أمل وحزب الله لتأكيد الحلف المتين… ولقاء الأحزاب يحمّل 14 آذار التعطيل الحكومي عون يضع الحريري بين اعتماد النسبية في التأليف أو حكومة أغلبية… ويستغرب التأخير
كتب المحرّر السياسي:
بالتزامن مع فضيحة التعاون الأميركي السعودي في اليمن مع تنظيم القاعدة بصورة رسمية وعلنية، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراراً تنفيذياً لبدء تنفيذ العقوبات على إيران، موجّهاً في الوقت نفسه للقيادة الإيرانية طلباً للتفاوض حول تفاهم نووي جديد، بينما ردّ الرئيس الإيراني حسن روحاني على كلام ترامب بقوله إنه لا يرى رابطاً بين الأمرين. فالعقوبات والتفاوض لا يستقيمان معاً، والتفاوض يحتاج للأمانة التي شكل خروج أميركا من التفاهم النووي انتهاكاً فاضحاً لها بينما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنّ العقوبات ستترك آثاراً سلبية وتربك الاقتصاد والمجتمع في إيران، لكن في النهاية سيتمّ تخطي هذه الأزمة كما تمّ تخطي ما سبقها، وستندم واشنطن على السير بالعقوبات.
في سورية نجح الجيش السوري في تحقيق تقدّم نوعي في بادية السويداء، وبدأ معركة لحسم سريع يُنهي وجود داعش في تلك المنطقة، بالتوازي مع مواصلة الاستعدادات لمعركة الشمال وخصوصاً استعادة الطريق الدولي بين حماة وحلب، وتطهير الريف الشمالي لحماة والريف الجنوبي لإدلب من جبهة النصرة، بينما تتواصل إشارات إيجابية على مسار التفاوض بين الحكومة السورية و«قوات سورية الديمقراطية»، تحت عنوان حلّ سياسي يضمن خصوصية معينة يطلبها الأكراد من دون المساس بوحدة سورية، وتسليم مناطق سيطرة «قوات سورية الديمقراطية» للدولة السورية ومؤسساتها العسكرية والأمنية والمدنية.
لبنانياً، وتحت ضغظ أزمة الكهرباء بشقيها الخاص بالباخرة التي رحلت من الجية إلى الذوق بعد رفض استقبالها في الزهراني، وبالتسعيرة المرتفعة للمولدات وانعكاساتها على المواطنين، سارعت قيادتا حركة أمل وحزب الله الى الاجتماع لمنع الدخول على خط التباينات التي ظهرت في مواقف الطرفين في الأيام القليلة الماضية، لتأكيد متانة الحلف بين الشريكين الاستراتيجيين، وقدرة هذا الحلف على احتواء التباينات وخوض حوار يصل إلى بلورة رؤى موحدة.
لبنانياً أيضاً، والتعثر الحكومي مستمرّ، حمّل لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، قوى الرابع عشر من آذار مسؤولية التعطيل، خدمة لمشاريع خارجية، بينما أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استغرابه لعدم مسارعة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لتقديم مشروع حكومته العتيدة، مخيّراً الحريري بين صيغتي حكومة تعتمد النسبية في تمثيل الأطراف السياسية وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية أو الذهاب إلى حكومة أغلبية نيابية.
مصادر متابعة للملف الحكومي أبدت قناعتها، بأنّ الاستعصاء الحكومي سيطول، طالما أنّ الحريري لا يريد مواجهة الرغبة السعودية بربط الانفتاح اللبناني على سورية بالتطبيع السعودي السوري، وهو ما لا يبدو قريباً، وما يترتب على ذلك من وضع لبنان بين خيارين: حكومة تضمن للسعودية الثلث المعطل وعدم سيرها بخيار الانفتاح على سورية، أو تأجيل تشكيل الحكومة لحين نضوج العلاقات السورية السعودية، لطي صفحة التعقيد الناتج عن التورّط السعودي في الحرب على سورية.
اجتماع أمل وحزب الله: العلاقة متينة
من المتوقع أن يستأنف الرئيس المكلف سعد الحريري مفاوضات تأليف الحكومة بعد عودته الى بيروت مساء أمس، وذلك بعد جمود رافق ملف التشكيل خلال الأيام القليلة الماضية. وفي ظل هذا الواقع الحكومي الضبابي، اختنق المشهد الداخلي بالأزمات الحياتية وسط تحذير خبراء اقتصاديين من انعكاس تأخير ولادة الحكومة على مجمل الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي.
وتصدّرت أزمة الكهرباء لائحة الأزمات التي يعاني منها المواطن في ظل نظام تقنين قاسٍ في ساعات التغذية بالكهرباء شمل مختلف المناطق اللبنانية، وبعد منع نواب حركة أمل الباخرة التركية «إسراء سلطان» من أن ترسو على شاطئ الزهراني، انتقلت الباخرة وحطت أمس قبالة معمل الزوق .
غير أن اللافت هو استغلال بعض الجهات أزمة الكهرباء وتباين وجهات النظر بين أمل وحزب الله حيال هذا الملف بهدف إثارة الخلاف بين الطرفين لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولإحباط هذه المحاولات، سارعت قيادتا أمل والحزب الى الاجتماع مساء أمس، وتم إصدار بيان مشترك أكدتا خلاله على العلاقة المتينة بينهما.
وعُقِد الاجتماع في مكتب المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل في الضاحية الجنوبية ضمّ كلاً من الوزير علي حسين خليل والحاج أحمد البعلبكي عن أمل والحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا عن الحزب، وجرى نقاش موسّع في القضايا المشتركة، وأكد المجتمعون أن «ما جرى لا يعكس حقيقة القرار الحاسم والأكيد لدى قيادتي الطرفين عن العلاقة المتينة التي ترسّخت بينهما خلال كل الاستحقاقات وموقفهما المشترك في مقاربة واحدة للملّفات الوطنية والسياسية والإنمائية وغيرها وضرورة تنظيم هذا الأمر من خلال الهيئات المختصة».
وفي وقتٍ رفض أصحاب المولدات تنفيذ قرار وزارة الاقتصاد، لفت وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري ، إلى أنّ «الدولة أخذت قرار تنظيم قطاع الكهرباء والمولدات، إلى حين أن تؤمّن الكهرباء 24 ساعة»، مبيّنًا أنّ «وزارة الطاقة ووزارة الاقتصاد و وزارة الداخلية ستطبّق القرار بتركيب العدادات، وهناك غرامات ستُفرض، وستبسط الدولة هيبتها».
هل يقذف عون الكرة إلى المجلس النيابي؟
على صعيد تأليف الحكومة، لم يبرز أي جديد بانتظار ماذا سيحمل الحريري من جديد في جعبته بعد زيارته الى الخارج. ومن المرتقب بحسب المعلومات أن يزور قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية بينما بقي الغموض يلفُّ اللقاء بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، حيث التواصل مقطوع بينهما، بحسب مصادر التيار الحر التي تساءلت عن سبب تمنّع الحريري من المبادرة والاتصال بباسيل وتحديد موعد للقاء بينهما لتذليل العقد الحكومية؟ وقد جدّد الرئيس ميشال عون، بحسب زواره على أن تأليف الحكومة يجب أن يُراعي نتائج الانتخابات النيابية ورفضه احتكار بعض القوى تمثيل الطوائف، كما نقل الزوار استغراب عون الأسباب التي تؤخّر تأليف الحكومة، لا سيما أن الحريري لم يقدّم حتى الآن تشكيلة كاملة متكاملة.
وفي ضوء المشهد الحكومي القاتم والآيل إلى مزيد من التعقيد، وفي ظل عدم تحديد الدستور مهلة للرئيس المكلّف لتأليف الحكومة، ما يضع البلاد أمام أزمة دستورية وسياسية في آن معاً قد تؤديان الى أزمة نظام، بدأ التداول في الكواليس السياسية بعدد من السيناريوات البديلة عن حكومة الوحدة الوطنية كحكومة أكثرية أو توقيع رئيس الجمهورية أي تشكيلة يقدّمها الحريري على أن يعمد الرئيس عون الى إسقاطها في المجلس النيابي بالتعاون مع الأكثرية النيابية الجديدة عبر حجب الثقة عنها، والدعوة الى استشارات نيابية جديدة. وبذلك يكون الرئيس عون قد دفع الكرة الى ملعب الرئيس المكلف عبر اللجوء الى المسار الدستوري للتأليف كي لا يتحمّل مسؤولية تأخير ولادة الحكومة، لكن مصادر مطلعة استبعدت هذا السيناريو، مؤكدة لـ«البناء» أن «الرئيس عون لن يوقع تشكيلة غير مقتنع بها ولا تراعي المعايير والأصول، وبالتالي لن يوقع قبل التأكد من أنها ستنال الثقة في المجلس»، بينما تحدّثت مصادر دستورية الى اتجاه لدى رئيس الجمهورية لمخاطبة مجلس النواب في حال بقي الوضع على ما هو عليه حكومياً، من خلال توجيه رسالة إلى المجلس يشرح خلالها الظروف الذي واكبت مسار التأليف ويضع البرلمان ممثل الشعب أمام مسؤولياته. في المقابل اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحسب مصادره، بأن الأجواء إيجابية من دون ترجمة لها على أرض الواقع، مشيراً الى أن الضروراتِ الداخليةَ والاقتصادية تُوجِبُ كسر الحلقة وتشكيل الحكومة ، واستبعدت مصادر بري لـ«البناء» أن يدعو الى جلسة تشريعية في الوقت الراهن رغم أن الدستور يسمح له بذلك، لكنه لن يفعل الآن».
غير أن اللافت هو الإجماع داخل الطائفة السنية معارضة وموالاة حول الحريري لجهة رفض المسّ بصلاحيات رئيس الحكومة واتفاق الطائف وتقييد رئيس الحكومة بمهلة معينة بالتأليف، كما ورفض اللجوء الى خيار التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال واعتباره عملاً غير دستوري، ما يشكل خلافاً مستجداً بين عين التينة وبيت الوسط لم يظهر الى العلن حتى الآن، حيث تشير مصادر المستقبل لـ«البناء» الى أن «القيادات السنية تستشعر محاولات من العهد لإعادة الاعتبار لصلاحيات رئاسة الجمهورية ما قبل الطائف وذلك عبر الممارسة السياسية، وتلفت الى أن «العقدة في تمسّك عون بالثلث الضامن ما يمكنه من شل الحكومة وإسقاطها ساعة يشاء ومحاصرة رئيس الحكومة وجعله تحت الابتزاز الدائم بورقة إسقاط الحكومة».
وقد أوحى اللقاء بين النائب طلال أرسلان والوزير باسيل في وزارة الخارجية مراوحة العقدة الدرزية وتمسك التيار الحر والرئيس عون بتمثيل درزي لأرسلان، الذي قال: «إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فواقع البلد سيكون صعباً». ورأى ارسلان ان «احتكار طائفة بشخص او بخط سياسي واحد يعطل الميثاقية لعمل الحكومة في أي قرار»، معتبراً «ان هناك مساً بالمحرمات». وأعلن ان العقدة ليست عندنا، بل لدى الذي يطالب بمبدأ احتكار الطائفة». مشيراً الى أن «الاحتكار يعني التسلّط والهيمنة والنيات السيئة باتجاه الميثاقية مع الطوائف الأخرى».
متى تُفرِج السعودية عن الحكومة؟
وفي غضون ذلك، تحدّثت مصادر «البناء» عن ضغط فرنسي من أجل الدفع باتجاه تأليف الحكومة وكف يد السعودية بضوء أخضر أميركي، بعد استشعار فرنسا خطراً على لبنان جراء غياب الحكومة. وأشارت المصادر الى أن «الحريري لا يستطيع الخروج عن المظلة السعودية ولا يمكنه نسف التسوية الرئاسية مع الرئيس عون»، وأوضحت أن «السعودية والإمارات لا تريدان إنجاح عهد عون بعد اتخاذه مواقف وقرارات استراتيجية تصبّ في مصلحة محور المقاومة لا سيما ضد إسرائيل وفي أزمة النازحين». وتتساءل المصادر متى تفرج السعودية عن حكومة لبنان؟ وترى أن «الرياض وبعد خسارتها في العراق واليمن وسورية وفشل العقوبات على ايران من تحقيق أهدافها المرجوة، لم يبق لها الا لبنان وبالتالي لن تفرط باتفاق الطائف والحفاظ على المكتسبات وتعمل على تخفيف الخسائر لإبقاء نوع من التوازن للتفاوض مع ايران وتعمد الى عرقلة التأليف من خلال رئيس القوات سمير جعجع الذي بادر منذ بداية التأليف الى وضع مطالب صعبة التحقق كانتزاع حقيبة سيادية من حصة التيار الحر الأمر الذي يرفضه التيار العوني، وتدّعي القوات بأن رئيس الجمهورية وافق على ذلك، وأشارت معلومات قناة الـ»أم تي في»، المحسوبة على القوات، أنّ «جعجع ترك الحرية للرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري ، لتحديد أي وزارة سياديّة ستُمنح لـ«القوات» بعد موافقة رئيس الجمهورية على ذلك».
وحمّل لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية «فريق 14 آذار برئاسة الرئيس المكلّف سعد الحريري المسؤولية عن تعطيل التشكيل من خلال اختراع واصطناع العقد عبر تضخيم تمثيل البعض، وطرح شروط تتناقض مع نتائج الانتخابات النيابية»، وأكد أن «فريق 14 آذار يتحمّل المسؤولية عن تفاقم الأزمات، وهو يغلّب مصالح الدول الخارجية على مصالح لبنان وشعبه ويسعى إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات، لتكريس هيمنته مجدداً على السلطة»، مطالباً مجلس النواب بـ»تحمل المسؤولية في هذه المرحلة والبدء بعقد جلسات تشريعية تخصص لإقرار القوانين الضرورية المتعلقة بمطالب اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية والخدمية الملحّة، والتي لا تحتمل التأجيل».
في المقابل أكد الحريري أمس، أن «على الجميع العمل من أجل لبنان موحّد، كي يكون بلداً للجميع، وليس لأي فريق دون الآخر»، وخلال استقباله المشاركين في المخيم الدولي للقادة الشباب، لفت الى»أننا نعمل ما في وسعنا لإعادة الثقة بالدولة، وإطلاق الدورة الاقتصادية لتلبية مطالب الشباب وتأمين مستقبل زاهر لهم»، مؤكداً «ضرورة تعزيز دور القانون في البلد، بما يحسِّن كل ما يواجهنا من أوضاع، سواء على الصعيد البيئي أو التنظيمي أو الاجتماعي».
على صعيد ملف النازحين، أعلنت المديرية العامة للأمن العام ، في إطار متابعة موضوع النازحين السوريين ، «تخصيصها مراكز لاستقبال طلبات النازحين السوريين الراغبين في العودة الطوعية إلى وطنهم، على الأراضي اللبنانية كافة».
وأكدت مصادر مستقبلية لـ«البناء» أن «الرئيس الحريري وافق خلال الاجتماع الرئاسي الأخير في بعبدا على تفويض اللواء عباس إبراهيم كعضو في اللجنة الثلاثية الروسية السورية اللبنانية للتواصل مع سورية لإعادة النازحين الى سورية».