لقاء بري ـ باسيل.. نحو اصطفاف جديد؟
مفاجأة جدية كانت الساحة السياسية أمامها لحظة خطا الوزير جبران باسيل خطواته باتجاه عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب يرافقه نائب رئيس مجلس النواب دولة الرئيس ايلي الفرزلي! وبين هموم الدولة ولقاء الدولة بقيت الحكومة معلقة بين تشنجات وعراقيل ورقع سوداء شوّشت على إيجابيات الحريري «المفترضة»، جاء اللقاء ليقول كلاماً آخر فمن وراءه؟ ولماذا الآن؟ ما الذي تغير؟ وما هو المرجو منه؟
يقول عضو تكتل لبنان القوي النائب العميد شامل روكز في لقاء تلفزيوني لدى سؤاله عما اذا جاء لقاء «بري باسيل» متأخراً أن الخير في ما حصل فأن يأتي متأخراً خيرٌ من أن لا يأتي أبداً.. هذا الكلام ربما يكون صحيحاً بعد أجواء التشاؤم الملحوظ التي اجتاحت سماء الحكومة الملبدة بالرمادية، حتى باتت تعلو أسهم التفاؤل وتهبط، حسب بورصة اللقاءات والتطورات ومنها هذا اللقاء الكبير.
منهجياً مشكلة التيار الوطني الحر مع حركة أمل لا يتعلّق بالاستراتيجيات العامة لمبدئية الرؤيا للبنان «القوي». فالطرفان متفقان على حرية وسيادة لبنان وحماية نفطه والدفاع عنه بوجه الاعتداءات الإسرائيلية. والطرفان متفقان أيضاً على ضرورة العلاقة المباشرة مع سورية. حركة امل والتيار الوطني الحر تجمعهما ارضية كبيرة والعلاقة بين الرئيس ميشال عون والرئيس بري لطالما اتسمت بالإيجابية ولطالما ساد الاحترام والودّ بين الرجلين. أما مصادر بعبدا لـ»البناء» فـ»تتمحور حول التمسك منذ زمن طويل بتقريب وجهات النظر بين كل الأفرقاء اللبنانيين أولاً لتسهيل عملية التشكيل، وثانياً لمساعدة الحكومة على العمل والإنتاج في أجواء سليمة وطبيعية، لكن هذه الأجواء ليست وليدة اللحظة انما هي ثوابت العهد الذي لا يرى ان التباعد والاصطفاف يأخذ البلاد الى بر الامان».
الحديث عن انفراج حكومي بالتأكيد صار أقرب الى الواقع بعد هذا اللقاء. ومصادر «البناء» تؤكد ان الجلسة «الإيجابية جداً» أسست لأرضية مؤاتية لاستكمال البحث في كافة الملفات العالقة «بدون» العودة الى الوراء. فالتطلع نحو المستقبل كامل من الطرفين في هذه العلاقة، ويعول كثيراً على تغير جذري في المواقف وانفراجات بين الفريقين على الصعد كافة.
السؤال حول القوى الخفية أو الجندي المجهول وراء هذه المصالحة يمليه «حزب الله» الراغب منذ أشهر تعزيز فرص إنجاح «الصلحة» بين الطرفين. وهو الأكثر حرجاً في كل مرة يختلف فيها حليفاه الاساسيان. وعلى هذا الاساس يمكن تخيل اليوم كم يشعر المعنيون في الحزب بالارتياح. وهو الذي قرر تخطي العقبات كلها والاستحقاقات وتمرير الخلافات ودوزنتها بالتي هي أحسن حتى انتهاء الانتخابات النيابية وتحقيق نتيجة مرضية صار يمكن على أساسها الدخول في تثميرها وترجمتها على أرض الواقع. فهل هذه المصالحة هي عبارة عن أرضية لاصطفاف سياسي «أكثري» في مجلس النواب قوامه حلفاء حزب الله تمهيداً لإعلان نيات لهوية سياسية جديدة في إدارة البلاد وتقاسم الوزارات والحصص؟
المنطق يقول إن ترجمة التقدم الانتخابي تتطلب ذلك وإن شيئاً لا يمكن ان يتغير وسط هذه الخلافات التي استفاد منها خصوم حزب الله المحليون أو ما كان يعرف ب 14 آذار، لكن هناك وعلى المقلب الثاني كما يفترض مراجعة واضحة من التيار الوطني الحر الى جدوى الخلاف مع بري ونسبة الإيجابية والفائدة من المصالحة التي تفوق كل الاعتبارات. فكيف بالحال إذا صارت القوات اللبنانية جزءاً لا يتجزأ من أصل المشكلة التي تحيط بحضور التيار بالشارع المسيحي. وهو التيار الذي ربح التمثيل الأقوى انتخابياً في ساحته.. هل اكتشف باسيل عملياً ان الخطر الحقيقي لا يكمن في حركة امل وان الحركة لا تقارعه على الصحن نفسه؟
بالمحصلة كل شيء يشير الى مراجعة واضحة قام بها الوزير باسيل الذي يدرس خطواته جيداً. ويبدو أن الإقدام باتجاه التقارب مع حركة امل هو قرار كبير يفوق الحسابات الضيقة. أما على صعيد التنسيق حكومياً فإن ملفات كثيرة تحمل أبعاداً وآفاقاً مختلفة من البحث تحيط بجولات كثيرة من التنسيق والتعاون المفترض بين النفط والكهرباء وصولاً الى ملف النزوح الذي كان حاضراً في الجلسة الأولى.
على الضفة الحكومية يكشف مصدر سياسي رفيع لـ «البناء» عن استياء من قبل قيادات 8 آذار من عدم ترجمة الانتصار النيابي وزارياً والتوجه لعدم السماح للفريق الآخر بتصعيد مطالبه على حسابهم هو المطلوب، وإلا فإن أي تقدم سياسي او ميداني إقليمي لن يكونوا معنيين فيه بالمعنى الشامل للتموضع المحلي». ربما يكون كلام الوزير السابق عبد الرحيم مراد الذي كان قد كشفه بموقف سابق بنية التحوّل الى صفوف المعارضة حال عدم توزير أي من المعارضة السنية خارج تيار المستقبل تأكيداً على ذلك..