روسيا وأميركا تفاهمتا في سورية ماذا عن تركيا؟
د. عصام نعمان
من الواضح أنّ روسيا وأميركا تفاهمتا على تفكيك تعقيدات أزمة سورية المتأججة منذ نحو ثماني سنوات، والتوجّه بها تدريجياً الى تسوية سياسية بمشاركة حكومتها وموافقتها. تجلّى هذا التفاهم بترتيبات «مناطق خفض التوتر» الأربع في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، ثم بتسهيل إعادة سيطرة الجيش السوري على كامل محافظتيْ درعا والقنيطرة المجاورتين للجولان السوري المحتلّ، وأخيراً بتحرير أهالي كفريا والفوعة من حصار طويل مضروب عليهم، وتنظيم إيصال المساعدات الإنسانية الى المحتاجين وإعادة اللاجئين في الأردن ولبنان الى ديارهم.
ظاهرات عدّة لافتة رافقت تنفيذ إجراءات هذا التفاهم بين الدولتين الكبريين، لكن يمكن أن تفضي إلى تداعيات خطيرة قبل نضوج التسوية السياسية المنشودة. أولى هذه الظاهرات رفضُ مسلحي «هيئة تحرير الشام» أيّ جبهة «النصرة» قبول التسوية مع الحكومة السورية والإصرار تالياً على البقاء في محافظة إدلب، حيث السيطرة لها. ثانيتها، سيطرةُ تركيا على محافظة إدلب وبالتالي موافقتها، مباشرةً أو مداورةً، على قرار مسلحي جبهة «النصرة» بعدم قبول التسوية مع الحكومة السورية، مختارين دائماً الانسحاب إلى إدلب. ثالثتها، ثبوت وجود عناصر لحزب الله بين المقاتلين المدافعين عن كفريا والفوعة وخروجهم مع الأهالي في عملية التبادل الأخيرة من دون علم «النصرة» أو أيٍّ من الأطراف المشاركة في ترتيباتها. الأمر الذي يطرح سؤالاً عن المغزى من إبقاء وجودهم كما تحريرهم سراً، وكذلك وجهتهم المقبلة ودور حزب الله تالياً في دعم الجيش السوري في حال اتجاهه الى تحرير إدلب من «النصرة» وحلفائها.
فوق هذه الظاهرات الثلاث يرتسم سؤال ملحاح: ما موقف تركيا من تفاهم روسيا وأميركا في سورية؟ وكيف ستتصرف إذا قرّرت دمشق الردّ على رفض «النصرة» أيّ تسوية معها، بمهاجمة إدلب لتحرير المحافظة من جميع الفصائل المتمرّدة المتمترسة فيها؟
تركيا سبق لها أن أعلنت أنّ مهاجمة الجيش السوري لإدلب من شأنها أن تنسف اتفاق أستانة بينها وبين كلٍّ من روسيا وإيران من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية. فهل تُراها تحاول، بعد إعادة سيطرة الجيش السوري على محافظتيْ درعا والقنيطرة، التواصل مع الحكومة السورية عبر شريكيها الآخرين في اتفاق أستانة لإيجاد تسوية لمسألة إدلب؟ ام تراها تساند جبهة «النصرة» وحلفاءها لحمل الحكومة السورية على مفاوضتها مباشرةً من أجل التوصل إلى تسوية تحمي مصالحها في شمال البلاد؟
من المعلوم أنّ تركيا سيطرت بالقوة على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في غرب سورية، كما على منطقة جرابلس في شمالها، وكادت تتصادم مع أميركا الداعمة لقوات سورية الديمقراطية «قسد» الكردية في منبج، فهل تتجه أنقرة إلى مفاوضة واشنطن، أولاً، حول مستقبل الوضع في سورية كما وجود قوات أميركية وتركية في شرق سورية وشمالها، أم تقوم بالتفاوض مع الحكومة السورية مباشرةً؟
العلاقات التركية – الأميركية ليست على ما يُرام في الوقت الحاضر. فقد حدث خلاف بين الطرفين حول هوية الجهة الممكن قبول سيطرتها موقتاً على منبج، وقبلها حذّرت واشنطن أنقرة من مغبّة اقتنائها منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، وبعد ذلك أبدت انزعاجها لعدم امتثال أنقرة لعقوباتها القديمة والجديدة ضدّ إيران بعد إعلان واشنطن خروجها من الاتفاق النووي منتصفَ أيار/ مايو الماضي.
إلى ذلك، أعلنت أميركا، بلسان ترامب، سحق الإرهاب في سورية، ما يستتبع زوال الحاجة الى إبقاء قواتها هناك. في هذا السياق، قامت بتفكيك معسكرين لقواتها المنتشرة في منطقة التنف، جنوب شرقي سورية، وقد تقوم لاحقاً بسحب قواتها من شمال شرق سورية. فهل تبادر واشنطن الى مفاوضة أنقرة حول مجمل القضايا العالقة بينهما بغية التوصل الى تسوية مقبولة؟
الكرد السوريون المنضوون في مجلس سورية الديمقراطية «مسد»، الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية «قسد» عقدوا مؤخراً اجتماعاً في مدينة الطبقة، الخاضعة إدارياً للحكومة السورية وعسكرياً للقوات الكردية المدعومة من أميركا، أبدوا خلاله استعدادهم لزيارة دمشق لعقد حوار وطني سوري غايته «تغيير إدارة سورية وتغيير الذهنية وتغيير دستور البلاد ليتساوى فيه المواطنون جميعاً في الحقوق والواجبات». سبق هذا الإعلان توقفُ أركان «مسد» عن المطالبة بالنظام الفدرالي والعودة إلى التركيز على النظام اللامركزي الأمر الذي يخدم قضية استعادة سورية وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني وتسهيل عودة الحوار بين دمشق وجماعات الكرد الوطنيين المستقلين عن أميركا وتركيا.
تبقى مسألة مقاتلي «النصرة» المصرّين على الانسحاب من المناطق المحرّرة والمستعادة منهم الى محافظة إدلب. هل اتخذوا قرار الانسحاب بمعرفة تركيا وبطلب منها أم كان مجرد قرار ظرفي اضطروا إليه لعدم شعورهم بالأمان، إذا ما ألقوا السلاح وعادوا إلى كنف الحكومة السورية؟
إذا كان قرارهم اتُّخذ بطلب من تركيا، فإنّ ذلك يؤشّر إلى أنّ انقرة تعتزم استعمالهم لمجابهة سورية، ميدانياً إذا ما قام جيشها بشنّ عملية عسكرية لتحرير إدلب من «النصرة» وحلفائها. ولا شكّ في أنّ تصرفاً تركياً متهوّراً من هذا الطراز يؤدّي إلى تطويل الحرب في سورية وعليها وتعقيد مساعي الوصول لتسوية سياسية لأزمتها المتمادية.
أما بالنسبة إلى مقاتلي حزب الله، فإنّ تحريرهم بسرّية بالغة من حصار كفريا والفوعة يؤشر إلى أمر بات حقيقة ساطعة وهي أنّ للحزب دوراً فاعلاً في محور المقاومة الإقليمي، وأنه سيكون إلى جانب الجيش السوري إذا ما قرّرت دمشق وحلفاؤها شنّ عملية عسكرية لتحرير محافظة إدلب.
صحيح أنه بإمكان تركيا مواجهة عملية تحرير إدلب بقواتها العسكرية وبالتعاون مع حلفائها الإرهابيين، لكنّها ستكون في هذه الحالة وحدها مسؤولة ومدانة لتسبّبها بنسف اتفاق أستانة وما يمكن أن ينجم عنه من تداعيات كارثية…
وزير سابق