ورد وشوك
في حضرة انشغال مَن حولي من الأهل والأصدقاء في تدبير أمور فتيتهم الأعزاء لحجز مقاعد لهم في محارب العلم الخاصة التي تحفل اليوم بأسماء رنّانة طنّانة بعد أن سادتها الحضارة بما فيها من مظاهر العولمة والحداثة بكل ما فيها من بريق… أخذني الحنين لبساطة مدرستي الابتدائية تابعة لوزارة التربية والتعليم، ما يعني أنها مجانية لباحتها يفترش الأرض الياسمين وتعرّش بدلع على أسوارها أغصاني المجنونة بعشوائية وتقف في وسطها شجرة الكباد شامخة بحملها الكثيف تملأ صفوفها المقاعد الخشبية ولوح على الحائط أخضر فسيح، كنا كل صباح نزينه بكتابة حكمة سمعناها بتواتر عن الأولين فيها من العبر الكثير… حوله على الأرض يرتاح غبار الطبشور مولداً علماً ومعرفة واحتراماً من الصغير للكبير، وعطفاً على الصغير من الكبير… كانت مدرستي في حي عريق أنيق تطل من جهة على نوافذ دير صغير أسترق النظر كل أحد على المصلين بعد سماع قرع الأجراس بلحنها الجميل. وفي الطرف الآخر مسجد كان ظهراً يصدح منه صوت المؤذن الشجي ما يعني أننا اقتربنا من نهاية اليوم المدرسي… سنغادر ذرافات منصرفين على أمل اللقاء. في الغد القريب سنلتقي أستاذ الألعاب الرياضية وكذلك مدرّسة الرسم والموسيقى ولا أنسى حبي الكبير لمدرسة اللغة الانجليزية مادة تميزت بها عن أترابي إضافة للغة العربية… لا أنسى كيف أمي اشترت لي أقراطاً ذهبية بحبة لولؤية هدية تشجيعية، لأنني أخذت العلامة التامة. وكنت في الأولية وهي ما زالت ليومي هذا تجمل أذنيّ. ما استبدلتها ولا حتى بالأكسسوارات العصرية. مكتب أمي يجاور مدرستي، بالقرب منه مكتبة العم أبو سعيد أقصدها بصحبة أصدقائي كل يوم، بحجة أنني سآخذ الصحف اليومية وبعض المجلات كالعربي والمختار وزهرة الخليج والأهم عندي أنني سأنتقي بعض الصور والملصقات وأكياس الشيبس أوزعها على من أحبّ ولصحبته أستريح. فالحساب مفتوح لصالح آخر حبات العنقود. هكذا كانت توصيات أمي للعم أبو سعيد. من جملة الذكريات أنني نقلت يوماً باستغراب شديد لعائلتي أن صديقي وسام غداً عيد مولده. فهو يحتفل به كل أربع سنوات، لأنه من مواليد 29 شباط قالت أمي غداً سندعو وسام وكل من تحبين بعد الانصراف لنحتفل بمولده مجتمعين. كان احتفالاً بسيطاً أتم به وسام 9 من السنوات. يا لها من ذكريات. حقاً نكبر وتفرقنا سنين إلا أننا عند استعراض ذاك الشريط نشعر بالسعادة والحنين للبساطة والحب للزمن الجميل. ترى أطفال اليوم بالرغم مما لديهم من نعم ونعيم ووسائل الحضارة المسخّرة للجميع هل سيأخذهم في يوم من أيام مستقبلهم بالحنين لذكريات ينسبونها لعالم كان عندهم جميلاً؟
رشا المارديني