عيد الجيش عيد الأمة والوطن
اياد موصللي
عيد الجيش ليس احتفالاً تقليدياً موسمياً تطلق فيه الأغاني والأناشيد وحفلات الدبكة والأهازيج..
عيد الجيش تكرار صلاة ووقفة خشوع أمام هيئة تختزن كلّ القيم والمثل والتاريخ القديم والحديث لأمتنا في وقفة العزّ وثبات الإيمان. ملأ جيشنا صفحات التاريخ في تنوّع أحداثه.. وجسّد جيشنا في تاريخه الحديث أنه امتداد لذاك التاريخ..
الأحداث الأخيرة التي تعرّضت لها البلاد، والردّ الحاسم الذي جابه به الجيش مثيري الفتن والاعتداءات برهنت أنّ لدى جيشنا القوّة الحاسمة التي غيّرت ولسوف تغيّر صور الذلّ والتراجع التي مرّت على بلادنا إبان السيطرة الأجنبية.
لذلك فإننا في عيد الجيش نقول له:
تحية لك وانت تحمي الأرض وتسقيها بدمك النقي… أنت المؤمن بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا، هي وديعة شعبنا ووطننا عندنا متى طلبها وجدها.
لم تهيّئك قيادتك ولم ينذرك شعبك من أجل جولة كهذه. حيث متاريس الغدر والخيانة، بل من أجل معركة تساوي وجودنا وحقيقة تسجلها وتفرضها في وقفة عزّ تصنعها.
الذين هيّأوا مؤامرة الغدر وشاركوا فيها هم حفنة عمِلت لها وجهدت من أجل حمايتها وصونها، فطعنوك غدراً ورددت عليهم ردّ الفرسان والأباة لأنك ابن مدرسة الحياة مصنع الرجولة، مؤسسة الجيش التي أعطت لهذا الوطن قدوة قلّ نظيرها أثبتت أنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت تاريخ المآسي والحقد والتفرقة وصانت الكرامة…
أحببت الأرض التي تمشي عليها وهي تهتزّ تحت وطأة خطواتك الواثقة تشرئب روحك وينتصب جسدك فأنت نسيج الآلهة… وهبت الروح والذات سهرت الليالي ويدك على الزناد، ليهنأ أطفالنا ولنطمئن في الرقاد…
أصلي لك: ابتهل كلما وضعت رأسي على الوسادة وأنشد:
أيها الجندي يا كبش الفدى
يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا
طلبتها غصص المجد الظمى
بورك الجرح الذي تحمله
شرفاً تحت ظلال العلم
سرّ في دربك، فأنت لا تعرف سواه درباً صنعته بالصبر والثبات، الشجاعة في الهجوم كما خلف المتراس، شجاعة المقاتل وشجاعة المواطن المتخلق بالعفة والنخوة والنجدة وعشق الأرض والعطاء من أجلها سلماً وحرباً. المنتصر على أهواء النفس ومذلة الولاء للساسة والزعماء، المترفّع على مغريات العيش. المؤمن بأنّ مغانم الحياة هي التضحية حتى الشهادة وسحق الأنانية وحب الذات.
كم أنت عظيم يهتف باسمك أطفالنا وتهفو نحوك قلوبنا وتدمع العين بابتسامة الفرح لرؤياك… نصلي لك بترانيم الحب:
ربِّ حققت أمانينا جمالاً وجلالا
ونثرتَ الخير فيهم يميناً وشمالا
وتجليت عليهم صليباً وهلالا
فاحفظهم ربي للوطن رجالا
لقد غيّرت الكثير من الصور وبدّدت الكثير من رواسب النفوس، رسمت أمامنا أفقاً جديداً لمستقبل نبتسم له وهو يلقانا بإشراقة فجره، صنعت ملحمة ليس وأنت تقاتل عصابة، بل بتقديم دمك لحماية طفل وامرأة وشيخ، كان بإمكانك الهدم والتدمير والسحق والقتل للقضاء على حفنة مجرمة، لكنك كنت جندياً إنساناً تحمي شرفك ومواطنيك واللائذين بحماك، ولو دفعت الثمن غالياً.
ما أعظمك يا جندياً من بلادي ستكون مثالاً ومدرسة وكتاباً، ستكون غرسة باسقة لجيل جديد…
ما تصنعه اليوم هو من خصال العظماء لأنه صبر على جراح وكظم لغيظ وعفو عند مقدرة، أخلاق تعلّمتها في مدرسة الرجولة مدرسة الجيش.
لقد انتصرت على النفس فسيطرت على الزناد ولم تطلق إلا حيث هدفك واضح لئلا يسقط ضحايا أبرياء، أنت بطل نشأنا ونشأت وسينشأ أولادنا وهم يغنون:
بيّي راح مع العسكر
حارب وانتصر وحرّر
هكذا كان في كلّ ميدان لجيشنا وجود عبر الحاضر والماضي وجود فرضه بعطائه وتضحياته، على الحدود كما في المدن وحيث يتطلّب الأمن.
وكنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم
فحميت الحدود ووقفت في وجه عدو عاتٍ وتركت صدى وعنفواناً في نفوس مواطنيك وشعروا بجانبك بالدفء والطمأنينة، ولسان كلّ فرد في جيش بلادي يردّد:
وتهاديتُ كأني ساحب مئزري فوق جباه الأنجم
ستبقى أنت أنشودتنا وأملنا وحلم الغد لمستقبل واعد لا طائفية تفرّق، ولا مذهبية تزلزل وحدتنا، ولا إقطاعية سياسية أو مالية تدمّر مستقبلنا وعزّتنا وكرامتنا. سنصنع وحدتنا كما صنعت منكم هذه المؤسسة الشامخة وحدة صامدة مؤمنة واعية، سترسمون خطى أولادنا. انتم الذين ستورثون أجيالنا ما يباهون ويفاخرون به. إنّ الدماء التي قدّمتموها هي أزكى شهادة في الحياة.
ونهتف معكم كلّ يوم كلنا للوطن للعلى للمجد والخلود نحفظ الأرض وإرث الجدود.. ويبقى شعارنا وإيماننا واحد: «إنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها».