مجركش: أربي أبنائي على حب سورية حاتم: الجيش يخوض معاركه بإيمان وقناعة علي: الضمير الحي لا يخترع حدثاً ثم يسوقه

رانيا مشوح

وسط زئير الرصاص وقف أبطال لم يهابوا الموت فتحوا له صدورهم قفزوا فوق حدود الخوف، سلاحهم كلمة حق. هم جنود مجهولون عشقوا الوطن فضحوا براحتهم واستمتعوا بأرقهم في سبيل معشوقهم.

والمراسلون الحربيون جنود لا يحملون البنادق، بل انخرطوا إلى جانب صفوف الجيش السوري لنقل الصورة حية بكل أمانة، وتعرضوا لأخطار جمّة اجتازوا خطوط النار لتعلو سورية بما تنطق شفاههم من كلمات.

الشعور داخل أرض الميدان

عن شعوره لحظة دخول الميدان حدثنا المراسل نبراس مجركش قائلاً: «أول شعور ينتابني هو الألم والحزن لما أشاهده من تخريب ودمار، وسرعان ما أشعر بمسؤولية إحياء ذكرى كل من قصد تلك المناطق، فرسالتي ليست لأهل المنطقة فحسب بل لكل من تربطه بها ذكريات».

أما شعور المراسل سومر حاتم فعبر عنه بالقول: «في أرض المعركة ترتفع الحماسة ويزداد الاندفاع مع المحافظة قدر الإمكان على السلامة الشخصية، تزداد المسؤولية لنقل الأحداث بعناية ودقة، وفي المقابل نبذل جهداً كبيراً حتى لا نؤثر سلباً في تحركات الجيش».

وحدثنا طارق علي عن شعوره أيضاً فقال: «شعور القلق هو أول شعور حتماً، فأي شيء مجهول مخيف، لكن سرعان ما يتحول إلى حماس واندفاع يوازي اندفاع الجنود على خطوط النار. نسعى إلى نقل أحداث في قضية ندرك أحقيتها، فالضمير الصاحي لا يخترع حدثاً ثم يسوقه، فضميرنا يدفعنا إلى انتقاء أكثر أوجه الحقيقة، نحن مؤتمنون وأرواح الناس ليست لعبة».

العنصر الأساس في المعركة هو الجندي، لكن من هو هذا الجندي خارج أوقات القتال؟ يصفه لنا حاتم بالقول: «على رغم اللحظات العصيبة التي يعيشها الجندي، إلا أن الابتسامة وروح الدعابة لا يفارقانه خارج المعركة، فهو يشعر بشغف العودة إلى الحياة المدنية، لأنه من أفراد هذا الوطن وقتاله نابع عن قناعات ومبادئ، وليس حباً بالعنف».

أما عن رؤية علي لهذا الجندي: «عندما نقول جندياً، فنحن لا نجرّده من قيمه الإنسانية. غالباً ما نجالس الجنود ونأكل سوياً ونتبادل الأحاديث معهم، فهم بشر فوق البشر، واختاروا وطنهم بديلاً من أي شيء غال آخر». ويصوّره مجركش لنا قائلاً: «الوجه الآخر للجندي كوجه الأم التي تستقبل ولدها بعد سفر طويل. فهم يحتارون كيف يقدمون لنا الضيافة من زادهم القليل، ويسعون إلى رفع معنوياتنا، لكن هذا الوجه لا يخلو من الحزن على ما حل من دمار بمنازل المدنيين وبسورية».

محاولات التهديد التي يتعرض لها الصحافيون كثيرة وأحياناً تتعدى كونها مجرد تهديدات، وقد حدثنا علي عما تعرض له قائلاً: «تعرضت لحصار مرات عدة، لكن حصار العامرية كان أخطرها، فقد حوصرنا أربع ساعات تحت وابل من الرصاص والقذائف، وأصبت مرات عدة إصابات طفيفة الحمدلله، آخرها في مبنى قيادة الشرطة حيث أصبت في أذني اليمنى قبل عام ونيف».

وعن تجربته قال حاتم: «تعرضت في نهاية شهر تموز 2013 لحصار داخل جامع خالد بن الوليد في الخالدية، وكنت أول إعلامي يدخل المنطقة، كان رصاص القناصة يستهدفنا من ثلاث جهات وبقينا قرابة الأربع ساعات تحت حماية أحد جدران الجامع إلى أن استطاعت عناصر خاصة من الجيش تحريرنا تحت تغطية نارية».

كذلك وصف مجركش ما واجهه قائلاً: «تعرضت لمحاولة قتل حين اعتدت عليّ مجموعة من الأشخاص أيام ما يسمى معركة دمشق الكبرى في منتصف عام 2012، كما تعرضت للخطف في الزبداني وتم تحريري بفضل وجهاء المنطقة والجيش العربي السوري». وأوضح علي أنه يتعرض لتهديدات كثيرة و«خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي والحل المجدي لها هو البلوك، لكنها تثير مخاوفي حين أشعر أنهم يمتلكون معلومات شخصية عن عائلتي التي أحاول قدر الإمكان إبعادها من عملي».

مثلما حملت هذه اللحظات آلاماً حملت لهم ذكريات. والموقف الذي لم ينسه حاتم هو لحظة خروج المسلحين من حمص القديمة في أيار الماضي «تقدمت أمتاراً عدة، وكان التصوير ممنوع لكني قررت ألّا أفوّت هذا السكوب فاستدرت وعلقت على الحدث لحظة صعود المسلحين الحافلات لتخرج الصور الأولى عبر قناة المنار». أما الموقف الذي لم ينسه مجركش فقد كان لحظة دخول الأهالي إحدى المناطق بعد تهجير دام عامين ونصف وكيف سجدوا لله شكراً ودموع الرجال سبقت دموع النساء.

وعن الموقف الذي لم يغادر ذهنه قال علي: «جميع المواقف تكاد تكون عصيّة على النسيان، لكن الموقف الذي لن أنساه حين اخترنا الرجوع من ادلب ليلاً، فاتجهنا نحو مناطق سيطرة المسلحين عوضاً عن التوجه نحو الغاب لكن القدر كان حليفنا، كما لا تفارق ذهني أحاديث الجنود في كل معركة ولهفتهم».

جزء آخر من المسؤولية يلقى على عاتق هؤلاء الرجال ألا وهو واجباتهم اتجاه عائلاتهم ومحبيهم، في هذا قال مجركش: «مسؤوليتي حيال عائلتي أن أجعلهم فخورين بما أقوم به من أجل إعلاء شأنهم في المستقبل حين يذكرون أمام الناس أنني ربيتهم على فطرة حب سورية وعشق ترابها». وفي هذا أيضاً قال حاتم: أحاول دوماً الاتصال بعائلتي وتخفيف حجم الخطورة خصوصاً بوالدتي التي أؤكد لها دائماً أن تتابعني عندما أكون برسالة مباشرة أو فجائية لكي تطمئن وهم يشعرون بأني أقوم بعمل بطولي ويحثونني على الحضور في كل حدث مهم». وفي الإطار نفسه قال علي: «أنا وحيد لوالدين أفنيا عمرهما لأبدأ رحلتي… غالباً لا أخبرهم تفاصيل حتى يعرفونها عند مشاهدتي على التلفاز لكي لا يشعروا بالخطر، ومهمات عدة خرجتها كنت أقنعهم أنني ذاهب لقضاء إجازة لكن أخيراً تلك «الكذبة» لم تعد مجدية لأن الملابس التي أرتديها باتت ترتبط لديهم بالخطر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى