاذ الصيني، فأدّى ارتفاع أسعاره إلى تصعيد السعر في كل السلسلة: المصانع المنتجة للفولاذ في الولايات المتحدة رفعت أسعارها، وارتفعت الكلفة بذلك على الشركات التي تشتريه فدُفعت إلى تعويض الارتفاع بتخفيض النفقات الأخرى، ويُعتقد أن النتيجة النهائية جاءت عبر خسارة عدد كبير من الوظائف.
حربٌ أخرى في 2009، عندما فرض أوباما رسوماً جمركية على الإطارات الصينيّة، معتبراً أن زيادةً في واردات الإطارات تؤذي صناعتها الداخلية في أميركا. الصين ردَّت بالمثل وفرضت ضرائب تصل إلى 105 في المئة على أقدام الدجاج الأميركية، وهي أكلةٌ مُحببة في الصين. معهدُ بيترسون للاقتصاد الدولي وجدَ أن رسوم أوباما حافظت على 1200 وظيفة في قطاع الإطارات، ولكن المستهلكين دفعوا 900 ألف دولار على الإطارات باهظة الثمن للحفاظ على كل وظيفة.