منتدى العدالة العربي والدولي انتصار للحق الفلسطيني في زمن التخلّي
رامز مصطفى
يُعقد في بيروت في التاسع والعشرين من تموز الحالي «منتدى العدالة العربي والدولي لفلسطين». بمشاركة واسعة لقوى وأحزاب وهيئات ومنظمات وشخصيات من مختلف الدول الأجنبية والأقطار العربية، تضمّ شخصيات سياسية وقانونية وناشطين. ويكتسب عقد المنتدى في دورته الرابعة لهذا العام أهمية استثنائية، على اعتبار أنّ حجم ما تواجهه قضايا الأمة وفلسطين على وجه الخصوص من مخاطر وتحدّيات، تستدعي مواقف حازمة وجازمة لا تقبل فيها تدوير الزوايا أو التلعثم أو التردّد، أو الواقعية التي هي من خارج منطق المواجهة والتصادم مع المشروع الصهيو أميركي وأدواته الوظيفية في الواقع العربي والإقليمي.
وتقف على رأس تلك المخاطر والتحديات:
1 ـ استمرار الأحداث التي عصفت بمنطقتنا العربية، والتي أشعلتها وعملت على تسعير نيرانها ولا زالت الولايات المتحدة الأميركية التي قادت حلفاً دولياً وإقليمياً وعربياً منذ ما يزيد عن سبع سنوات، بهدف إسقاط المنطقة وتقسيمها وضرب قوى المقاومة فيها خدمة لمشاريعها القائمة على نهب ثرواتها ومقدراتها، وحماية الكيان الصهيوني وجعله دولة طبيعية في المنطقة، بل ومؤثراً ومقرّراً في شؤونها.
2 ـ هذه الأحداث وتطوّراتها كشفت عورة النظام الرسمي العربي والخليجي على وجه التحديد، أولاً في تخليه عن القضية الفلسطينية، وثانياً في تعاطيه مع تلك الأحداث الدامية، حيث قادت تلك الدول إلى الهرولة بعد المجاهرة في إمكانية إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني تتوّج في تحالفات فيما بات مروّجاً له الخطر الإيراني على دول المنطقة. الأمر الذي أعطى الكيان وقادته المتنفس بعد أن ضاقت بهم المساحات على الجغرافية الدولية ومنتدياتها بسبب جرائمهم وممارساتهم العنصرية، وتنامي الوعي لدى الرأي العام الدولي بفضل النضالات المتراكمة للقوى المؤيدة والمحبة للشعب الفلسطيني ونضالاته ومقاومته. والنشاط الواسع لحركة المقاطعة ال B D S التي باتت تشكل قلقاً وتحدّياً جدياً للكيان الصهيوني وقادته.
3 ـ استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي أخذ منحنيات لا تتوافق والمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، بل وتتعارض معها جذرياً، بعد أصبح سياسياً وجغرافياً. الأمر الذي عمل الكيان الصهيوني على توظيفه في فرض المزيد من الوقائع المادية على مجمل العناوين الوطنية للقضية الفلسطينية، والقدس واللاجئين وحق عودتهم في مقدّمة تلك العناوين من اتساع رقعة السيطرة على الأراضي بعد مصادرتها وبناء المستوطنات عليها، والاعتقالات والإعدامات والاستمرار في حصار قطاع غزة.
4 ـ «صفقة القرن» التي تعمل على إنضاجها إدارة الرئيس الأميركي ترامب، لصالح احتياجات الكيان الصهيوني أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني. هذه الصفقة التي بدأت إدارة ترامب تسويقها وتحشيد المؤيدين والداعمين لها في الواقع الرسمي العربي، من أجل فرضها على الفلسطينيين، حيث كانت أولى التطبيقات العملية لتلك الصفقة التصفية، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب، ونقل السفارة الأميركية إليها. وعلى خط موازٍ يجري العمل ليل نهار من أجل إنهاء ملف اللاجئين وشطب حق العودة، ومقدّماته البائنة للعيان إنهاء منظمة «أونروا» الشاهد الحي على نكبة الشعب الفلسطيني، وما الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي ترامب على الكثير من الدول لوقف مساهماتها في دعم موازنة «أونروا»، وقامت هي وحدها بتجميد 65 مليون دولار للمنظمة المذكورة من أصل 125 مليون دولار تقدّمها لها.
5 ـ وفي خطوة ليست معزولة أو بعيدة عن التطبيقات العملية لـ «صفقة القرن»، يقف «قانون الدولة القومية للشعب اليهودي» الذي صادق عليه الكنيست الصهيوني، في رأس ما تستهدفه «صفقة القرن» من أجل تصفية القضية الفلسطينية. هذا القانون الذي سيعيد صياغة الكيان على كلّ المستويات، وعلى حساب الفلسطينيين الذين أشهر رسمياً سيف العنصرية في وجههم، ليعيشوا غرباء على أرضهم حيث لا حقوق لهم على الإطلاق.
اليوم ومع تعاظم تلك التحديات ومخاطرها، يجب أن يتأكّد لنا أنّ تلك التحديات ستزيد من قناعتنا الراسخة، بأنّ العدالة لفلسطين شعباً وأرضاً ومقدسات، لن تتحقق إلاّ من خلال المقاومة وبكلّ أشكالها، من أجل دحر المشروع الصهيوني وكيانه المصطنع.
وما عقد المنتدى العربي والدولي للعدالة لفلسطين بمشاركة حوالي 400 شخصية من قوى وأحزاب وهيئات ومنظمات ونخب ومفكرين، في بيروت عاصمة المقاومة، وإحدى حواضن العمل العربي المقاوم لكلّ المشاريع الهادفة إلى إخضاع أمتنا ومكامن وعناوين المقاومة فيها، إلاّ الدلالة على أنّ القوى الحية في أمتنا وسائر شعوب العالم، لا زالت قادرة أن تأخذ دورها الطبيعي كقوى طليعية من أجل مواجهة ومقاومة تسلط وهيمنة القوى الامبريالية والرأسمالية والاحتكار في العالم، وأن تنتصر للحق الفلسطيني في زمن التخلي.