كيري يريد جلب الأسد للتفاوض… وهاغل لا يزعجه أن يراه مستفيداً التمديد للمجلس سكة سالكة… والتفاوض حول العسكريين طريق شائك
كتب المحرر السياسي:
كل شيء كان ينتظر التفاهم بين إيران والسعودية، حتى تتحرك ملفات لبنان والمنطقة من العراق إلى سورية وفلسطين، فجأة اكفهّرت الأجواء السعودية ـ الإيرانية، وتصاعدت اللهجة التصادمية، وبدا أنّ المنطقة ذاهبة إلى جولة مواجهة غير مفهومة في زمن «داعش»، حيث الخطر الأول هو الإرهاب الذي لا تحتمل مواجهة حضوره المتنامي، وقدراته المتزايدة ترف الاختلافات، فكيف حدث ذلك؟ وهل سيؤدّي إلى المواجهة؟ وأين؟ وإلى متى؟
قبل اتضاح الجواب وفيما الكثيرون يقولون إنّ تنافساً تركياً ـ سعودياً على إيران والتفاوض معها، ربما يكون وراء متغيّرات من نوع ظهور العلاقات التركية ـ الإيرانية ترعى تسويات هنا أو هناك، فإذ التصاعد السلبي في الخطاب يشمل العلاقات الإيرانية ـ التركية.
ليس خافياً أنّ الملف الأبرز في المنطقة كان ولا يزال العلاقات الإيرانية ـ الأميركية، وأنّ الحرب على «داعش» واحدة من المفردات التي يُراد لها خلق البيئة المساعدة على رسم خريطة جديدة لهذه العلاقات، إما تصعيداً أو تهيئة للانخراط التفاوضي الإيجابي، ظهرت أحداث اليمن كمدخل لدور الحوثيين حلفاء إيران في واجهة الاشتباك مع «القاعدة»، وظهرت السعودية مصابة بنكسة نوعية في زعامتها لمنطقة الخليج.
وجاءت أزمة عين العرب في الحرب مع «داعش» وبدأ التأديب الكردي لتركيا، وخرج الحليفان الأبرز لأميركا عن السمع، وبدلاً من الصراخ طلباً لشراكة في التفاوض مع إيران صار لكلّ منهما ملف خاص مع واشنطن ترجمته تصريحات جو بايدن، التي بقيت على رغم الاعتذار عن الشكل والأذى، تعبّر عن قراءة أميركية لأوهام اجتهادات الحليفين الرئيسيّين وأضرارها في تمكين الإرهاب من أسباب القوة، والوهم هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
قالت واشنطن لحليفيها: بوهم إسقاط الأسد جلبتم الإرهاب وقمتم بتأمين المعالف والمساقي لكلّ مفرداته، وأنفقتم مئات ملايين الدولارات وجهّزتم آلاف أطنان السلاح، وها نحن نحصد النتيجة.
الرسالة لم تكن عتباً على ماضٍ تمّ تحت عين واشنطن، بل رسالة لمستقبل، يتضح مضمونها أكثر فأكثر، أنّ واشنطن لن تبتلع مقلباً جديداً بوهم إسقاط الأسد.
واشنطن ستدرّب وتجهّز معارضة سورية ترضاها، ولم تغيّر موقفها بعد من الرئيس الأسد، لكن لا وهم جديداً بالقدرة على إسقاطه سيحملها على تصديق أو غضّ النظر عن اجتهادات توريطية جديدة لأنقرة والرياض.
تأديب كردي لتركيا وتأديب حوثي للسعودية، وأكراد وحوثيون يقاتلون «القاعدة»، ولا ورطات جديدة لأوهام جديدة لإسقاط الأسد، والتفاوض مع إيران شأن أميركي خالص.
من هنا بدأ التموضع الجديد لواشنطن، فظهر الحديث عن جنيف، وظهر الترويج لتفاهم روسي ـ أميركي عن تجديد وإنعاش مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
كلّ هذا لا يكفي، حتى ظهر الجديد الأهمّ، تَتابع كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاغل، الأول يقول دعم المعارضة المسلحة المعتدلة له هدف محدّد وهو جلب الأسد إلى التفاوض، والثاني يوضح، نعلم أنّ الأسد يستفيد من غاراتنا على «داعش».
صار واضحاً أنّ واشنطن تحلحل العقدة السورية، بخريطة طريق سقفها تفاوض لحلّ سياسي، عنوانه الانخراط مع الأسد المستفيد من الحرب على «داعش» والمطلوب قبوله التفاوض بعد الانتصارات التي حققها.
تهميش السعودية وتركيا، يتبعه التمهيد للانخراط التفاوضي مع الأسد في حلّ سياسي، يجريان في لحظة نجح فيها الجيش السوري في إمساك زمام المبادرة عسكرياً على كامل مساحة سورية، ونجح الحليف اللبناني في ترجمة تحالفه مع الجيش اللبناني بحسم إمارة الشمال على المتوسط التي تقلق الغرب كله، ونجح الحليف العراقي ببدء الهجوم المعاكس، فما هي الحاجة إلى التركي والسعودي اللذين يتحدث أحدهما عن شرط عنوانه قبول أميركي بحرب لا تنتهي بلا إسقاط سورية، أما الثاني كيس مال يتحدث عن هبات سعودية مالية معلقة للجيش في لبنان يصحبها تشويش إعلامي ليقول نريد الثمن لنبيعكم غطاء الحرب، وكلاهما يظن أنّ واشنطن تنتظر همّته ومشاركته لتتقدّم حربها، وكما جرى في العراق يجري في لبنان، يغيب الحلفاء ومن دونهم تتقدّم الحرب وتتحقق الانتصارات، فإذ خصوم واشنطن يحسمون ما تنتظر من الحلفاء تحديد أسعارهم للمشاركة بحسمه، الأكراد والحوثيون وحزب الله والجيش اللبناني بمخابراته المتهمة بالتحالف مع الحزب، وحكومة العبادي وجيشها والأسد والجيش السوري هم الحلف الحقيقي للحرب على الإرهاب، فيما تركيا والسعودية على لائحة الانتظار الطويل.
واشنطن تقول فلينتظر المنتظرون، القطار صار على أهبة الانطلاق، ولن ينتظر، وكلّ أصحاب الملفات العالقة، تتجه أنظارهم بعيداً عن الرياض وأنقرة نحو واشنطن وطهران وموسكو ودمشق.
داخلياً، حشر رئيس المجلس النيابي نبيه بري القوى المسيحية بتحديده موعد جلسة التمديد للمجلس النيابي الأربعاء المقبل، معولاً على تصويت قسم من القوى المسيحية مع التمديد لتحقيق الميثاقية في القرار.
وهذا ما ركز عليه بري أمام زواره أمس، مؤكداً أن النصاب مؤمن لكن الميثاقية لا تتجسد فقط بالحضور بل بالمشاركة في القرار، خصوصاً المشاركة المسيحية. وفي معلومات لـ«البناء» أن بري يدرك أن الأطراف المسيحية ستحضر الجلسة لكنه يشدد على مشاركة الكتل المسيحية التقليدية أو جزء منها في التصويت. وبحسب المعلومات فإنه على رغم المواقف التي تعلن هنا وهناك فإن بعض الأطراف لم يتخذ القرار النهائي، خصوصاً القوات اللبنانية المحرجة بسبب عدم قدرتها على المزايدة على التيار الوطني الحر باعتبار أن التيار صوت ضد التمديد وهو منسجم مع نفسه فهو صوت ضد التمديد الأول أما القوات فصوتت ضده فما عدا ما بدا؟
وفي هذا السياق، علمت «البناء» «أن نواب التيار الوطني الحر لن يسقطوا الميثاقية عن الجلسة، ولن ينقلبوا على موقفهم الرافض للتمديد، فهم سيحضرون الجلسة ويصوتون بـ«ضد»، مع علمهم أن التمديد بات نهائياً ولن يبادروا إلى أي إجراء يؤدي إلى إبطال القانون».
وبانتظار التمديد، بدأت وزارة الخارجية والمغتربين إتخاذ الإجراءات المطلوبة لانتخاب المغتربين وفق القانون الساري المفعول والذي ينص على اجراء الانتخابات العامة في العشرين من شهر تشرين الثاني المقبل، على ان يسبق ذلك انتخابات المغتربين. ولهذه الغاية أصدرت وزارة الخارجية تعميماً لسفارتي لبنان في الكويت وأستراليا- سيدني ملبورن طالبة منها التأكيد على اتخاذ التدابير اللازمة واستكمال كل التحضيرات من أجل إتمام العملية الانتخابية، التي من المقرر أن تجرى يوم الجمعة في السابع من تشرين الثاني المقبل في الكويت، والأحد في التاسع منه في أستراليا- سيدني ملبورن.
في غضون ذلك، رأى البطريرك الماروني بشارة الراعي أننا «نعيش اليوم نتائج الأزمة السياسية، وكل هذا يحصل وسط لا مبالاة وصمت عارم مريب، فالبلد يخرب، والشعب اللبناني يفتقر، والقصر الرئاسي مقفل»، وقال خلال جولة على متن باخرة في خليج سيدني: «لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو والسكوت عما يجري. فلبنان لم يقدم هدية إلينا، إنما قام تاريخياً على تضحيات أجدادنا وآبائنا وعلى سواعدهم ومحبتهم له، فلا يمكننا نحن اليوم أن نبيعه أو نتفرج على خرابه».
توقيع «الكتائب» على الرواتب
في غضون ذلك، انتهت قضية تأخير رواتب الموظفين بتوقيع جميع الوزراء، بمن فيهم وزراء حزب الكتائب الثلاثة، على القانون المتعلق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لتغطية فروقات الرواتب وملحقاتها.
وعلمت «البناء» أن «موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً على إصدار القانون أتت بعد جدال طويل، ثم حوار بين وزيري التربية الياس بو صعب والعمل سجعان قزي، نجح بعده بوصعب في إقناع قزي بضرورة توقيع قانون تمويل الرواتب الذي أقر في مجلس النواب، ما أدى إلى عدول الكتائب عن موقفهم الرافض التوقيع وساهم في حلحلة مشكلة دفع الرواتب من دون تأخير.
واعتبر وزير المالية علي حسن خليل أن ما حصل في مجلس الوزراء في هذا الموضوع «هو انتصارٌ لمنطق القانون والمصلحة الوطنية، وتمّ الإنفاق وفق الأصول بعد صدور القانون، وقد استطاعت وزارة المالية أن تنجز بسرعة قياسية عملية التحويل إلى مصرف لبنان». وشدد على أن «اعتماد هذا المنطق سيساهم بكل تأكيد في إعادة الانتظام إلى المالية العامة وأصول المحاسبة».
سوكلين أقوى من الدولة
أما الموضوع الخلافي الآخر الذي أخذ حيزاً كبيراً من الجلسة هو ملف «سوكلين». وبعد نقاش طويل حول التمديد للشركة، أقر المجلس خطة مشروطة بالموافقة على إعداد دفتر شروط لإجراء مناقصة مفتوحة لتلزيم أعمال كنس النفايات وجمعها ونقلها في نطاق محافظتي بيروت ولبنان الشمالي ومعظم محافظة جبل لبنان وعرضه على مجلس الوزراء خلال 15 يوماً»، لكن مصدراً وزارياً أكد لـ«البناء» أن «هذه الخطة لن تحظى بالموافقة، وبالتالي فإن الحكومة ستوضع أمام خيارين إما التمديد لـ«سوكلين» أو« تأكلنا الزبالة»، لافتاً إلى أن «الشركة المذكورة باتت أقوى من الدولة».
كما حضر موضوع طرابلس من الزاوية الإنمائية، فأقر مجلس الوزراء سلفة قدرها ثلاثون مليار ليرة لبنانية لإعادة تأهيل وإنماء المناطق المنكوبة في الشمال للتعويض الفوري على المتضررين من الأحداث الأخيرة. في حين أعلن الرئيس سعد الحريري عن «تخصيص 20 مليون دولار للمناطق المتضررة في طرابلس خصوصاً باب التبانة وبحنين في المنية».
وأعرب الحريري في بيان عن «اعتزازه بأهل طرابلس الذين واجهوا باللحم الحي الظروف الأمنية القاسية، ورفضوا أن يكونوا قاعدة لأدوات التطرف في مواجهة الجيش اللبناني». واعتبر أن «الموقف الوطني المسؤول لأهل طرابلس والشمال هو الذي حسم الأمر وشكل الرد المطلوب على النافخين في رماد التحريض».
مفاوضات صعبة في جرود عرسال
وفي موضوع غير بعيد، تابع الموفد القطري مفاوضاته مع خاطفي العسكريين في جرود عرسال التي توجه إليها أمس والتقى أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلة وأمير «داعش» أبو عبد السلام اللبناني.
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» «أن لا جديد في هذا الملف وأن الأمور لا تزال تراوح مكانها». ولفتت المصادر إلى «أن الإرهابيين يمارسون سياسة المراوغة والابتزاز من أجل الاستثمار المستقبلي، خصوصاً بعد الخسارة التي منيوا بها طرابلس». ورأت المصادر «أن الإرهابيين ليسوا في وارد الدخول في أي عملية تبادل في الوقت الراهن».
وبعد تهديد أهالي العسكريين المخطوفين بتصعيد تحركهم ابتداء من الساعة السادسة مساء أمس، التقى رئيس الحكومة تمام سلام وفداً منهم في السراي، أكد له سلام أن «التفاوض جار على قدم وساق مع خاطفي العسكريين اللبنانيين، لكن الوصول إلى النتيجة الايجابية التي نريدها قد لا يتم في وقت قريب».
وجدد الأهالي المخطوفين تضامنه معهم وتفهمه لغضبهم، داعياً إياهم إلى «عدم السماح باستعمالهم لابتزاز الدولة». وقال: «القصة معقدة، وطبيعة التفاوض صعبة جداً. أنا أحمل هذه الأمانة ولن أتخلى عنها، لكنني لن أقدم ضمانات أو وعوداً لكي لا أغشكم».
وبعد اللقاء أعلن الأهالي وقف التصعيد بانتظار نتائج مفاوضات الموفد القطري مع الخاطفين والحصول على تطمينات.
إلى ذلك، جدد قائد الجيش العماد جان قهوجي، بعد تفقده مواقع الجيش في طرابلس وعكار وتقديمه التعازي بشهيدين، تأكيده استمرار ملاحقة الإرهابيين وتوقيفهم.
وتسلم القضاء العسكري الموقوف الإرهابي أحمد سليم ميقاتي، وادعى عليه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وعلى السجين فايز عثمان وعلى الموقوف أحمد الأحمد وخمسة عشر شخصاً فارين في جرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح بهدف القيام بأعمال إرهابية، وتشكيل مجموعات مسلحة لهذه الغاية وتجنيد أشخاص لمصلحة التنظيم والتدريب على استعمال الأسلحة والمتفجرات، والتخطيط لاحتلال قرى عاصون، بخعون، بقاعصفرين وسير الضنية في منطقة الضنية لإنشاء إمارة للتنظيم الإسلامي، ولاشتراكه في عمليات أمنية ضد الجيش والتحريض على قتل عناصره وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية وحيازة أسلحة ومتفجرات، سنداً إلى مواد تنص عقوبتها القصوى على الإعدام، وأحاله إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا.
زيارة شيخي عقل سورية
في غضون ذلك، برزت زيارة شيخا عقل طائفة الموحدين الدروز في سورية حمود الحناوي ويوسف جربوع، على رأس وفد من مشايخ جبل العرب، المرجعيات الروحية الدرزية في لبنان، وأكدا «التعاون للتصدي للأخطار التي قد تحدث في المنطقة، وأنّ الشعبين اللبناني والسوري شركاء في المصير».