جبل الصوّان «بالروح نفدي وطناً»
آمنة بدر الدين الحلبي
حين تستفيق الروح على وحشية بربرية من تنظيم «داعش» الإرهابي على جبل العرب، مستهدفاً مدينة السويداء وقرىً في ريفها، مع سلسلة من التفجيرات الانتحارية، أسفرت عن مجزرة حقيقية راح ضحيتها نحو مئتي شهيد من النساء والرجال والأطفال والشيوخ، إضافة الى وقوع 800 جريح، وعشرات المفقودين فجر 25 تموز/ يوليو 2018 باعتقاد ذاك التنظيم «الداعشي» المجرم أن استهداف الصخرة البازلتية سهلٌ للغاية. لم يدرك أن القرب من حجر الصوان سيحيله رماداً، ويطحن عظامه ويرميها للكلاب مع صهيل الأبطال «بالروح نفدي وطناً».
لم يقرأ ذاك «الداعشي» تاريخ جبل العرب، وبطولات أحفاد سلطان الأطرش التي سطّرها التاريخ عنفواناً وشموخاً، لا تنحني هاماتهم لمعتدٍ أثيم، ولا لمغتصبٍ عُتّلٍ زنيم. قلوبهم من صوّان حين تطلبهم ساحة الوغى، وإن قُدَّت نياطُ قلوبهم من شوقٍ، يرخص الغالي والنفيس أمام نسائهم، يتألمون لعصفور داخل قفصه، ويلوون نعل الفرس في أيديهم، لأنها من صوان وأناملهم من بازلت، يسدّدون إلى قلب العدو سهامهم القاتلة برؤوسها المدبّبة من دون خوف أو وجل.
لم يدرك ذاك «الداعشي» فكر رجال الجبل الأشم، المعجون بالنضال على مدار قرن ونيّف من الاحتلال العثماني إلى الانتداب الفرنسي الذي علّم هؤلاء الأوغاد أن هواء الجبل الأشم كسُمٍّ زعاف إلى صدور الغزاة، لأنه فكر بازلتي مثل صخوره، صلبٌ في الحرب ولينٌ في السلم، رجال يعطون السلام لمن يرغب في السلام، ويندفعون للحرب حاملين أرواحهم على أيديهم.
لم يفهم ذاك «الداعشي» أن جبل العرب عصيٌ على الغزاة، أنجب رجالاً لا يماثلهم رجال في الحبّ والحرب على السواء. أشدّاء على الغزاة، رحماء بالضعفاء والمساكين، كرماء لضيوفهم، تجمعهم الألفة، وتضمّهم المحبة، وتسعدهم لمة على فنجان قهوة تُعيد أمجادهم، وتحكي روايات عزّهم وكرامتهم، حين تزغرد في فناجينهم نصراً مؤزراً، ويرتسم الفرح على وجوههم في مضافتهم.
لم يرَ ولم يسمع ذاك «الداعشي» قصة المناضل ابن الجبل البازلتي التي سقطت بجانبه قذيفة مدفع فرنسي وانفجرت محطّمة عظام ساقه، وتناثرت أشلاء ربطها الجلد الأسمر المخضب بالدماء الذكية الطاهرة، واتكأ على بندقيته وعاد بها إلى الخلف مترنّحة ذات اليمين وذات الشمال غير آبه للألم، بترها بخنجره، ولفّها بعصابته جيداً لإيقاف النزيف، وحملها بيده اليسرى وتأبّط بندقيته مرة أخرى وقام.
لم يعلّموا ذاك الداعشي أن الجبل الأشمّ هو صعب المنال إن زمجرت به الريح يصبح ليله طاعن في السواد، حالكاً بالألم على أعدائه، يتمطّى بصلبه على أكتافهم، ويقتلعهم بمخالب الحدّاء قبل أن تطأ أقدامهم صخوره البازلتية حتى لا تتلوّث بقذارتهم، وإن حصل فستسحق عظامهم، وعلى حبال الكهرباء ستجدل مشانقهم.
لم يقرؤوا الدرس على مسامع ذاك الداعشي أن الصخرة البازلتية محرّمة على الأعداء تشويهم بنارها صيفاً، وتسلخ جلودهم، وشتاؤها يُحيلهم سِقْطَ صقيعٍ على جميد الأرض، تنهش أجسادهم غربان الليل، وتمزق أحلامهم الوردية ثعابين الصوّان التي تنفث سُمَّها على المجرمين المستهترين بأرواح الأبرياء.
خضتم التجربة في الجبل الأشمّ، أيها الأوغاد، ومازلتم تناوحون، لكن أبطال جبل الصوّان سيرسلون عليكم حاصبًا وهم يردّدون «بالروح نفدي وطناً».