حصة رئيس الجمهورية والقوات نحو إضعاف الرئاسة اللبنانية؟
روزانا رمّال
على الرغم من اقتناع أغلب اللبنانيين أن عرقلة تأليف الحكومة اللبنانية هي محض مسألة خارجية، وعلى الرغم من أن الذاكرة قد لا تُسعفهم دائماً في استذكار كيف أن إطلاق عجلات الحكومات كان يعتمد في أحيان كثيرة على اتصال هاتفي من وراء الحدود منذ عقود ماضية في زمن لبنان الجميل، كما يُطلق عليه البعض تحت مظلة «السين سين» إلا أن الدخول في تفصيل أو تعقيد مطروح حالياً لتمرير الوقت دائماً وأبداً لا يشكو من شيء بانتظار الإفراج عن الحكومة العالقة بين تحديات الرياض وطهران والواقفة عند بوابات مضائق هرمز وباب المندب.
حصة رئيس الجمهورية التي تعود الى الواجهة مع كل مناسبة يُعاد طرح مسألة توزير القوات «سيادياً». هي اليوم واحدة من المشاكل المفترض التوقف عندها بالشارع المسيحي الذي لا ينفكّ يتحدّى القدرات الطبيعية لشكل حكومة بحجم لبنان وحساسياته وبالتسليم جدلاً أن حصة القوات اللبنانية تسمح لها بتوسيع دائرة مطالبها. وهو ما لا ينطبق على أرض الواقع عددياً، بحيث يشكّل التوازي او مجاراة التيار الوطني الحر المتفوّق انتخابياً استحالة في طريق التمثيل الواقعي إلا أن طرح سحب الحقيبة السيادية من رئيس الجمهورية باعتبار أن التيار الوطني الحر لن يقدّم هذا على الإطلاق وضع مفهوم حصة رئيس الجمهورية على طاولة البحث.
عرف لبنان رؤساء متعاقبين استفادوا مما يُسمّى حصة رئيس الجمهورية علماً أن الرئيس اللبناني غالباً ما كان يأتي من خلفيات غير حزبية باستثناء بعض الحالات القليلة، ومنها الرئيس ميشال عون. فالرئيس اميل لحود على سبيل المثال وقبله الرئيس الياس الهراوي وبعدهما الرئيس ميشال سليمان استفادوا من الحصة الرئاسية، فمن غير الممكن أن تتمثل حكومة من دون تمثيل لهؤلاء عرفاً وأخلاقاً وممارسة، كما أن الوزراء الذين كانوا غالباً من حصة الرئيس كانوا يشكلون مطفأة لحرائق عدة ومخارج لتعقيدات كادت توقع البلاد في غير مرة بمأزق وتدخله حساسيات بالغنى عنها، عرف من هذه الحساسيات حقيبة وزارة الدفاع التي كان الرئيس وبصفته ممثلاً للجميع «حَكَماً» وحلاً وسطاً، كيف بالحال أن هذا البلد هو خريج حروب ومتلقي اعتداءات ومحسوب على محاور ضمن السياسات العربية، ولا يمكنه التصرف بحقيبة من هذا النوع بما يثير امتعاض بعض الأحزاب وحتى الطوائف التي قد تجد فيها رسالة تهديد وجودي.
حزب القوات اللبنانية يطرق باب الحصة من جهة ويستهدف الحصول على حقيبة وزارة الدفاع من جهة أخرى، وعلى أن الأخيرة غير واردة حسب مصدر رفيع في «تكتل لبنان القوي» لـ«البناء» فإن حقيبة الدفاع ستكون من حصة رئيس الجمهورية ومن غير الممكن التنازل عن هذا الواقع المعمول به برئاسات متعاقبة، بما أن الرئيس هو القائد الاعلى للدفاع في البلاد، وعليه فإن طرح هذا الأمر للتداول غير مفيد.
القوات اللبنانية التي ترغب بالحصول على حقيبة سيادية لا تتمسّك بوزارة الدفاع حصراً إنما تحاول التقدّم باتجاه الحصول عليها، ضمناً لأن التيار الوطني الحر ليس بصدد التنازل عن أي من حصصه السيادية، لكن ما لا تدركه القوات هو أن مجرد التفكير المباشر باللجوء الى اعتبار حصة الرئيس هي القابلة للأخذ والجذب وليست ثابتة هو إن ارتضت القوات أو لم ترتض «استضعاف» مكانة الرئاسة وحزمها في التمسك بثوابتها واعتبار الرئاسة خاضعة لجوائز ترضية وحسابات، من هنا ليتكشّف عدم اعتراف القوات اساساً بمبدأ حصول رئيس الجمهورية على حصة في هذه الوزارة.
تدعو مصادر القوات في تصريحاتها للصحافة بشكل متكرّر الى الفصل بين حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحصة «التيار الوطني الحر» وتعتبر ما يقوم به الأخير هو محض تذاكٍ. فكيف ستحصل القوات على حقيبة سيادية، إذاً كان التيار يريد واحدة والرئيس يريد أخرى؟
من الجيد الكشف عن موقف القوات الواضح من حصة رئيس الجمهورية لتبدو العقد أوضح. فهي على ما يبدو تعتبر بشكل متناقض انها والرئاسة «واحد» وأن إسناد عون حقيبة لها لن يفسد في الودّ قضية، متناسية أولاً ان اتفاق معراب سقط، وثانياً أن الرئيس عون لم يعُد رئيس التيار الوطني الحر وبالتالي مسألة «المونة» سقطت. وهو غير مشمول أصلاً باتفاق معراب حتى ولو كان هذا الاتفاق اساساً لانتخاب عون رئيساً، إلا اذا كانت القوات تعتبر أنه يحق لها نقض انتخاب الرئيس والعودة الى الوراء.
المسألة التي تحكم وجهة نظر الرئاسة وتصب في صالحها، هي ان الرئيس ميشال عون يفترض انه يمثل كل اللبنانيين، وقد انتخبه النواب فانبثق عن شرعية شعبية شاملة، وبالتالي فان الحصة ليست ملكاً للتيار الوطني الحر كما أن للرئيس هامش الاختيار وكامل الحرية في صرف هذا «العرف» او العادة التي صارت عرفاً مع كل ما يشكل هذا من حساسية إلا إذا أرادت القوات مع حلفائها تطييف الرئيس وإعادته الى كنف العمل والتمثيل الحزبي فيصبح هذا النقد او الطرح تذاكياً حقيقياً.
اللافت أيضاً أن القوات التي من المفترض منها تقوية موقع رئاسة الجمهورية عملاً بطموح رئيسها سمير جعجع بالوصول الى سدة الرئاسة، وقد سبق وترشّح دون أن يوفق في ذلك مفترض ان يقوّي موقع الرئاسة ويوسّع الحصص بدلاً من تقليصها ويسهم بتكبير نفوذ الرئيس بدلاً من عزله ليصبح السؤال: هل كانت لتتنازل القوات اللبنانية حقاً عن حصة الرئيس لصالح التيار الوطني الحر، فيما لو كانت هي ممثلة رئاسة الجمهورية