الأكراد وواشنطن: تحالف ملزم
عامر نعيم الياس
تحوّلت حرب أوباما على إرهاب «داعش» في العراق وسورية، إلى حرب لإنقاذ مدينة عين العرب السورية، أو« كوباني» بحسب التوجّه الإعلامي لطمس اسم المدينة الآخر نهائياً كعنوان للتطوّرات الأخيرة في الملفّ الكردي.
استحوذت التطوّرات اليومية واللحظية الخاصة بالأوضاع في عين العرب، على تغطية الإعلام الغربي الشأن السوري، سواء من حيث التقارير، أو من حيث المقالات والتحليلات الخاصة بسبر أغوار «التحوّلات» في المنطقة، على خلفية أحداث المدينة السورية ذات الغالبية الكردية.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية رأت «أنّ قرار الإدارة الأميركية بمساعدة أكراد كوباني عسكرياً يؤشّر إلى نقطة تحوّل جوهرية لأهداف الحرب الأميركية»، مضيفةً في سرد تفاصيل اتخاذ القرار الأميركي بتكثيف الغارات الجوّية على محيط المدينة السورية، «الرئيس أوباما صادق على التوصية فوراً ومن دون تردّد، إذ أضحت رمزية المدينة مهدّدة بأن سقطت، وتسابق المعنيون لإنقاذها».
إذاً، نحن هنا أمام رمزية مقصودة وموجّهة إلى المدينة التي أريد لها أن تمهد لتحوّل في مناطق شمال سورية، وهذا التحوّل يقوم على ما يلي:
إعادة تعويم «الجيش الحرّ» باعتباره قوةً موجودة على ساحة الفعل الميداني في سورية، وبالتالي من الضروري استمرار الرهان عليه وتسليحه وتدريبه، وفق الرؤية الأميركية للحرب على تنظيم «داعش». هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يساهم هذا التطوّر في ضمان حصة تركيا «العدالة والتنمية» ولو بشكل رمزي في قلب المنطقة الكردية في سورية.
إحياء العاطفة القومية الكردية بما يتناسب والتوجه الأميركي العام مع انعدام أيّ مخاطر لخروج هذه العاطفة عن الخطوط الحمراء. وفي هذا السياق يُلاحَظ أمران: الأول التنسيق الكامل مع الحكومتين الأميركية والتركية في ملف دخول البيشمركة إلى مدينة عين العرب. أما الثاني، فنفخ الإعلام الغربي في ملف القومية الكردية وإعادة تعويمه بما يتناسب مع الصورة المرجوّة لمدينة «كوباني»، وهنا تعنون صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أحد تقاريرها من الحدود التركية السورية، «أكراد العالم يلتفون حول مدينة الشهداء كوباني» وتضرب مثالاً في تقريرها عن جرّاح إيراني كردي نفته السلطات الإيرانية منذ 25 سنة إلى أوروبا، وهو متواجد اليوم في عين العرب «تضامناً مع شعبه» بحسب قوله.
تعويم نموذج المقاومة البطولية في عين العرب باعتباره نموذجاً فريداً على الساحة السورية في مقاومة «داعش»، بالتزامن مع إبقاء مسافة بين الإدارة الأميركية والأكراد داخل سورية، خصوصاً من حزب الاتحاد الديمقراطي بما يضمن إحراج السلطات السورية وشلّ قدرتها على اتخاذ موقف تصعيديّ من طموحات انفصالية، صارت ظاهرة للعيان من خلال المصطلحات المستخدمة لتوصيف وضع الأكراد في سورية، ومن داخل دمشق من خلال ظهور بعض مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على شاشات التلفزة واستخدامهم مصطلحات «الشعب الكردي» و«غرب كردستان»، والحديث عن تعزيزات «الجيش الحرّ» والتحالف القائم مع «بركان الفرات»، إضافةً إلى العلاقة مع الحكومة السورية من منطلق أن الأكراد يمثلون طرفاً ثالثاً منفصلاً لا علاقة له بما يجري في سورية.
إن الورقة الكردية في سورية خرجت عن سياق محاولات المستويين الرسمي والإعلامي في سورية الإيحاء بعدم وجود ما هو مقلق، بل يمكن القول إن لعبة التحالف الكردي مع واشنطن استمالت الأكراد نهائياً وبدأوا باتخاذ خطوات ملموسة تدمج بين ما هو قوميّ كرديّ، وما هو ملزم في الاستراتيجية الأميركية لضرب وحدة سورية، بدايةً من اجتماع دهوك الذي سبق قرار ما يسمى برلمان كردستان العراق، القاضي بإرسال البيشمركة إلى عين العرب، حيث وقعت أطراف كردية في 22 من الشهر الحالي «اتفاقاً لإنشاء مرجعية سياسية وإدارة موحدة للمناطق الكردية في سورية وتأسيس قوات مشتركة. كما تضمن الاتفاق تشكيل هيئة هيئة تخصصية للحوار مع وحدات حماية الشعب الكردي». وليس انتهاءً بما أشارت له صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية صراحةً حين قالت: «صارت الولايات المتحدة تعتمد على مجموعتين كرديتين منفصلتين في العراق وسورية تؤديان مهام القوات البرّية دعماً للغارات الجوّية، فضلاً عن نشوء تنسيق رفيع المستوى بين قيادات عسكرية من الجانبين الأميركي والكردي لإدارة العمليات البرّية والجوّية بشكل ملزم وأبعد مما كان يعتقد سابقاً».
كاتب سوري